|
أمية المتعلم السوري |
كرت أصفر |
يعاني النسيج الاجتماعي السوري من مشاكل عديدة كان من أهمها ظاهرة الأمية التي كانت
مستشرية في أنحاء مختلفة من القطر وهي تعرف بأنها عدم قدرة الفرد على القراءة و
الكتابة أو إجراء بعض العمليات الحسابية البسيطة
وهذا التعريف ينطوي تحت المفهوم الضيق للأمية بحيث يصبح الفرد
والذي هو الصانع الأول للمجتمع حجر عثرة أمام أي تقدم منشود لمجتمعه وقبل أن يصبح
هذا الوباء الفتاك وبالاً قامت الدولة بجهود مشكورة للإحاطة به وحجره فقامت بإشادة
المدارس وحاولت تقليص الفارق بين التعليم في الريف والمدينة ونشر الوعي اللازم من
أجل إحداث نقلة نوعية في المستوى التعليمي للقطر إلا وأنه ومع تطور النسيج
الاجتماعي السوري وملاحظة كميات الأعداد الكبيرة ومن كافة الفئات وشرائح المجتمع
التي بدأت تدرس في الجامعات وتتخرج منها والتي باتت تحمل شهادة عالية في شتى أنحاء
العلوم فإننا، ومن المؤسف ، لما نجد بعد نتائج ملموسة توحي بأننا نحصد ما زرعنا
بالشكل المأمول وبدأنا نلحظ ظاهرة تابعة للأمية ألا وهي ظاهرة أمية المتعلم وهي
تحمل في طياتها المفهوم العام للأمية فهي يمكن أن تعرف كالآتي : عدم قدرة الفرد على
التأثر والتأثير الفاعل في المحيط الذي يعيش فيه وعدم القدرة على الاستفادة
والإفادة مما تعلم ولعل لهذه الظاهرة سببان أولهما ذاتي ويتعلق بالفرد ذاته والبيئة
التي يعيش فيها والثاني هو النمط التعليمي التلقيني الذي فرض عليه من قبل الدولة
فليس هناك ما يشير إلى أن هذا التعليم مدروس بدقة فمناهجنا التعليمية جامدة بعض
الشيء ولا تتماشى مع نظم العالم المتحضر التقني في زمن العولمة المفتوح وهذا من أشد
ما يجعل المتعلم السوري أشبه بالأمي بين أقرانه من سكان القرية الصغيرة ذات الفضاء
المفتوح في حال أراد استكمال تخصصه أياً كان في الخارج لا وبل لا يمكن الاستفادة
منه في حال قرر الموفد العودة وإفادة مجتمعه بما استزاد من العلم ونوره وذلك لعدة
أسباب .
أما عن أمية المتعلم الذاتية فحدث ولا حرج .....فنجد أن المتعلم
بعيد كل البعد عن الحياة العملية وقد عاش فترة طويلة وهو عالة على أهله غير قادر
على تحقيق استقلاله المادي وهذا يقوده إلى تبعية النظام الأسري الذي نشأ فيه والذي
يظل يوجه له سلوكه ويرسم له أفاقه حتى بعد تخرجه من الجامعة!!!! ما لم يقم بالتمييز
وبوعي بين ولائه لأسرته وبعض موروثاتها الاجتماعية المتخلفة ومن هذه الموروثات
مثلاً مسألة الزواج فلو أراد هذا المتعلم الزواج من فتاة كانت تدرس معه أو حتى
تقربه في العمر يرفض أهله هذا الزواج فالموروث الاجتماعي القبيح ينادي بالزواج من
فتاة صغيرة في العمر ، ولا أعرف حقاً ما هي فرص نجاح هذا الزواج الغير متكافئ
عقلياً !!!! وطبعاً تكون كفة الأهل راجحة بنسب كبيرة بسبب التبعية المادية فهو لا
يملك إلا أن يستجيب بالأمر والطاعة أو أن عليه أن ينتظر طويلاً جداً حتى يستطيع أن
يكون مستقلاً مادياً ويلبي متطلبات الزواج العصرية التي تصل بالمتعلم إلى درجات
اليأس والإحباط!!!! .هذا على صعيد الشاب أما على صعيد الفتاة فهي لا تقبل إلا كما
يرتضي أهلها من المتقدم لخطبتها من مقدم ومؤخر وذهب وبيت لوحدها أو أن المتقدم
لخطبتها يكون عندئذ غير مستوفي لشروط الصلاحية وعليه أن يذهب ربما إلى الخارج كي
يأتي بفتاة تقبله كما هو عليه .
