قرار السماح لم "يحدد آلية يمكن من خلالها يتم ضبط أو معاقبة الطلبة الذين يستغلون القرار للشغب ويسعون الى تعطيل الدروس، أو لتبادل صور مسيئة للأخلاق مع زملائهم"، هذا ما أثار استياء العديد من المدرسين والموجهين وحولهم إلى هدف لعبث الموبايلات بعدساتها الصامتة، والمعلمة(م.ن) ليست "الضحية" الوحيدة لطلابها.
ضبط بالجرم المشهود
قبل عدة أيام وفي إحدى مدارس دمشق تم ضبط طالبة تقوم بتصوير إحدى معلماتها داخل الصف أثناء إعطاء الدرس.
سيريانيوز التقت المعلمة (م.ن) التي كانت هدفا لعبث طلابها فقالت : "ضبطت طالبة تصورني أثناء إعطاء الدرس، وقد اعترفت بأنها اتفقت مع بعض زميلاتها لصرف نظري عنها أثناء قيامها بالتصوير، ليقوموا بعدها بالعبث بصورتي وبمقطع الفيديو الذي تم تصويره ونشره على شبكة الإنترنت وعلى موقع Face book تحديدا".
وأردفت المعلمة إن "السبب الذي دفع الطالبات إلى ذلك هو أنني صارمة داخل الصف أحاول أن أعطيهم بعض المعلومات الزائدة لتكون لديهم خليفة معرفية جيدة عند انتقالهم إلى صف أعلى، ولكن هذا الجيل لا يريد أن يتعلم ويريد أستاذ يمزح ويلعب معهم داخل الصف".
وفي حادثة اخرى مماثلة-وفقا لمدرسة مطلعة - قبل نحو ثلاثة اشهر 11 لعام 2009، أصدرت مديرية تربية دمشق قرار بفصل احد الطلاب من جميع مدارس القطر بسبب تصوير أساتذة وآنسة، وتعديل صورهم بواسطة برنامج (الفوتو شوب) وتبادلها مع زملائه عبر البلوتوث ونشرها على شبكة الانترنت.
الأهل: الموبايل نقمة ونعمة
السماح باصطحاب الموبايل إلى المدرسة أثار جدلا واسعا بين أهالي الطلاب، فمنهم من تقبل وجوده كأي تقنية دخلت إلى بيوتهم من (كمبيوتر- انترنيت) ومنهم من أكد على ضرورة وجوده مع الأبناء لبعد المدارس عن بيوتهم، والبعض الآخر وجدوه به نقمة عليهم، خاصةً أصحاب الدخل المحدود لأنه يثقل كاهل الأسرة في مصاريف زائدة عن الحاجة لم تكن في حسبانهم.
قالت السيدة فلك(ربة أسرة) إن "ابني يحتاجه لأن مدرسته بعيدة عن البيت، ولكن لا يمكن التمييز بين الطالب الذي يحتاجه وهو مضطر لذلك وبين الذي يحمله فقط من أجل التباهي ولتصوير رفاقه وأساتذته، وهنا تكمن المشكلة فهو كغيره من الأجهزة له مساوئه ومحاسنه".
وذهبت فادية (صيدلانية) في رأيها إلى اعتبار ان "الموبايل أصبح وجوده عادياً في عمر 10 سنوات وأكبر ولا يمكننا أن نقول لهم (لا) ولاسيما عندما يكون كل رفاقهم يحملون موبايل، لهذا أصبح حمله أمراً واقعاً مثله مثل أي تقنية حديثة ونحن بحاجة لمسايرة العصر".
بينما كشفت أم محمود (ربة منزل وأم لأربعة أولاد) "أولادي ينفقون حوالي (3.000 ل.س) شهرياً على الموبايل وهذا مرهق لنا، وغير ذلك أنني في بعض الأحيان أضبط بحوزتهم صور ومقاطع فيديو خادشة للحياء ولكن برغم معاقبتي لهم إلا أنهم لا يرتدعون ويقولون أن كل زملائهم يملكون موبايل".
