وهكذا هناك من يعتبر أن الضرب هو الطريقة الوحيدة لتربية الطالب لأن "مهمة المدرسة تشمل التربية إلى جانب التعليم"، هناك من يصر على وضع قوانين صارمة تمنع الضرب في المدارس باعتبار أنها (الضرب) "وسيلة متخلفة لا تربي الطالب بقدر ما تخلق لديه الخوف من المعلم وكره المدرسة فضلاً عن العاهات التي يخلفها"..
أضرار جسدية وتشوهات مستديمة
واستطلعت سيريانيوز آراء الأهالي حول الموضوع حيث قال السيد أبو مهيار "كلنا أب وكلنا معلم وكلنا نضرب, وأنا أؤيد الضرب بالمدارس ولكن بطرق عقلانية بعيدة عن الهمجية, أما أن يأتي مدرس ويضرب باليد على الوجه أو بالحذاء أو ما شابه ذلك مما يفعله بعض المدرسين فهذا لا وألف لا وهنا يأتي الضرب بنتائج عكسية".
فيما قال ولي أمر أحد الطلاب ويدعى طلال خضرا "أعتقد أن الضرب أصبح شيء قديم ويدل على سوء إدارة المعلم لصفه وتلاميذه".
ويتابع خضرا "أحياناً يضطر المعلم لأسلوب الضرب وهنا يجب أن يكون الضرب بشكل خفيف بعيدا هن العنف الذي من الممكن أن يؤذي الطالب, فقد سمعت عدة قصص عن الضرب أدت لإحداث أضرار جسدية وعاهات مستديمة في الطلاب".
الضربة أتت على عصب في الرسغ لتسبب شلل في اليد اليمنى
وما تحدث عنه خضرا حول العاهات التي يخلفها الضرب بشكل عشوائي وخاطئ ليس مبالغة أو خيالاً فقد روت (ز,ي) وهي جارة لإحدى الطالبات التي تسببت لها مدرستها بشلل حركي كامل باليد نتيجة ضربة عصا هستيرية، وعن الحادثة تقول "تأخرت الطالبة (م,ط) عن دوامها الصباحي مدة عشر دقائق فما كان من المعلمة إلا أن أوقفتها على السبورة جزاء وبدأت بعدها بضرب الطالبة على يداها بالعصا لتأتي ضربة عشوائية على عصب حساس في رسغ الطالبة ويتسبب لها ذلك في شلل حركي باليد اليمنى".
وتتابع (ز,ي) "لم يترك أهل الطالبة وسيلة لعلاج الشلل إلا واتبعوها ولكن دون فائدة ليلجؤوا في النهاية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وهناك استطاع طبيب فهم الحالة وعلاجها".
العصا لمن عصى
وهناك مدرسين لا زالوا يسيرون على مبدأ (العصا لمن عصى) حيث تعتقد مدرسة اللغة العربية زهرة رشدان بعد خبرة 25 سنة في التدريس أن "التربية مهمة أساسية من مهام المدرسة ومن واجب المعلم تأديب الطالب وتربيته حتى لو اضطر لاستخدام الضرب لأن الذي لا يفهم بالحسنى عندما يؤلمه الضرب لا بد أن يطيع مدرسه ويلتزم بواجباته المدرسية".
وتضيف "من الأفضل محاولة إقناع الطالب بما يريده المعلم بشكل ودي قبل استخدام الضرب ولكن للأسف هناك طلاب وبعد تجارب كثيرة لا يرتدعون عن الشغب إلا بأسلوب التخويف والضرب".
وتتفق مدرسة الصف الثالث الابتدائي انتصار الخطيب مع رشدان في الرأي وتقول إن "العقاب يجب أن يطبق في المدرسة كجزء من العملية التعليمية لتعليم الفرد كيف يتأقلم مع مجتمعه من حيث الالتزام بالنظام وضبط النفس، ومعرفة حدود الحرية الشخصية، وحقوق الآخرين, فوسيلة العقاب يجب أن تكون معينة للتعلم لا قاهرة له، وضمن حدود معقولة", لافتة إلى أن "وجود العصا في الصف ضروري لردع الطالب عن أي شغب".
الطلاب يجبرونا على استخدام العصا
معلمة اللغة الانكليزية منال جلبوط قالت "من المؤكد أن يكون للضرب تأثير سلبي على الطالب فكلما كبر الطالب بالسن كلما اعتبر أن الضرب إهانة له فوجهة نظر الطالب بالعقوبة تختلف حسب مستوى الإدراك".
وتضيف "لا أنكر أني استخدم الضرب أحيانا لردع الطلاب عن الإخلال بالأدب أثناء الحصة الدرسية وهنا الطلاب هم من يجبرونا على استخدام الضرب".
