وذلك وفق عدة محفزات كالنجاح والعلامات والتفوق، ما دفع أغلب الطلاب من مختلف المراحل لصب كامل اهتمامهم على ما قرر عليهم من كتب، دون أن يجدوا متسعاً من الوقت لإطلاع على كتب أخرى قد تفيدهم في حياتهم، وفي المقابل قد تأخذ من وقت دراستهم "المفروضة" عليهم كما وجد بعض الطلاب، بينما لعب العامل المادي دوراً لا يستهان به في العزف عن القراءة خارج المقررات الدراسية.
فرض قراءة الكتب المقررة، وفرض قراءة الكتب التي تدخل بأبحاث طلاب الجامعة، نظام التعليم، بالمجمل والعامل المادي، كل هذا أدى إلى وجود ظاهرة أسماها البعض "بأمية المتعلمين، أو أمية الطلاب".
طلاب: الكتب المدرسية ضخمة وتحتاج "لحلم الله" في حفظها.. ولا وقت للمطالعة
حاولت سريانيوز تقصي أسباب عزوف الطلاب عن القراءة، والتقت مع بعضهم، حيث قال عماد في الصف التاسع أنه "لم أقرء كتباً قط من غير مقرراتي المدرسية منذ كنت صغيراً، واستثني من ذلك القصص القصيرة، لكنني وكوني طالباً لا أجد متسعاً من الوقت للقراءة من خارج المقررات الدراسية، فالنجاح يتوقف على دراستها وليس على ثقافتي العامة".
ومن جهته وجد سالم في الصف العاشر أنه "من المستحيل أن أجد لنفسي وقتاً لقراءة كتب خارجة عن مقرراتي، فقد أقرأ الصحف والمجلات لأنها لا تأخذ وقتاً مني، فالكتب تحتاج لأوقات طويلة وتركيز كبير، ما يتعارض مع ما هو مفروض علي من المدرسة، ما يؤثر في النهاية على تحصيلي المدرسي".
وتابع إن "الكتب المدرسية ضخمة تحتاج "لحلم الله" في حفظها، وأشدد على كلمة حفظها، فلا يوجد أي أستاذ يطالبنا بفهمها، وفي الامتحانات نحاسب على أساس كمية المعلومات التي "بصمناها" ما يتطلب منا وقتاً كبيراً في قراءة كتبنا المدرسية ومراجعتها لحفظها جيداً، فعن أية كتب تتحدثون؟؟".
وطالب حسام طالب آخر في الصف الثاني الثانوي بأن "تقتصر المقررات الدراسية على ما هو مهم، فأغلب ما فيها غير مجدي لطالب يتعلم منشأ تيارات الهواء من أين وإلى أين وبأية جهة، وهو غير مهتم لها، ما يدفعه إلى "بصمها".
وأردف حسام "لن أجزم بأن كل الطلاب غير مهتمين بالجغرافية، لكن كل ما أطلبه هو تقليص المناهج بما يهم الطالب، وإتاحة مزيداً من الوقت للبحث عن ثقافته التي يحبها بتأمين مكتبة داخل كل مدرسة تحوي ما هو مفيد".
جامعيون: علمونا أشياء لا نحتاجها بمقررات ضخمة، ولم يتركوا لنا المجال للبحث فيما نريد لا في الوقت ولا في المال
ومن ناحية طلاب المرحلة الجامعية لم يكن الأمر بالأفضل، وتنوعت الاتهامات حول ضخامة المقررات التي ليس لها علاقة بالفرع المدروس، وبين الجزء العملي وحلقات البحث التي تتطلب البحث في جزء معين فقط من الكتب، وبين الغلاء في أسعار الكتب بالنسبة للطلاب.
