حالة الشغف بمتابعة وتشجيع المنتخبات العالمية، وجدت تصريفها وترجمتها بالأسواق، فالأعلام تباع في كل مكان وكذلك القمصان التي تحمل أسماء المنتخبات الأجنبية، هذا ما يعكس تنامي الاهتمام بهذا الحدث العالمي من قبل الشباب السوري، ظاهرة وصفها الدكتور في قسم الفلسفة بجامعة دمشق احمد برقاوي بـ"الخطيرة جدا " لأنها على حد تعبيره تعبر عن "انحطاط وابتذال ثقافي وتشكل فضيحة من الفضائح الكبرى وهي جزء لا يتجزأ من الفضيحة الكلية في الوطن العربي".
حماس العائلة والجيران
وخلال استفسارنا عن كيفية مشاهدة المباريات أجاب فراس إن "المشاهدة ستكون في المنزل"، مشيرا إلى انه" قام بشراء كرت بقيمة 5000 ل.س كونه مشترك سابق في الجزيرة منذ سنتين".
وتحدث فراس وسعادته لا توصف بان "صاحب النادي الرياضي الذي اعمل به ولحسن الحظ قام بشراء كرت بقيمة 5000 ل.س أيضا كونه مشترك سابق بالجزيرة وبهذه الحالة استطيع أن أوفق وأتابع جميع المباريات في العمل والبيت".
يراهن فراس على تأهل المانيا في كاس العالم وخروج البرازيل من الكأس منهزما كون المنتخب الألماني يتمتع بقوة الأداء والروح المعنوية أكثر بكثير من البرازيل ، لافتا إلى أن "المراهنات ليست مادية في الوقت الحالي وإنما شفوية على عشاء أو مشروب".
وخلال استفسارنا عما إذا كان فراس يعاني من مشاكل مع أهله آو جيرانه أثناء متابعة المباريات، قال إن "جميع عائلتي كانوا ومازالو يشجعوني على متابعة المباريات وفيما يتعلق بالجيران فإنهم متحمسون جدا بل أكثر مني وهم بصدد تعليق الأعلام والصور"، معتبرا أن "تشجيع وحماس الأهل والجوار ضروري وهام كونه يخلق جو من الحماس والألفة والمرح" .
وحالة مناقضة
خلافا لحالة فراس فان الصراع لم ينته بين وليد (سنة ثالثة إعلام)مشجع منتخب ايطاليا وعائلته فالتحضير لكاس العالم وتعليق الأعلام ومتابعة أخبار الفرق غدا هاجس وليد الوحيد بينما الأهل يعارضون بشدة تصرفات وأفكار ابنهم وحماسه الذي يصفونه بـ" الفارغ" .
ونتيجة معارضة الأهل قيام ابنهم بشراء كرت لمتابعة جميع المباريات كاس العالم في المنزل، قرر وليد الذهاب هو و أصدقائه إلى إحدى المطاعم للمشاهدة حتى لا يتسبب بإزعاج أهله.
عائلة وليد عبرت عن رفضها المطلق حول عزم ابنهم الذهاب إلى إحدى المطاعم لمتابعته جميع المباريات ، إذ قالت والدته "نحن في جميع المباريات نعاني من مشكلة خطيرة مع ابننا ونحن كعائلة لا نمنع وليد من متابعة لعبة واحدة أو لعبتين في اليوم مع أصدقائه في المطعم ولكن المشكلة الأكبر انه مصمم على متابعة جميع المباريات وبالتالي فإنها تنعكس سلبيا على دراسته ".
وأضافت الأم أن "كرة القدم كانت ومازالت بالنسبة لأكثر الشباب هوا وعشقا فالشباب يتابعون المباريات ضاربين عرض الحائط إن كان لديهم واجبات دراسية أو التزامات بيتيه ولذلك نرى الشباب في صراع مع الأهل لان الأهل يطالبون بحضور مباريات القدم بعد الانتهاء من الدروس بينما الشباب يعتبر المباريات في المصاف الأول" .
موضوع الجيران تعتبر مسالة حساسة للغاية بالنسبة للعائلة حيث قالت الأم إننا "نمنع وليد مطلقا من متابعة المباريات في البيت كون المباريات تكون في ساعة متأخرة من الليل وحضور الشباب للمباريات وحماسهم الشديد بدخول الكرة أو عدم دخولها يبدأ الصراخ والضجيج وأصوات عالية الأمر الذي يسبب إرباك للأهل وإزعاجاً للجيران".