وتتابع "أحول التخفيف قدر الإمكان من استخدام العصاة عن طريق التعزيز الإيجابي أو الحرمان من المشاركة في الصف أو تنقيص العلامات".
الأفضل استخدام الطرق الودية
فيما لا تفضل المدرسة في أحدى المدارس الابتدائية أمل سعد استخدام الضرب وتقول "جربت تدريس طلاب الصف الأول الابتدائي ولم استخدم أسلوب الضرب معهم لأن الطلاب في بداية دخولهم إلى المدرسة يطيعون معلمهم ولا حاجة لضربهم, والأفضل استمالتهم بطرق ودية فأنا على سبيل المثال كنت أوزع عليهم الحلويات وشهادات التقدير كوسيلة لجعلهم يحبون المدرسة ولا ينفرون منها".
هناك قرار يمنع أي عنف لفظي أو جسدي ضد الطالب
مديرة إحدى المدارس الابتدائية التابعة لوكالة الغوث نجاح العموري قالت إن "المدرسة لا تستخدم العصا نهائياً لأن الضرب ممنوع في جميع المدارس التابعة لوكالة الغوث, فهناك قرار يمنع أي عنف جسدي أو لفظي ضد الطالب".
وعن البدائل التي تستخدمها المدرسة لتقويم سلوك الطلاب أضافت العموري "في البداية نحاول استخدام الكلام اللطيف أو الإقناع وغيرها من أساليب التحفيز, ونسعى دائما من خلال اجتماعات الإدارة أن نركز على عدم لجوء المعلم للعصاة نهائيا, فيما يكون العقاب لأي طالب يخالف أنظمة المدرسة الحرمان من رحلة معينة مثلاً أو استدعاء ولي الأمر, فضلاً عن تخصيص دفتر للسلوك (دفتر السير) لمتابعة سلوك الطالب وخصم علامات منه في حال التقصير أو الشغب".
الضرب مهدئ مؤقت مثل حبة البنادول
المرشدة التربوية النفسية جمانة الصلح قالت إن "الضرب ما هو إلا مهدئ أو مسكن مؤقت مثل حبة (البنادول) وبمجرد زوال ألم الضرب فإن الطالب يصبح مهيأً للعودة للسلوك غير المرغوب, فالضرب هو الوسيلة السهلة التي تؤتي نتائج سريعة لمعاقبة الطالب على سلوك معين غير مقبول".
وتعتقد الصلح أن "عمر المعلم له دور بارز في استخدام العصا من عدمها، فالمعلم صغير السن قليل الخبرة يكون عادة أسرع في استخدام الضرب من المعلمين الذين أمضوا مدة زمنية طويلة في التدريس وتكونت لديهم الخبرات اللازمة".
وترى الصلح أن الآثار السلبية المترتبة على الضرب كثيرة من بينها "اهتزاز شخصية الطالب وفقدانه الثقة في نفسه، إلى جانب عدوانيته وبروز سلوك الضدية لديه، فضلا عن كره التلميذ للمدرسة وكل ما يتعلق بالعملية التربوية، إضافة إلى تأصل السلوك غير المرغوب فيه من باب التحدي في بداية الأمر إلى أن يصبح سمة شخصية لديه بالتدريج".
70% من الأطفال السوريين تعرضوا للتوبيخ الفظ أو الضرب
وكان موقع وزارة الإعلام السوري نشر الشهر الفائت دراسة تحليل أوضاع أمن الطفولة المبكرة وحمايتها عام 2008 حيث بين التحليل أن نسبة الأطفال دون سن الـ 18 تقدر بحوالي نصف المجتمع السوري وأشار التحليل استناداً لنتائج الدراسات والمسوح الإحصائية والسجلات الرسمية والتشريعات والخطط وسواها من المصادر بما يتعلق بأوضاع أمن وسوء أمن الأطفال المبكرين أن "70% من الأطفال تعرضوا بمنازلهم أو مدارسهم للتوبيخ الفظ أو للضرب من قبل الأهل أو المعلم أو الزملاء مرة على الأقل".
وأرجع التحليل عوامل سوء أمن الطفولة المبكرة إلى جهل بعض الأهل والمربيات والمعلمين بالأساليب السليمة في تربية الأطفال ومعاملتهم, والظروف الأسرية الصعبة كالفقر وفصال الأبوين والتوتر النفسي بالإضافة إلى قلة المؤسسات التي تعنى بحماية الأطفال ومتابعة أحوالهم في الأسرة والمدرسة والمجتمع.
أروى الباشا - سيريانيوز شباب