أما إذا أراد المتعلم أن ينزل إلى الواقع العملي ( حاجات
ومتطلبات سوق العمل ) فيجد نفسه بحاجة إلى دورات لإعادة التأهيل لأن ما تعلمه طوال
تلك السنين الطوال الماضية بعيد كل البعد عن الواقع مما يجعله يطرح على نفسه سؤالاً
متأخراً عن قيمة ما تعلم وعن عبثية الوقت الذي مضى ونجد في هذا السياق انتشار ظاهرة
البطالة المقنعة وبشكل كبير بين الشباب المتعلم حيث هناك فرق شاسع وكبير بين شهادته
والحقل الذي يعمل به بعد تخرجه من الجامعة مما يؤثر سلباً وبشكل كبير على الأهداف
المرجوة من العملية التعليمية برمتها فهي لا تستثمر إلا على نطاق ضيق فالجهل في وضع
خطط تعليمية وبما يتناسب مع متطلبات المجتمع الحقيقية يسهم وبشكل أو بأخر باستشراء
ظاهرة الأمية الجديدة فالتعليم تلقيني ويدفع الفرد إلى مزيد من السلبية كونه دوماً
في موقع المتأثر الذي ينتظر الحلول وغابت عنه روح المبادرة والإيجابية فهو معتاد
على انتظار الخطط الخماسية والعشارية وما لف لفها فلا أفق واسع يمنحه فرصة لخلق فرص
عمل جديدة أو ابتكار خلاق يسهم من خلاله في رفعة مجتمعه.
و هناك أيضاً أمية المتعلم في استعمال وسائط التقانة الحديثة في
عصر المعلومات والأسباب هنا بالغة التعقيد والتداخل ويكفيني القول هنا أن المسؤولية
مشتركة بين الدولة والفرد ولكنني لا ألوم الفرد الذي تكون الأولوية عنده بتأمين عمل
يسد رمقه بالإضافة إلى محدودية مصادر الدخل والهموم التي تلاحقه أكبر بكثير من أن
يفكر على مستوى نفسه فكيف يسد هذه الأمية الرقمية ، فمنطقتنا العربية بشكل عام
تواجه ضعف البنية التحتية للمعلوماتية وبحسب المستوى المادي والمعيشي المختلف وأقصد
مثلاً أن أبناء الريف يعانون أكثر من أبناء المدينة ليس لأنهم لا يملكون الكفاءة بل
بسبب قلة الفرص والامكانات بالموازنة مع أبناء المدينة ، وفي هذا الإطار نجد أن عدم
تضييق الهوة الواسعة بين المتعلم وعصر التقانة سترمي به خارج العصر وتجعل فرص حصوله
على عمل محدودة جداً وخاصة إن كان لا يتقن الإنكليزية . فغياب التوجيه في كيفية
الاستفادة من هذه التقانة الحديثة يعني جهلاً وعلى سبيل المثال أصبحت التجارة
الالكترونية على الإنترنت ممكنة وليس بإمكان متعلم ما أن يحصل على وظيفة ما في
الخليج إن لم يكن يعرف كيفية التعامل مع هذه التقانة .
مما سبق أعرف أن المتعلمين ليسوا كلهم سواسية وتختلف درجة الوصف
الذي سبق عن أمية المتعلم من شريحة إلى أخرى ولكن يبقى النجاح فردياً وشخصياً
ويختلف من فرد لآخر وأعتقد أنه من حق المتعلم أن يحظى ربما بدورة تأهيل بعد مرحلة
تخرجه إلى أن يتم بطريقة أو بأخرى ولو بالتدريج التخلص من هذه الظاهرة التابعة
لظاهرة الأمية التي تحيق بنا وأن ندرك حجم خطر هذه الظاهرة الجديدة وحجمها بين
الفئة المتعلمة التي يؤمل منها كل خير في بناء الوطن الحبيب . وأرجو من الجميع أن
يدلو بدلوه ضمن سياق النقد البناء .
عبد الله أنيس
من مساهمات القراء
|
|
2006-04-05 16:23:12 |
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:
|
|
|
|
شارك بالتعليق
|
|
|