واستخدم بعض الطلاب الجدران كوسيلة لتوجيه الكلام الذي "يعجزون عن قوله مباشرة" لأساتذتهم كنوع من "التنفيس عن الضغط" بحسب أحد الخبراء النفسيين، وبعضهم من استخدمها للتعبير عن انتماءاتهم أو تأثرهم بمصطلحات مسلسل معين، أو للبوح عن حبهم لبعض الأشخاص في مرحلة المراهقة.
طالب: الجدران ليست دفاتراً للمجانين بل وسيلة للتعبير عن أي شيء
الأدوات "قلم أسود سائل للراشيتات"، وقلم "فلوماستر" عريض للذكريات والشتائم والعبارات والرسومات، أما "الكوريكتر" الأبيض فللكتابة على المقاعد، هذا ما يستخدمه غيد وأصدقائه للكتابة على جدران مدرستهم الثانوية، وقال غيد في الحادي عشر أدبي إن "الكتابة على الجدران ليست نابعة عن دوافع ضرورية، بل هي وسيلة للهو والترويح عن النفس بعبارات لا يكمن البوح بها داخل المدرسة وبطريقة طريفة إلى حد ما، وهنا تكون الجدران ليست دفاتراً للمجانين بل وسيلة للتعبير عن أي شيء".
وعن نوعية العبارات التي يكتبها الطلاب على الجدران، تابع غيد "تتنوع العبارات حسب مواضيعها، فمنها الاستهزاء بأستاذ معين فرض علينا العقوبات أو أساء معاملتنا، فنلجأ لكتابة صفاته أو ما نراه به وما نعانيه منه على الجدار حتى يعرف الأستاذ نظرتنا إليه دون مواجهته بشكل مباشر".
الجدار "راشيتا" غير محمولة، بدلاً من الورقية..
وللجدران فوائد دراسية اكتشفها الطلاب، لرفع علاماتهم في الامتحانات، فوجد فيها عماد صديق غيد بأنها أفضل "راشيتا" غير محمولة، تحمي الطالب من إمكانية كشفه وفصله، وقال "قبل كل امتحان ألجأ إلى كتابة ما هو صعب أو لم أحفظه، على الجزء السفلي من الجدار المحاذي لمقعدي، بحيث يكون جلوسي على المقعد، يمنع مشاهدة المكتوب من قبل الأستاذ المراقب، ما يرفع علامتي ويريحني نفسياً أثناء الفحص، بعكس (الراشيتا) الورقية".
عدا عن ذلك كله، يمكن أن تكون العبارات التي يكتبها الطلاب على الجدران تعبر عن تعلقهم بمطرب معين أو بكلمات أغانيه، أو كذكريات "لأسماء الشلة" ما قاله أبو عمر، وهو محمد أحد طلاب الثانوية ذاتها، وقد كتب وزملائه أسمائهم وألقابهم على جدار الشعبة، وتابع محمد" كتبنا أسماءنا وألقابنا على الجدران كي تبقى ذكرى للطلاب الذين سيأتون من بعدنا، ولا يوجد أي دافع آخر مهم، فالدافع الأساسي هو اللهو فقط".
مدرّس: لا يمكن مكافحة هذه الظاهرة ولا من رادع، وكل 5 سنوات تقوم التربية بطلي المدرسة
وحول الموضوع التقت سيريانيوز (إبراهيم) وهو مدير إحدى المدارس، الذي قال أنه "أغلب العبارات التي نلحظها على جدران الصفوف، تكون "خربشات" من دون معنى، أو أسماء وهمية وألقاب لطلاب لا يكمن معرفتهم، وعبارات مضحكة ورسومات، وقد تتخللها عبارات رذيلة في أماكن مخفية غالباً، حتى لا ترى من قبل الإدارة، بالإضافة إلى كتابة الفقرات الدراسية للاستعانة بها في الفحص".
وتابع ابراهيم "بات الأمر يشكل ظاهرة لدى الطلاب فهي موجودة بكل المدارس، ولا يمكننا مكافحتها أبداً ولا توجد عقوبات رادعة، عدا عن عدم قدرة المدرسة وحدها على طلي الجدران لأنها لا تملك الميزانية الكافية، فبدورنا نقوم برفع كتب لمديرية التربية بحال وجود حاجة ملحة، ومن جهتها ترسل لجنة للكشف على المدرسة ومنها تقرر إن كانت هناك حاجة للطلي".
وأردف "من المقرر أنه في كل 5 سنوات تقوم التربية بطلي وإصلاح المدارس، وفي هذه الأثناء تكون الجدران امتلأت بالعبارات والرسومات، ومن جهتنا كإدارة مدرسة نقوم بطلي العبارات النابية والشتائم ريثما يتم الطلي بشكل كامل "مضيفاً" ليست فقط الجدران التي يكتب عليها بل مقاعد الطلاب تعاني من ذات المشكلة".
خبير نفسي: يفرغ الطالب ما بداخله من كبت دون الإفصاح عن هويته ما يشعره بالراحة النفسية
وقال المرشد النفسي والخبير الاجتماعي أسامة خليفة لسيريانيوز أنه "ما يدفع الطلاب إلى الكتابة على الجدران هو شعورهم بالاعتقال لفترة محدودة، فالمدرسة بأسوارها العالية، وإغلاق الباب عليهم بعد دخولها، يشعرهم بأنهم معزولين عن ما هو خارج حدود المدرسة لفترة محدودة، ويقرب ذلك منظر جدران المدرسة إلى جدران السجون".
وأردف "شعور الطالب بالبعد عن حبيبته في مرحلة المراهقة مثلاً، يدفعه لكتابة حرف اسمه واسمها على الجدار ليعلن حبه أمام الملأ بطريقة الرموز، ما يشعره بالراحة النفسية".
وعن العبارات النابية والشتائم والتهجم على الأساتذة بالكلام، قال خليفة "يلجأ الطالب أحياناً إلى تفريغ كراهيته لبعض الأساتذة أو للمدرسة بشكل عام عبر جمل لا تحمل توقيعه وبهذا يفرغ ما بداخله من كبت ومعاناة من المدرسين والمدرسة، وذلك دون الإفصاح عن هويته، ودون تصادم مواجهي مع المعني بالجمل وخاصة إن كان الشخص المعني مسؤولاً ذو سلطة كالأستاذ".
وتختلف الجمل المكتوبة على الجدران باختلاف أعمار الطلاب، وحول ذلك قال خليفة إنه "يبدأ الطلاب في الصف الأول والثاني الابتدائي بالخربشة من دون معنى، أو بكتابة أسمائهم للتعبير عن وجودهم وإبراز شخصيتهم، أما الطلاب بعد هذه المرحلة بسنتين أو ثلاثة فيقومون بكتابة الذكريات وأسمائهم وأسماء مدرسيهم، وفي مرحلة المراهقة يقوم الطلاب بكتابة رموز لطرفي علاقتهم العاطفية، أما في مرحلة الثانوية يقوم الطلاب بتفريغ ما بداخلهم وما يشعرون ويفكرون به على الجدران، وغالباً ما تكون هذه العبارات هي الأخطر، لكنها ليست بقصد التخريب".
حازم عوض – سيريانيوز شباب
لتحميل ملف الفيديو يرجى الضغط على الرابط