يضيق لبنان بالنازحين العرب، من سوريّين ومن فلسطينيّين، ولا يضيق بعشرات الآلاف من جنود العدوّ الإسرائيلي الذين كانوا يغزون لبنان دوريّاً، قبل ظهور ردع المقاومة، وكانوا أحياناً يُستقبلون بالأرز والورود. ويضيق لبنان بالفقراء من كلّ الجنسيّات ولا يضيق بأثرياء التلوّث النفطي العربي، والذين يتلذّذ اللبناني واللبنانيّة بالانحناء أمامهم.
ضاق لبنان بآلاف من النازحين، ولم يضق بآلاف من جنود الـ«يونيفيل» الذين قدموا إلى لبنان لحماية العدوّ الإسرائيلي من لبنان، وللتجسّس على مقاومته فيها. ليست استضافة النازحين، سوريّين أو فلسطينيّين، من قبل لبنان مكرمة تستحق الشكر. هو واجب بحكم ما فعله لبنان من استضافة لكلّ المؤامرات التي حيكت ضد سوريا (البلد، وليس النظام هنا) وبحكم التقصير الذي أبداه لبنان منذ 1948 تجاه القضيّة الفلسطينيّة والقضايا العربيّة. إذا كان الشعب السوري ضحيّة لنظام الأسد ــ وهو كذلك ــ فعلى الفريقيْن المتنازعيْن في لبنان إبداء نخوة وعاطفة نحو شعب قام بواجب الضيافة حيال لبنان في كلّ سنوات محنه.
ضاق لبنان بوفود النازحين المؤقّتين، ولم يضق بأمراء سلالات النفط المتعدّدي الزوجات الذين حوّلوا قسماً كبيراً من صناعة السياحة في لبنان إلى سياحة دعارة. ضاق لبنان بفقير مات جوعاً وبرداً في شارع الحمراء ولم يضق بعائلة الحريري التي لم تعط لبنان إلا فساداً، ومؤامرات، وفتناً، وارتهاناً لأعداء لبنان.
ستطول الحرب في سوريا والمؤشّرات لا تدلّ على إرادة وقف النزاع من الأطراف
الإقليميّة والدوليّة، التي تسيّر فريقي النزاع في سوريا. وليس غريباً على مسخ
الوطن أن يتنكّر لواجباته الإنسانيّة البديهيّة في استضافة أخوة من بلد أقرب إلى
لبنان من أي بلد آخر (باستثناء فلسطين قبل احتلالها). ليس غريباً على ساسة لبنان أن
يُظهروا بشاعة شخصيّاتهم وقسوة قلوبهم نحو المستظلّين في العراء.
لو كان الوافدون من سوريا من حملة الدنانير الخليجيّة لهتف جبران باسيل وسامي الجميّل ونايلة تويني بحياتهم، صبحاً ومساءً. لو أن الوافدين من سوريا كانوا من الأوروبيّين البيض، لاصطفّ الصف السياسي اللبناني برمّته ترحيباً بالضيوف. لو أنّ الوافدين من سوريا أتوا في زمن سيطرة النظام السوري على لبنان، لفتح ساسة لبنان، وأولّهم وليد جنبلاط، قصورهم ومنازلهم ترحيباً بالقادمين. لكن الشعب السوري متروك اليوم. الأنظمة والدول تتنافس في تصنّع محبّته، فيما هي تغذّي حربه الأهليّة على أمل ألا تنتهي. لكن لبنان له همومه: حربه الأهليّة إما تستعر وإمّا تدخل في مرحلة الحرب الباردة. ولبنان منكوب أيضاً بأمثال جبران باسيل ونايلة تويني وسامي الجميّل وفؤاد السنيورة، ومنكوب أن لكل منهم جمهوره ومؤيّديه. الحرب اللبنانيّة تمتد وتتسع.
*منقولة