لا يمر يوم دون استدعاء والدي لي من غرفة الحاسوب بعد انقضاء حوالي ساعات ثلاث على الأقل من التحليق في عالم الخيال الذي أصبح  واقعاً ، لأعود بعد لحظات قليلة إلى واقع مليء باللامبالاة و الجفاف و الروتين القاتل الذي يسود بين الأفراد .

و باستثناء أن علاقتي مع والدي أدامه الله ممتازة فإن المتضرر الوحيد من هذا العالم الجميل في منزلنا المتواضع هو والدي الذي يحب و منذ زمن بعيد أن يتجاذب أطراف الأحاديث معنا و أن نتناول معاً الطعام و الذي لا يمر بدون نقاش حول حكاية أو حتى طرفة ما ليكسر بذلك طوق الصمت الذي يلف عائلة كل منها في جعبته من الهموم  ما يكفي لحي بأكمله و لأن والدي اجتماعي بفطرته فقد كره تقنية الشبكة المعلوماتية التي تكون مبالغاً باستخداماتها و لفترات طويلة مثل استخدام الدردشة و الحوارات التفاعلية على الصحف الالكترونية و التي تقضي حسب طرحه على ما تبقى من روابط اجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة مثل المسامرة و المحاورة و تقضي على ظاهرة صحية قد عودنا عليها و منذ زمن ألا و هي إفشاء الهموم و الأزمات التي تحدث معنا إليه أو إلى أمي رحمها الله فذلك بالنسبة إليه كان شيئاً يمتن العلاقة فيه بين أفراد عائلتنا الصغيرة و التي تجد من عائلتها حضناً تفضي إليه بكل مكنونات صدرها و لذلك كره حتى مجرد التعلم على هذه التقنية التي قال عن تأثيرها بأنه مخرب على المدى المتوسط و البعيد .

لذلك بدأت أسأل نفسي الأسئلة التالية : هل لحظات الحلم الجميل الذي أعيش فيه خلال تواصلي على الشبكة العنكبوتية هو عالم فيه شيء من الواقعية أم أنه مجرد سراب أركض إليه و فيه هلاكي ؟

هل العالم العنكبوتي على الشبكة متداخل و تختلط فيه الأوراق ؟ هل العلاقات فيه واهية و تقتصر على أدنى مقومات الصدق؟ و هل صحيح أن أكثر المشاركين فيه يتسترون فيه من وراء أقنعة يتناولون فيها محرمات مفروضة عليهم من قبل واقعهم و مجتمعهم الذي يعيشون فيه ؟ و هل صحيح أن الأسماء المستعارة فيه و التي يعبر أكثرها عن السخرية من الواقع اليومي الذي يعيشون فيه هي قوالب يصوغون فيها آرائهم الغير مستساغة أو حتى الآثمة على الصعيد الاجتماعي و السياسي و الديني ؟

و هل من الممكن أن نعتبر الدردشة على الشبكة العنكبوتية مجازاً أنها بوحٌ بما يثقل كاهل كل منا مما يخجل من التصريح به فيصرخ صرخة مدوية في هذه الشبكة المترامية الأطراف فيرد عليه من يشاركه هذا البوح أو ذاك؟

هل الصحافة التفاعلية عيادة للطب النفسي يفضي إليها كل المتفاعلين معها بكل احباطاتهم اليومية و أرائهم التي لا تجد لها من صدى في الحياة الواقعية؟

هل هي محطات اسعافية أم مكان للتصالح مع الذات التي أتعبتها هموم الواقع أم أنه لا سبيل لنا لتحقيق هذا التصالح إلا بالمواجهة و المصالحة مع الواقع الحقيقي ؟

فإن كان الجواب نعم فإنني أعتقد أنها ساحة خلفية للحرية المنشودة التي يخلو عالمها من القيود و الأصفاد الاجتماعية و السياسية و الدينية .

أسئلة كثيرة أضعها بين أيديكم برسم الحوار .........

عبد الله أنيس

من مساهمات القراء