المدرسون: المساوئ بالجملة
الأستاذ محمد (موجه) يقول "ليس مسموحاً لإدارة المدرسة مصادرة الموبايل إلا عند استعماله بشكل مخالف للتعليمات وأثناء الحصص الدراسية، عندها يصادر من الطلاب ويعاد في نهاية الدوام، ووجود الموبايل في حوزة الطالب فهو أمر مسموح ولا يمكن مصادرته إذا كان مقفلاً".
وعن المساوئ قال إنها "كثيرة ولا تعد من تعطيل للدرس كأن ينسى الطالب إقفال الموبايل مثلا أو استخدامه لتصوير حالات ولقطات غير طبيعية للأساتذة داخل الصف، وتناقل صور غير مستحبة".
وأردف إننا "للأسف نعاني من مشكلة مع الأهل فهم يطالبوننا أن نمنع استعمال الموبايل وهم بأنفسهم يدفعون ثمن الجهاز وقيمة الفواتير".
وعن كيفية التعامل مع الحالات التي تخل بالتعليمات قال:"يحجز الموبايل إلى أن يأتي الأهل ويقوموا بكتابة تعهد بعدم تكرار استخدامه".
وعن الموبايل كتقنية بيد الطلبة قال "لابد من تربية الطفل على التقنيات الحديثة وتوضيح مساوئها وحسناتها، والتركيز على حسناتها، يجب ان يفهم الطالب ان هذه التقنية وجدت ليستفيد منها وليس للإساءة للآخرين أو لنفسه ويتم ذلك من خلال الأهل والمدرسة".
بينما وجد الأستاذ (م.و) إن "وزارة التربية بهذا القرار حولت الصف التعليمي إلى مقهى انترنت كون الطالب أصبح عن طريق هاتفه النقال أن يدخل إلى شبكة الإنترنت، ناهيك عن الصور الخلاعية التي توجد في بعض هواتف الطلبة، وهذا الشيء يسبب أذى و دمار لأفكار الطلبة و تشتيت عقولهم ويبعدهم عن الفهم أثناء الدرس، حيث يصبح الطالب شارد الذهن بسبب الموبايل الذي يرن في جيبه".
وبذات الاتجاه قال الأستاذ (خ.ر) "نحن نحترم قرارات الوزارة لأنها تبحث في جعل الطالب يرتاح في المدرسة ولكن يمكن للطالب أن يتصل من هاتف المدرسة إذا كان هناك ضرورة ما، لأن الحوادث التي حصلت في المدارس من جراء هذا القرار أثبتت عدم صلاحيته".
أما الآنسة (حنان غزال) تقول "الموبايل أفسد الجيل كغيره من التقنيات (الإنترنت خصوصاً) والذي لا يعرف الطالب به سوى(الفيس بوك والشات) فالطالب لا يستخدمه إلا للتسلية والأشياء الضارة به، والسبب هو عدم توعية الطلاب بحسنات ومضار هذا الجهاز، وأنا لست مع قرار التربية السماح بجلب الطلاب الموبايل إلى المدرسة رغم اشتراطهم إبقاء الجهاز مقفل ولكن من هو الرقيب على الطالب داخل الصف".
الطلاب: مسلي ومفيد
الطالبة سارة(بكلوريا علمي)تقول "الموبايل مفيد لي جداً فاضطر في بعض الأحيان الاتصال بأهلي عندما يخرجني الأستاذ من الصف، أقوم بالاتصال بهم ليطلبوا من المديرة إرجاعي إلى الصف كي لا يضيع الدرس علي، أو عندما أريد أن أتأخر عن البيت لسبب ما، كما أنه مسلي وقت الاستراحة حيث أستطيع سماع الأغاني وتبادل الصور والأغاني مع رفاقي".
وأردفت سارة "بعض زميلاتي يستخدمن الموبايل بشكل سيء كتصوير الأساتذة أو تصوير زميلاتهم أثناء التسميع داخل الصف في وضعيات مضحكة لتداولها بعد ذلك عبر(البلوتوث)".
