كان يصطاد السمك ، ووقع خاتمه في الماء ، تصوروا انه بعد سنتين .. عقدين .. وربما نصف قرن ، اصطاد في ذات المكان سمكة .. ما رأيكم .. يشق بطن السمكة .. ولا يجد الخاتم ..؟؟!!

هذا المقطع (بتصرف) من مسرحية عادل امام ( الواد سيد الشغال ) يلخص واقعا مريرا نعيشه ، وهو انه لا مفاجأة سارة  في حياتنا ، كل شيء يسير كما عهدناه ، ولا اعرف اذا كان الفنان القدير قد قصد ان يجسد هذا الواقع في ذاك المشهد خفيف الظل من المسرحية ام جاء بمحض الصدفة.

فالمفاجأة التي نبحث عنها لا تحدث الا في الخيال ، و عندما نشق بطن السمكة لن نجد اية خواتم ، وحتى لو فركنا مصباح علاء الدين لن يخرج أي مارد وستبقى الاماني حبيسة القصص الخرافية.

كان من سوء حظنا ان تقع تصفيات اسيا لكأس العالم ومباريات فريقنا الوطني لكرة القدم بالتزامن مع مباريات كأس الامم الأوربية ، والصدمة التي يشكلها عند المتابع التباين في الأداء بين مباريتين يفصل بينهما ساعة واحدة في التوقيت ، وقرن كامل (وربما اكثر)  في المهارة والاحتراف كفيلة بان تجعلنا نعيد التفكير كثيرا في واقعنا وموقعنا من باقي شعوب العالم.

كل الغضب وخيبة الامل التي اعترت الجماهير السورية نتيجة خروج منتخبنا الوطني من تصفيات كأس العالم هو انهم عادوا وأملوا في ان يجدوا الخاتم الضائع في بطن سمكة يتم اصطيادها من بين ملايين الأسماك التي تعيش في المحيط.

وهنا ما هو الاحتمال الاكبر ، الاحتمال الاكبر هو الا نجد الخاتم .. ، وهذا لا ينطبق فقط على مباريات كرة القدم ولا على الرياضة في سوريا بل على كل مناحي الحياة تحت عنوان عريض يمكن ان نلخصه في جملة  واحدة هي غياب "الاحتراف".

فالاعمال عندنا هي بالارتجال ، وعلى مبدأ مرة "بتصيب" وألف بتخيب ، والذي يتميز في اغلب الاحيان يعتمد على جهد فردي ويبقى النجاح شخصيا ومؤقتا يزول بزوال نشاط الشخص ذاته.

كنت جالسا في احد مطاعم دمشق في حي راق ، اتناول وجبة الغذاء متأخراً كالعادة ، ودفعني سلوك "الكرسون" الى الخروج "بجلدي" من المطعم في اقل من 15 دقيقة ، فقط تعبت اعصابي وهو "يخبط "الصحون" و "الكاسات" على الطاولة وكأنه يقول لي " تفضل يا حيوان لعمى في قلبك شو جابك هلق " ..

ولما تجرأت وسألته عن مكونات احد الوجبات في لائحة الطعام ، اتسعت فتحتا انفه الضخم وزفر زفة طويلة ،حتى اني اقسم بانه خيل الي انه يضع حلقة الثيران فيه ، اجابني باقتضاب ولسان حاله يقول " مو ناقص غير نشرح لهل (البجم) .. روح كول فول احسن لك .. " ..

طبعا تحاشيته وطلبت أي شيء واكلت سريعا و"نفدت" بريشي ، فيما تجد مطاعم اخرى قد تكون مجاورة تعشق ان تدخل اليها لحسن الضيافة واتقان المضيفين لعملهم فيها.

هناك فرق شاسع بين انجاز العمل واحتراف انجازه ، فالاحتراف هو انجاز العمل وفق معايير اهمها الجودة والزمن ، وهذه المعايير متحركة دائما الى الامام بفعل التطور والمنافسة.

في بلدنا لا يوجد أي ثقافة للاحتراف ، ويصل طموحنا الى حد الانجاز وفقط  ، وذلك مع غياب المنظومة والآليات التي تصل بالواحد منا لاتقان العمل الى درجة الاحتراف متزامن هذا مع غياب المعايير والتقييم.

والفرق بين الانجاز والاحتراف ، كالفرق بان تطلب من شلة ذاهبة في رحلة باص "هوب هوب" ان يغنوا اغنية لام كلثوم ، وبين ان يغنيها جورج وسوف مع فرقته الموسيقية ، او بين رسم لطفل صغير يجسد وجها لسيدة وبين لوحة الموناليزا.

هذا لا يعني ان الاحتراف غير موجود في سوريا ، ولكن هو نادر الوجود ومبني على مبادرات فردية ، او على اشخاص كان لهم الحظوة في ان ينالوا التعليم والتدريب في مؤسسات أجنبية او خارج القطر.

واليوم في عصر العالم المفتوح والمنافسة لا يكفي بان ننتج او ننجز بل يجب علينا أن نتقن ونحترف ، ويعتقد الكثيرون منا بانه بمجرد ان نقطع المائة متر في مضمار ملعب الجري يعني باننا فزنا بالاولمبياد ، لنكتشف فيما بعد بان كل المتسابقين وصلوا قبلنا وانتهت المنافسات وذهب الجمهور ونام  ، ثم نكتشف بان الاخرين كانوا يركضون بينما كنا نزحف على بطوننا.

ويأتيك من يقول " من اخطأ له اجر ومن اصاب له آجران" ، وهي عبارة تراها متداولة كثيرا في ثقافتنا المحلية ، رغم انها مجتزأة وتوظف في غير محلها ، ولكنه لا يدرك باننا اذا اكتفينا "بالاجر الواحد" لن يكون لنا أي امل في ان نلحق بصاحب " الاجرين" وستتسع المسافة بيننا لتصبح كالمسافة التي وجدناها بين مباراة سوريا والكويت الاخيرة وبين مباراة هولندا وايطاليا في كأس اوربا.. ؟؟!

يجب ان نعي جيدا انه لكي نحصل على الخاتم يجب ان ندرك ان الخاتم لا يكون في بطن السمكة الا في القصص الخرافية ، اما في الواقع لا تحتسب الا الخواتم التي في أصابعنا.

نضال معلوف