بعد منع أهل وليد بمتابعة جميع المباريات تحدث لنا بأسى وحزن شديد قائلا انه "متحمس كثيرا لمتابعة المباريات لكن معارضة الأهل حالت دون ذلك، و بالنسبة للحماس لم يعد لدي حماس حتى تعليق الأعلام فان أهلي لم يشجعوني على تعليقها في المنزل بل عارضوا بسبب المنظر غير الجميل واللاحضاري".
ازدهار تجارة الأعلام والقمصان
استطلعت سيريانيوز على بعض المحلات التي تبيع الأعلام والصور وغيرها، حيث تراوح سعر العلم بين 160 ليرة الى 100 ليرة، اما الأعلام الصغيرة بين 25 و50 ليرة، والقمصان(صورة كرة وعليها رقم اللاعب) تتراوح بين 500 و 700 ليرة.
صاحب محل أحذية رياضية (احمد) كشف ان " درجة الإقبال على الأعلام والصور تفوق الوصف وخاصة أعلام البرازيل والأرجنتين وحققت لي أرباحا طائلة، حيث يتراوح ربحي اليومي مابين 700 – 800 ل.س ".
بالمقابل كان شادي صاحب محل هدايا له جواب آخر،، حيث قال إن "درجة الإقبال على الأعلام والصور قليلة جدا( بيع علم أو علمين في اليوم ) ولا تعود علي بالربح الوفير".
وعن أكثر الأعلام طلبا ، أجاب شادي إن "شراء الأعلام يتركز على الفرق ( المانيا – البرازيل – ايطاليا – اسبانيا – الأرجنتين) أكثر من الصور بكثير".
وخلال إجراءنا مقارنة مابين السبب الذي دعا احمد يبيع أكثر من شادي ، برر شادي بان "منطقة البرامكة تشهد حركة شرائية كبيرة لأنها وسط المدينة ، إضافة إلى قربها من الكراجات والجامعات بعكس منطقة التجارة فان غالبية الأشخاص لا يميلون لشراء الأعلام ولا حتى الصور".
فيما قال صاحب محل ألبسة رياضية رفض الكشف عن اسمه أن "البيع يتركز بشكل أساسي على الألبسة الرياضية وتحديدا (كنزات – بلوزات) وخاصة لفرق البرازيل والأرجنتين أكثر بكثير من الأعلام والصور"،لافتا إلى أن" مربحه الأساسي اليومي يتراوح مابين 3000 إلى 5000" .
المطاعم والمقاهي تستعد
وخلال جولاتنا الميدانية على العديد من المطاعم التقينا احد المدراء في مطعم (ك.ك) وتحث لنا عن كيفية التحضير والاستعدادات لكاس العالم فقال إن "الاستعدادات جارية ونحن نترقب كاس العالم بفارغ الصبر"، مشيرا إلى أن" الإدارة قامت بتجديد الكرت كونها مشتركة سابقة في الجزيرة" .
وأضاف أننا "نقوم بتحضيرات قبل بدء كاس العالم فيما يتعلق بتجهيز شاشات عرض وتوسيع المطعم وفصل المدخنين بحيث الكل يكون في أجواء مريحة".
وفيما يتعلق بالتسعيرة ستبقى على حالها وأوضح قائلا" سعر فنجان القهوة 160 ليرة سيبقى على حاله ولكن بعد ساعة على بدء المباراة سنحث الزبائن على تجديد الطلب مرة أخرى" .
الشرطة السياحية للمشاجرات
إدارة المطعم لاتخشى من حصول أي مشاجرات لان الزبائن على درجة عالية من الوعي وفقا للمدير، حيث قال أننا" على استعداد تام في حال حصول أي مشادات كلامية إذ قمنا بتعيين موظفين لضبط الوضع أما المشاجرات فإننا نقوم على الفور باستدعاء الشرطة السياحية".
وعن الهدف من اشتراك المطعم في كأس العالم ، أجاب إن "الإدارة هدفها الأول هو الربح المادي بالإضافة إلى أن كاس العالم فرصة لجلب زبائن أكثر إلى مطعمنا".
ويعتزم صاحب مطعم اخر (ا ن) تجديد الكرت بقيمة 5000 كونه مشترك سابق بالجزيرة، حيث قال إن" التحضيرات جارية ونحن على أهبة الاستعداد لترقب المباريات وشراء الكرت لخدمة زبائننا ".