وقال محمد طالب إعلام سنة ثالثة أنه "في السنة الأولى تعلمنا التاريخ والرياضيات والاقتصاد، وفي الثانية تعلمنا أشياء نظرية ومواد ليست لها علاقة بالإعلام كالاختزال، وفي الثالثة أدخلت مواد أخرى مع حلقات بحث ضخمة ليست لها علاقة، ويقال أن الرابعة تحوي على حلقات بحث تحتاج لمبالغ كبيرة من المال ووقت كبير وجهد مضني، فمن الطبيعي أن لا نقرأ من غير كتبنا وان لا نجد متسعاً من الوقت أو المال لشراء الكتب والإطلاع عليها".
وتابع طالب آخر من ذات الفرع "المضحك المبكي أن الدكاترة تطلب منا كصحفيين في المستقبل أن نزيد من ثقافتنا، وفي المقابل يكون مقرر الدكتور 600 صفحة أو 500 وتطلب حرفياً، ككتاب الإخراج الذي يحوي أموراً متبحرة في هذا الاختصاص وبكل أنواعها من "اختراع الطباعة إلى اليوم" مع آلات طباعية طواها الزمن ربما لا يعرفها سوى من أخترعها بالتفاصيل التي ندرسها، كنوع المعدن وسماكة الحرف الطباعي وغيره، وهي أمور غير مفيدة برأيي لصحفي".
وأردف "يرغموننا على قراءة الكتب والمواد التي يريدونها من خارج تخصصنا، مبررين ذلك بالثقافة العامة، أليست الثقافة تعود إلى رغبة من يريد التثقف؟؟ وبأية مجالات يريد الطالب أن يخوض؟؟".
"بسطات" كتب على الأرصفة وعلى أسوار الجامعات، "لتحفيز الطلاب على القراءة"!!
على أسورة كلية الحقوق الخارجية في منطقة البرامكة، وعلى الأرصفة، نشر بعض البائعين كتباً للبيع، ووجدوا فيها طريقةً لتشجيع طلاب الجامعة على القراءة خارج المقررات، وبأسعار مناسبة لهم، ما وجد بها أصحاب المكاتب بأنها مهنة ربحية بحتة لا تصل لهذا الهدف السامي، وهي تنتقص من حق الكتاب برميه على الأرض أو السور.
وقال صاحب إحدى بسطات الكتب في البرامكة، رافضاً الكشف عن اسمه خوفاً من المحافظة "نسعى من خلال هذه البسطة إلى زيادة القراءة بين الطلاب وتثقيفهم من خلال عرض عناوين الكتب المهمة بشكل جذاب، يدفعهم للسؤال أو على الأقل للوقوف والتصفح".
وتابع "روادنا على الأغلب من طلاب الجامعة لكنهم يطلبون ما هو مقرر عليهم في الجامعات أكثر من كتب الثقافة العامة، وكوننا قريبين من كلية الشريعة والحقوق والاقتصاد فكتب السياسة والقانون والاقتصاد والدين هي الأكثر بيعاً، ورغم ثمنها الذي يقل عن المكاتب، يبقى السعر عائقاً في معظم الأحيان بيننا وبين الطالب".
وأردف "أستغرب من المحافظة في مكافحتها لنا، رغم أننا نعمل من أجل التنمية ونشر الثقافة بين الطلاب وجميع الطبقات، كون البرامكة هي مركز للمدينة، ويحوي خليطاً كبيرا من الطبقات مثل طلاب المدارس والناس العاديين".
صاحب مكتبة: نسبة إقبال الطلاب على المكتبة لا يتعدى 20% ولا تتعدى نسبة طلبهم للكتب خارج ما قرر عليهم الـ 20% أيضاً
ومن جهته وجد أحد أصحاب المكاتب في منطقة الحلبوني بدمشق، عبد الرحمن الفتال، أن "الطلبة يقبلون بكثرة على الكتب المقررة عليهم في الجامعة فقط أو المطلوبة في أبحاثهم، أو ما يطلبه أساتذة طلاب المدارس طبعاً إن طلبت وهي قليلة".
