عندما رزق الله أبا أحمد بابنته المبروكة رشا ، شعر الرجل وكأن كل شيء صار حوله أجمل ! فرحت العائلة والمقربون جميعا ً ، وشعرت العائلة ان بشارات الفرح والسرور صارت أكثر وأحلى .. كان ميلاد رشا فاتحة سعد عميم ، حتى صارت وكأنها جوهرة عقد العائلة الجميل ..
كبرت رشا بين أحضان محبة والديها وعائلتها ، مدللة محبوبة وأثيرة ، أينما ذهبت وحيثما حلت ..كانت طلباتها أوامر ، وابتساماتها مشاريع فرح تعم كل من حولها . لقد كانت رشا بسمة العائلة وسعادتها وبهجتها الدائمة ..
وعندما كبرت رشا قليلا ً ، ذهبت الى المدرسة . ومنذ نعومة أظفارها ، كانت ذكية متألقة متميزة . فكانت الأولى في صفها دائما ً . كانت متميزة في كل شيء، في أدبها وتهذيبها وذكائها وهواياتها الجميلة المحببة ..
درجت رشا في كنف والديها وعائلتها ، انضمت الى عائلتها بعدها أختها وأخوها لكنها بقيت رشا المحبوبة المدللة ، ومصدر سعادة لا ينضب ..
صارت رشا صبية مملوءة حيوية وجمالا ً وتألقا ً .. اختارت أن تدرس الهندسة المعمارية ، وصارت في السنة الثالثــة .، وكان المستقبل الذي يراود الأسرة بأن تحققه رشا لها ولعائلتها يحمل أكثر من حلم جميل ..!! كان الأب يخاف عليها اينما ذهبت وكلما غادرت المنزل .. كان يأخذها ويعيدها الى المنزل ليطمئن قلبه .. كان رفيقها دائما ً حتى لو تأخر عن عمله أحيانا ً .. كان يخاف على جميع أفراد عائلته بسبب الظروف الراهنة ، ولكن كانت مخاوفه على رشا أكثر !
بالأمس القريب ، ذهبت رشا مع زميلة لها الى احدى مناطق دمشق الجميلة ، في نزهة ومن أجل التسوق .. لم تكن العائلة مطمئنة وخاصة هذه الأيام ... كان الأب يتصل معها في كل ساعة ...بابا لا تتأخري .. بابا خبريني حتى آتي اليك لأحضرك عندما تريدين .. بابا ديري بالك الله يرضى عليكي ...لا تتأخري ..! ذات مرة لم ترد رشا على اتصال ابيها برغم الحاحه المتواصل .. انشغل بال الأب ...انشغل بال العائلة ...فكر أخوها .. أبوها ان يجوبا انحاء المدينة بحثا ً عنها .. اتصل الأب بزميلتها ، لم ترد ! اتصل مع اهل زميلتها معتذرا ً ... فكانوا أشد قلقا ً !!سمع الوالد والعائلة في الأخبار أن انفجارا ً حدث في باب توما .. اشتعلت النيران في فؤاد ابيها وامها وكل عائلتها ....صار القلق أكبر والمخاوف مرعبة من اللحظات القادمة ..غابت الشمس ولم تعد رشا .. هام الأب على وجهه في ردهات البيت يدعو ربه ان يحفظ له رشا ويعيدها سالمة الى عائلتها وأهلها .. فجأة ، رن جرس الهاتف : رشا ..ماتت ، رشا .. استشهدت !! جمد الأب في مكانه ، وسكت .. صاحت العائلة بمرارة : شــو ..فـــي !!!؟ وبحرقة قلب الأم والعائلة صاحوا جميعا ً : بابا .. شو ..في ؟! وبعد صمت قاتل : رشا .. ماتت !! ضج البيت بصيحات الم حارق .. ضج الحي بصراخات الألم فاجتمع الجيران والأقرباء وتواردوا الى بيت ابي احمد يسألون . ولكن ، ماتت رشا .. استشهدت رشـــا !!
تلون البيت بالسواد .. ارتدى الحي ثوب الحزن على فتاة قضت في عز شبابها ، اما لماذا حدث ذلك ومن أجل ماذا ، فلا أحد يعرف الجواب !! اما الذي نعرفه ان السماء بكت بمرارة يوم ماتت رشا ، فقد هطل مطر غزير حيث رقدت ، وتحت شجرة الزيتون التي تظلل قبرها ، وبجانبها حنفية الماء التي لا تنقطع !!
هل قتلت رشا من اجل ما يدعيه البعض تحقيق الديموقراطية ؟ هل قتل رشا وسواها كثير كي تتحقق العدالة مثلا ً ؟ ما هذا المستقبل الذي يرسمه البعض عبر قتل الأبرياء وازهاق الأرواح ؟الا توجد ثمة طريقة لتحقيق ما يحلم به المرء سوى القتل وازهاق الأرواح البريئة ؟ اين الفكر ؟ اين اصحاب العقول والحلم ؟ وهل لهذا الطريق من نهاية والوضع على ما هو عليه ؟ ما فائدة مستقبل يعتقد انه سيحمل الخير للشعب كما يتوهم البعض ومن خلال القتل ، وبعد ان يفنى الشعب ؟!
كانت هدية كارثة على عيد لن يأتي !!
رحمة الله عليك يا رشا وعلى كل شهداء سورية . والهم الله أهلك وذويك ومحبيك ، الصبر والسلوان .
اللهم يا رب ، لا تبخل علينا برحمتك . اللهم يا رب فرج كربتنا ، وأزل غمتنا ، وأكرمنا من لدنك بفرج قريب .. يا أكرم الأكرمين ، يا أرحم الراحمين ، يا الله ، يا كريم .