وكشف الطالب في إحدى مدارس دمشق الخاصة (ل.ع) "بعض زملائي في الصف يجتمعوا في الفرصة وبعد انتهاء الدوام ليستخدموا الموبايل للاتصال بصديقاتهم، وأيضاً يقومون بمشاهدة مقاطع فيديو في بعض الأحيان غير أخلاقية".
بينما قالت طالبة (بكلوريا أدبي) فتون "أنا أجلب الموبايل إلى المدرسة ولكنه يبقى مقفلاً، ولا أقوم بتشغيله إلا عند الضرورة، ففي إحدى المرات شعرت بتعب كبير فقمت بالاتصال بأهلي ليأتوا إلى المدرسة لأخذي".
وأردفت فتون "أما زميلاتي في الصف فأنهم يجلبون الموبايل بغرض التسلية وسماع الأغاني وتصوير الأساتذة، وهذا الشيء يسبب فوضى في الصف فتضيع الحصة ويضيع الدرس".
إدارة المدارس: لا يوجد تنسيق
وعن كيفية تعامل الأهل مع الشكاوى التي تأتيهم عن أولادهم بخصوص الموبايل كانت الآراء متقاربة عند الكادر الإداري في المدارس، فهم يؤكدون على دور البيت في التعاون مع المدرسة وتوعية الطلبة.
تقول مديرة إحدى المدارس "هناك أهل ملتزمون ويهتمون بمستقبل أولادهم ويتابعون بشكل دائم وخاصة بالنسبة البنات ويكون هناك اتصال دائم منهم مع المدرسة لمتابعة أوضاع أولادهم، وهناك أهالي غير مبالين وبالتالي تكون النتائج سيئة ويكون التفاهم معهم غير نافع".
وأردفت المديرة "إذا كان الموبايل ضرورياً للطالب، فأقل شيء على الأهل أن يقوم بتوعيته حول مضار ومنافع هذا الجهاز ومراقبة الموبايل بأيدي أولادهم بشكل دائم، لكننا للأسف نحن نعاني من نظرة الأهالي أنفسهم لهذه الأمور فالكثير منهم يتفاخر بنوع الموبايل الذي أعطاه لولده بأنه آخر موديل دون الانتباه إلى تصرفاته أو كيف يتعامل مع هذا الجهاز وخاصةً البنات".
ووجدت الموجهة (و.ز) أن "هناك أمهات يبررون غياب أولادهم وخاصةً بالنسبة للفتيات عن المدرسة ويخلقوا لهم الأعذار الوهمية دون التأكد أين أمضى ولدهم الوقت، والطالب يستخدم الموبايل للاتصال بأمه أو أخته ليطلب منها المجيء إلى المدرسة وأخذه".
وعن الحالات التي تكتشف فيها الإدارة أن الطلبة يحوي جهازهم صوراً منافية للأخلاق أو رسائل غرامية تقول الموجهة إن "الأهل وخاصـة الأمهات يبالغوا في الدفاع عن أولادهم بدلاً من التعاون مع المدرسة لحل هذه السلوكيات، فالمشاكل التي أثارها وجود الموبايل في المدارس كثيرة جدا ويمكن القول إن أكثر من 90٪ من طلاب مرحلة التعليم الأساسي الحلقة الثانية وطلاب الثانوي لديهم موبايل".
الإرشاد النفسي: مراهقة وتمرد
تقول المرشدة النفسية (هـ.أ) إن "السبب بما يحدث هو نتيجة التغير السريع في مجتمعانا الشرقي الناتج عن نقل الحضارة الغربية بمادياتها إلينا، والذي أثر على مفاهيم التربية عندنا فلم نأخذ من التكنولوجيا إلا السيئ، وأيضاً تعامل الأهل الخاطئ مع كل التقنيات الواردة وتمليكها لأولادهم دون التفكير بمساوئها وحسناتها".