وتابع "للأسف لا نملك أية آلية لتشجيع الطلاب على القراءة كخصومات على كتب معينة، أو تخصيص نوعية أوراق رخيصة للطلاب ونكتفي بأن نشارك في بعض المعارض داخل الجامعات، كعروض موسمية لبيع الكتب بأسعار أقل "مضيفاً أن "نسبة إقبال الطلاب على المكتبة لا يتعدى 20% من الزبائن ولا تتعدى أيضاً نسبة طلبهم للكتب العامة الـ20% أيضاً، فأغلب رواد المكاتب هنا هم الغرباء طالبين عناوين كتب معينة لغياب القدرة على العرض".
وعن عرض "البسطات" للكتب في الشارع، قال الفتال إنه "في عرض الكتاب على الرصيف أو الأرض إساءة كبيرة للكتاب، وعلى الرغم من ذلك يجد الإقبال لأن أسعارهم أقل من مكاتبنا لعدم وجود الضرائب وأجرة للمحل وما إلى ذلك، ما يشجع الطلاب الذين لا يملكون مورداً مالياً إلى شراء الكتب من عندهم".
مضيفاً "أن "البسطات" تعتمد على العناوين الجاذبة كالجنس، ما يدفع الكثير للوقوف عندها، أما في مكاتبنا فلا يمكننا عرض مثل هذه الكتب، كونها لا تتناسب مع نوعية الكتب التي نبيعها".
خبير نفسي واجتماعي: وجود البدائل الأسهل، والأسباب المادية، والإكراه في الدراسة... تؤدي إلى عزوف الطلاب عن القراءة
ولعدم إقبال الطلاب على القراءة، أسباب عدة غير التي ذكرت، من وجهة نظر المدرس والخبير النفسي والاجتماعي أسامة خليفة، الذي قال لسيريانيوز إنه "ظاهرة عدم المطالعة باتت منتشرة بين الشباب بكثرة، وذلك لعدة أسباب منها وجود البدائل الأسهل والأكثر مرونة والتي تدمج المتعة مع التعلم، كالتلفاز والانترنت وغيرها".
وأردف خليفة "جميع هذه البدائل لا ترقى إلى أن تحل محل الكتاب مهما تطورت، فيبقى الكتاب مصدراً موثقاً ومضموناً للمعلومات، بينما يغير الإعلام في بعض الأحيان مضمون الرسائل أثناء توصيله للمعلومات عبر التلفاز والانترنت حسب الغايات والأهداف".
وتحدث خليفة عن عدم قراءة الطلاب وقال إنه "هناك أسباب أخرى أدت إلى ما يسمى "بأمية الطلاب" وهي الأسباب المادية كون الطالب لا يملك مورداً مالياً كافي لشراء الكتب المرتفعة الثمن، عدا عن ذلك هو عدم اكتساب عادة القراءة في الصغر من قبل الوالدين، فالقراءة عادة تكتسب وتحتاج لتركيز كافة الحواس ما يبعد الطلاب عنها".
وعن فرض الكتب المدرسة وحفظها، وتأثيرها السلبي على اكتساب الطلاب عادة القراءة والحصول على معلومات عامة، قال خليفة إن "تفرض الكتب المدرسية على الطلاب بمختلف مراحل دراستهم فرضاً، حيث يطلب منهم حفظها لنيل العلامات أو النجاح غير مهتمين بالفهم وغالباً ما يعاقب المقصر، وهذا الإكراه في الدراسة من الكتب يؤثر سلباً على حب المطالعة، لارتباطها بالغصب والإجبار".
وأضاف "عدا عن ذلك هناك إهمال كبير من المدرسين لعدم حث الطلاب على البحث خارج الكتاب مع أن بعض المناهج تذكر ذلك آخر الدروس كشيء غير مفروض".
حازم عوض- سيريانيوز شباب