يا جماعة:

من منطلق مشاركتي في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وفق ما تثبته بطاقتي الانتخابية، التي لا أستطيع ذكر رقمها لأنني ضيعتها وسط أكوام الأوراق الرسمية التي يعج بها درج خزانتي ..

(فواتير مياه وكهرباء وهاتف، دفتر عائلة، دفتر شيكات المازوت الشهير، إيصالات مالية لدوائر مختلفة..إلخ ..إلخ) فإنني أتوجه إلى بعض السادة أعضاء مجلس الشعب ببعض  هواجسي وكوابيسي، من باب الدردشة بين القاعدة الانتخابية وممثليها البرلمانيين.

محسوبكم ـ و الملايين غيري ـ ضد القمار ومفاسده وآثاره الأخلاقية و الاجتماعية، و المدعو (قمار) محرم شرعاً و ممنوع قانوناً ..وهذا صحيح، ومن مهامكم وحقكم سؤال الحكومة عما أصدرته من ترخيص  لافتتاح ـ بالأحرى إعادة افتتاح ـ كازينو دمشق، لكن الذي يتبادر للذهن بعد اطلاعي على ما أوردته  وسائل إعلامٍ متعددةٍ عن " العواصف "  التي هببتموها و " الزلازل " الذي أثرتموها بهذا الخصوص؛ هو التساؤل عما ادخرتموه من قدراتٍ عاصفةٍ أو مزلزلةٍ لمواجهة قضايا أكثر أهميةً  و إلحاحاً من ظاهرة افتتاح كازينو ( كذا ..وكذا...تستطيعون ترديد ما شئتم من نعوتٍ أخلاقيةٍ عليه).

فأنا، وإذ أرى تواثبكم الراهن لا أملك إلا تذكر تثاؤبكم في غير مناسبةٍ أكثر تأثيراً في حياة وقوت الملايين، هل أذكركم مثلاً بعدد الأعضاء الغائبين أو النائمين حين أقرت آلية الدعم الجديدة للمازوت العام الماضي؟

هل سألتم السيدة (حكومة) عن أثر ذلك ليس على دفء البشر فحسب، بل على الاقتصاد الوطني برمته،  وبالأخص القطاع الزراعي الذي لم تقتصر عوامل الجفاف على تسديد الضربات الموجعة إليه، بل شاركتها في ذلك الإجراءات الحكومية (المازوتية) و رفع أسعار الأسمدة، فحل بمنطقة الجزيرة السورية ما حل، وربما بعضكم ممن هو مولع بيانصيب معرض دمشق الدولي اشترى أو قد يشتري بطاقة يانصيب من جزراوي هاجر إلى دمشق ليعمل في القطاع اليانصيباتي.

هل سألتم السيدة الحكومة عن تأثير ذلك على أمننا الغذائي، واستقلالية قرارنا السياسي على ضوء تصريح كوندوليزا رايس (هل تذكرونها؟ ) حين أجابت عن سبب ضعف قدرة بلدها في الضغط على سورية قائلةً  " سورية لا تستورد القمح من الولايات المتحدة الأمريكية".

يقول أحد أعضاء مجلسنا (نا: ضمير بارز متصل يدل على الشعب) " كازينو دمشق ظاهرةٌ ينبغي (النضال) ضدها....لأن القمار غير قانوني"  هو قضيةٌ مصيريةٌ إذن، و وجوديةٌ، وحاسمةٌ، وهذا يستتبع من أي مراقبٍ أن يحلل بواعث هذا التصريح الناري، فوصلت بقدراتي التحليلية المتواضعة إلى ما يلي:

ثمة (خربطة) في أولويات نضال هذا النائب، إذ أسس جهده النضالي البرلماني على أرضيةٍ إيديولوجيةٍ، منبتها خلفيته الإسلامية، إما لإرضاء ودغدغة منتخبيه عقائدياً، أو لأنه يعطي الاعتبارات الإيديولوجية أهميةً أكبر من الواقع المعاشي لهؤلاء المنتخبين الجائعين و البردانين ، وكأنه وسواه ممن ارتفعت عقيرتهم بشأن الكازينو لم يصدقوا أن يجدوا الفرصة العقائدية المناسبة إعلامياً ودعائياً كي يثبتوا لمن انتخبهم بأنهم متواثبون في المجلس لا متثائبون.

برأيي: هذا الموقف يدل على أحد احتمالين، كل منهما أسوأ من الآخر، الأول: أنهم لا يستطيعون إثارة العواصف البرلمانية في أمورٍ أكبر و أخطر، أما الثاني: أنهم لا يريدون إثارتها لأن النهج الحكومي في القضايا الجذرية هو من مصلحتهم. وإلا ما تفسير أن تهرع إطفائيات بعض النواب لإطفاء نارٍ صغيرةٍ متجاهلةً منزلاً هبت فيه نيران الفساد و الغلاء و البطالة و الدعارة و ارتفاع أسعار العقارات..و ..و...؟

ترى أية عدسةٍ يستخدمون للنظر من خلالها إلى مشاكلنا (نا: ضمير بارز متصل يدل على الشعب) ؟

القمار مدمرٌ للمجتمع؟ حسنٌ ماذا يقول (المناضل) البرلماني عن معلم مدرسةٍ في مدينتي اسمه (ع.خ) افترش الرصيف منذ عشرين عاماً، و وضع صندوقاً شبيهاً بصندوق البويجية  ونشر فوقه دستات من الجوارب كي يبيعها؟

هل يفعل ذلك من باب الهواية ورغبة جمع المال؟ ألا يشكل منظره هذا صفعةً بل طعنةً للكثير من القيم (الشرعية) و المبادئ (القانونية)  تقتضي من مناضلينا البرلمانيين النضال من أجل نصرتها؟

هل وجه أي مثير للعواصف البرلمانية سؤالاً لوزير الإعلام عن سبب السماح للمشعوذات على قنواتنا الفضائية بممارسة نشاطهن المميز في بث الخرافة و روح التواكل و الكسل لدينا (نا: ضمير بارز متصل يدل على الشعب)؟ هل الخرافات و الشعوذة محللةٌ وقانونيةٌ؟

يبدو أن بعضكم مثل البطاقة الانتخابية، لا نراه إلا نادراً، ونضيعه في غمرة فواتيرنا وإيصالاتنا، وعلى حد قول الشاعر (أنا) (نا: تدل علي وليس على الشعب):

يا مجلساً فوق المجالس كلها......من ذا يزيح الغم عن متنفسي.

من ذا يحاسب خطةً خمسية......أودت بأكلي، صحتي، وملابسي.

أيها السادة: أعيدوا النظر بمفهومكم للقمار...ثمة مقامرةٌ أكبر قد نذهب كلنا ضحيتها.