وأردفت المرشدة أن "الذي ساعد على تغيير سلوك طلاب اليوم إنهم وجدوا كل شيء بين أيديهم ودون رقابة، إضافة إلى أنهم في مرحلة عمرية حساسة وهي فترة المراهقة والتي تتميز بالتمرد وبالبحث عن الهوية وتتميز هذه المرحلة أيضا بالاضطراب العاطفي ومجاراة الموضة والبحث عن حبيب تقليدا لما تعرضه فضائيات اليوم وأهم أسباب انتشار ظاهرة طلاب وطالبات المدارس مع موبايل هو تغليب النظرة المادية وسيطرتها حتى أصبحت من القيم التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في الحكم على الآخرين واحترامهم وتقديرهم"
وعن الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة من الاستخدام السيئ للهاتف النقال من قبل الأطفال والمراهقين، قالت الدكتورة هزار الجندي "دائماً نحاول معالجة الظاهرة بعد أن تتفشى، ولا نعي إلى المخاطر الناتجة عن استخدامها قبل وقوعها، وهذا ناتج عن ضعف في دور المؤسسات التربوية والاجتماعية ووسائل الإعلام التي تعنى بشؤون العلاقة بين التقنية والحياة وبنتائجها الاجتماعية والأخلاقية".
وأضافت الدكتورة هزار "ظاهرة انتشار الموبايل جاءت من خوف الأسرة على أولادها والتي عن طريق الموبايل تستطيع معرفة أين هو، ولكن هذا الجانب المفيد يوجد مقابله الكثير من الجوانب السيئة وهي غياب رقابة الأهل بالدرجة الأولى وكذلك مساعدتهم لأولادهم في اقتناء أحدث الأجهزة دون وعيهم بمخاطرها".
مقترحات وحلول
وعن الحلول لهذه المشكلة رأت الدكتورة الجندي أن "الحلول التربوية تقوم على صعيدين هما، صعيد الأسرة والإعلام، فيجب أن يكون هناك نوع من الوضوح بين الأسرة والأولاد حول هذه النقطة، والحديث مع الأولاد بصراحة عن الآثار النفسية والجسدية المؤذية من جراء سلوك كهذا، باعتبار الأسرة هي صاحبة الدور الأكبر في إرشاد الطفل، وإهمالهم هو السبب".
وعن دور المدرسة والإعلام، قالت لدكتورة الجندي أنه "يتوجب على المدرسة تفعيل دور المرشدين النفسيين لتوعية الطلبة، وإيجاد خزن للطلاب ليضعوا هواتفهم بها عند المجيء للمدرسة وأخذها مع نهاية الدوام، وهذا يخفف من شرود الطالب داخل الصف بسبب الموبايل والذي يبقى دائم التفكير به إن جاءه اتصال أو أي شيء آخر".
أما عن دور الإعلام قالت الدكتورة الجندي إنه "على الإعلام وخاصة التلفاز إقامة حملات إعلانية ودعائية للأطفال بتوعية بهذه الوسيلة التقنية وفوائدها ومساؤها، والتوجه أيضاً بهذه الحملات إلى الأهل والذي لدى معظمهم جهل بهذه التقنية".
بدوره مدير المناهج والتوجيه بوزارة التربية عبد الحكيم الحماد قال إن "الموبايل وسيلة تقنية حضارية للتواصل مع الآخرين ولتقريب المسافات وليست وسيلة أو تقنية غش".
وأردف الحماد "هناك كتاب وزاري يتضمن ضرورة توجيه التلاميذ والطلاب لعدم استخدام الموبايل داخل الدوام المدرسي" ولفت الى "وجود هواتف أرضية في المدارس يمكن للطلاب استخدامها بالحالات الاضطرارية"، مؤكدا على ضرورة "التعاون مع أولياء الأمور لتوعية الطلاب بآداب استخدام الموبايل وحصر استخدامه قبل الوصول إلى المدرسة وفترة الانصراف".
وعن عقوبة المخالفين قال الحماد:"يحق لإدارة المدرسة مصادرة الجهاز إذا أسيء استخدامه ولا يسلم إلا لولي الأمر، ويتعهد بعدم استخدامه في أثناء الدوام".
أيمن مكية – سيريانيوز شباب