وفيما يتعلق بإمكانية حدوث مشاجرات داخل المطعم ، أجاب (ا.ن) إن "المشاجرات أو حتى المشادات الكلامية لايمكن أن تحدث لان الأشخاص الذين سيتابعون المباريات هم زبائننا منذ زمن"، مشيرا إلى أن التسعيرة الطلبات لن تتغير ستبقى على حالها".
وعن الجيران ، قال إن "جيران المطعم لن يتأثروا بشي وهم يشجعوننا دائما على شراء الكرت لان جميع الجيران هم بالأصل زبائن المطعم".
بالمقابل فان مطعم (م.ش) فكان مديره له رأياً مختلفاً حيث قال أننا "غير مستعدين على الإطلاق بشراء الكرت والموضوع لايعنيني وتوجد عدة أسباب تمنعني من شراء الكرت أبرزها حصول مشاجرات وإزعاج للجيران وهروب الزبائن أثناء المباريات" .
وتابع المدير أنا "شخصيا أحب كرة القدم كثيرا وسوف أتابعها في مطعم آخر ،أما فكرة شرائي للكرت غير واردة أبدا".
انحطاط وابتذال ثقافي
خلافا لشغف وحماس عشاق الرياضة، وصف د. بجامعة دمشق –قسم الفلسفة احمد برقاوي الظاهرة بأنها "خطيرة جدا "، معتبرا أن "انشغال المجتمع بمعظم الفئات العمرية بكاس العالم لكرة القدم تدل على انحطاط وابتذال ثقافي وتشكل فضيحة من الفضائح الكبرى وهي جزء لايتجزأ من الفضيحة الكلية في الوطن العربي".
وحب الرياضة وفقا لبرقاوي ليس "بمعيب لكن في حال أصبحت الهاجس الوحيد لشبابنا تحولت الى كارثة"، متسائلا كيف بمجتمعنا أن "يتجاهل كل المشاكل الخطيرة والجسيمة أبرزها مشكلة البطالة والفقر والتعليم إضافة إلى المشاكل الوطنية ويتركها ويذهب إلى متابعة المباريات، وتعليق الأعلام والانشغال بترقب الأحداث الرياضية" .
وتساءل أيضا كيف للشباب أن "ينحاز لفريق وهو لايعرف عنه شي وينسى انه من بلد عربي..هل هناك أي شخص في دولة أوروبية يفكر بفريق عربي ويرفع العلم العربي ويضعه على سيارته في شوارع لندن أو بارس.. بالطبع لا".
واستهجن برقاوي انه "كيف بشبابنا العربي معرفة أسماء جميع لاعبي كرة القدم من ألماني وفرنسي وايطالي ولا يعرف عن أسماء أبطاله القوميين الذين استشهدوا في سبيل الوطن".
وختم كلامه أن "الانتماء والحس الوطني ضعيف جدا لا احد ينظر إلى الأوطان نظرة مقدسة ولا ينظرون إلى الناس أنهم مواطنون والناس يبحثون عما يسليهم في الحياة وينسون واقعهم. بدليل أن الإدمان والهوس على متابعة المباريات دليل ومؤشر على أن الشباب يعانون من فراغ نفسي" .
وماذا عن المنتخب السوري
جدير ذكره ان بتاريخ تصفيات كاس العالم، لم يشهد نجاح الفريق السوري ولا مرة واحدة في تجاوز تصفيات القارة الأسيوية، والتي بموجبها تترشح الفرق للمشاركة في التصفيات النهائية، وكانت أقصى مرحلة وصل إليها في عام 1986 حيث خسر أمام المنتخب العراقي في مباراة للترشح عن القارة الأسيوية.
يشار ان نهائيات كأس العالم لهذه الدورة تقام في القارة الإفريقية للمرة الأولى بعد قرار الاتحاد الدولي إسناد تنظيم البطولة لجنوب إفريقيا حيث ستبدأ في الفترة من 11 حزيران وحتى 11 تموز المقبلين بمشاركة 32 فريقا وزعوا على ثماني مجموعات.
ويذكر أن البطولة السابقة أقيمت في ألمانيا عام 2006 ، وتوج بلقبها المنتخب الايطالي بعد فوزه في المباراة النهائية على نظيره الفرنسي بفارق ركلات الترجيح 5-4 بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل.
هديل ندروس - سيريانيوز شباب