في الهبة التعبوية التي قام بها نظام كامب ديفيد الراحل كي يخفف من (زعل) الجماهير (وزعل الشعب صعب كما رأيتم) استنفر جميع النخب و الشخصيات العامة ذات التأثير كي يهدؤوا غضب المحتشدين في ميدان التحرير، الذين قرروا ـ ولمدة قصيرة لم تتجاوز الثمانية عشر يوماً ـ

الكف عن البقاء جمهوراً مصفقاً للممثلين، في دراما واقعية قلبت الأدوار، إذ أصبح الجمهور هو البطل الذي اضطر الممثلين للتصفيق، له أو ضده.

هذا البطل (الجمهوري) وصفت إحدى الفنانات هديره الجبار بـ "عواء جائعين"، ولعلكم قرأتم وشاهدتم تصريحات بعض المشاهير بخصوص هذا الهدير، والتي عكست مواقفهم من (زعل) الجماهير و حردها العارم، وهي مواقف متباينةٌ و مفهومةٌ و يمكن تخمين دوافعها بسهولةٍ بالغة.

أستطيع بقليل من المغفرة التماس العذر لفنان عبر عن قناعةٍ سياسيةٍ بصلاح نظام مبارك، و أن أتفهم مواقفه على قاعدة أنه حرٌّ برأيه السياسي، وإن زدت جرعة المغفرة قليلاً يمكنني تبرير مواقف المتربحين و المنتفعين مادياً من هذا النظام و آلياته، التي مكنتهم من إشادة صرح ثرواتهم المالية و الإشهارية؛ لكن لا أعرف إن كانت كل المغفرة الموجودة في هذا الكون تبرر السماح لسماح أنور أن تقول على الملأ: " ما يولعوا فيهم..يعني هيجرا إيه لو ولعوا فيهم..مش عارفة ليه ما ولعوش فيهم لحد دلوئتي..؟".

هكذا إذن، تحث، وتناشد، وتطالب المذكورة بلهجةٍ استغرابيةٍ بإشعال الموجودين في ميدان التحرير، وهي مطالبةٌ تجعلني أبتهل لله كي يساعدني في بذل الجهد اللازم كي أتعاطى معها بعيداً عن استخدام النعوت و الأوصاف المقذعة بحق كلٍّ من مطلقها و مضمونها... الفاشي.

متى يريد أحدنا حرق إنسان؟

لماذا يرغب أحدنا بإضرام النار الملايين من البشر، بغض النظر عن كونهم من مواطنيه أو من مواطني بلاد الواق واق؟

أليس بين هؤلاء الكثير من معجبي هذه (الفنانة) ممن يحبونها ويطلبون توقيعها على تذكاراتٍ إن رأوها في مكانٍ عام؟ هل الحرق مكافأتها لهم على منحها الشهرة... ومن ثم المال؟

تثير دعوة الحرق هذه الكثير الكثير من التساؤلات التي أعجز عن الإجابة عليها، وربما يكون علماء النفس هم الأقدر على القيام بهذه المهمة، لكن في كل الأحوال يمكنني بكل ثقةٍ الزعم بأن من يفعل ذلك لا يجدر بنا أن نصنفه بين الآدميين، فكيف إن طالبتنا شهرته بأن نطلق عليه صفةً تستبطن، تحتوي، تتضمن، تفترض: الإحساس، و الرقة، و التواضع، و الأثرة، و الأهم: الدفاع عن الحياة؟ ولئن كانت المسافة التي تفصله عن البشر كبيرةً وتفرض على الأطباء النفسيين التدخل لتقليلها ما أمكن؛ فإن المسافة التي تفصله عن صفة (الفنان) فلكيةٌ. وإن كان الشك بآدمية صاحبة هذه الدعوة مؤيدٌ ومثبتٌ بتصريحها (الناري) فإن اليقين القاطع بعدم امتلاكها مواصفات ودوافع الفنان يصبح نافلاً، وتحصيل حاصل.

تبين الأحداث الكبرى ـ ومنها الثورات ـ كل ما هو إيجابيٌّ و سلبيٌّ لدى المجتمعات و الأفراد، سواءٌ على مستوى القيم أو السلوك أو الغايات، الثورة تنزع البراقع و الأقنعة عن الجميع، لأنها تقول للجميع: " لا مجال للمواربة، و زمن الديبلوماسية ولى، حدد موقفك!!" ولهذا نزل فنانو مصر إلى الشارع بحلتهم الطبيعية، دون ماكياجات أو تعليمات معدي ومخرجي المقابلات التلفزيونية و الصحفية معهم، إذ لا مكان أو وقتاً هنا للتجميل و المجاملة و (الدحش و اللحش و الوصل و القطع في غرف المونتاج)...فهل رأيتم سماح أنور ـ وسواها ـ على حقيقتها؟

في الثورة تتكثف وتختزل و تتجمع الإيجابيات، لتواجه السلبيات التي تمارس فعل التكثف و الاختزال و التجمع بدورها، وينقسم المجتمع إلى فئتين، إحداهما: تغييريةٌ، تدافع عن الجديد، والأخرى: محافظةٌ، تريد الإبقاء على أسوء ما في القديم، و تنشأ تحالفاتٌ بين قوى الخير على اختلاف أطيافها و تحالفاتٌ مضادةٌ بين قوى الشر، هكذا.. وبكل فجاجةٍ تكون سماح أنور ـ وسواها ـ رديفاً (فنياً) لـ (البلطجية) و راكبي الخيول و الجمال الذين هاجموا الثوار في الميدان، ولا تختلف عن مرسلي الشتائم لكل من آزر الثورة. ليس هذا فحسب..لا ..إنها في تصريحها (الناري) تتحالف مع الفاشية، ولا أستغرب أن يقوم الإعلام الصهيوني باستخدام كلماتها ليقول: " انظروا إلى النخب العربية كم هي (هولوكوستية) بحق أبناء جلدتها، فكيف بنا نحن اليهود المساكين..."، فالتلفزيون الإسرائيلي الذي اهتم بخلع شيريهان لحجابها في ميدان التحرير سوف يجد الطريقة المثلى للاهتمام بتصريح سماح أنور وفق متطلبات ومقتضيات المصالح الإعلامية للصهاينة.

قد نلوم فناناً لقلة أو عدم إحساسه بقهر وظلم ومعاناة وجوع جمهوره، مبررين هذه الذلة بالحجب و الموانع و السدود التي تمنعه من رؤية واقع هذا الجمهور، لكن بماذا يمكن تفسير وتبرير حقد (فنان) على الحياة الإنسانية، ونزوله إلى دركٍ مذمومٍ وكريه؟

يمكننا تفهم هذا المنطق من شخصٍ يعيش في العشوائيات لا القصور..من مغمورٍ لا مشهورٍ.. من معدمٍ لا متخمٍ.... فالحقد الطبقي قد يجنح بالمحرومين إلى بغض حارميهم، و ربما كره كل من تتوفر له سبل الحياة التي سدت في وجوههم، فيتصرفون ويصرحون بما يمليه عليهم إحساسهم بالظلم الذي يظلل قلوبهم بالسواد، أما أن تنضح قريحة المترفين المشهورين بهذا السم؛ فشأنٌ يستدعي منا أن نمعن النظر حولنا خشية وجود المزيد من هذه الأصناف في صفوف كل الفنانين.. كلهم على الإطلاق.

بعد كل هذا..ألستم معي في ضرورة إعادة النظر بإعجابنا غير المشروط بهؤلاء المكرسين نجوماً، وأن نفكر في مفارقة أن يرأف العسكر (الخشنون) بمن لم يرأف بهم الفنانون (الرقيقون)؟

ألا فليحل عليك يا سماح (زعل) شعبك، فقد أثبت جدارتك بنيله، وليغمر نيله الدفاق نارك بوافر مياهه...الخالدة.