لقد تصرف الرئيس أوباما على النحو الذي كان متوقعاً بإرساله المزيد من الأسلحة إلى العراق لمواجهة تصاعد أعمال العنف التي تدعو إلى القلق في البلاد . ولكن هـذا لوحده لن يحل مشكلة تعود جذورها لاستبعاد الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة لبقية مكونات الشعب العراقي من السنّة والأقليات الأخرى ، وتقويض مسيرة العمليات الديمقراطية وخاصة من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي نفسه .
لقد وصل سفك الدماء في العراق إلى أبعاد كارثية . فقد لقي أكثر من 8 آلاف عراقي حتفهم خلال العام 2013 ، من ضمنهم 952 من قوات الأمن العراقية . وبشكل عام تُعتبر هذه الأرقام الأعلى منذ العام 2008 محطمة بذلك خط بياني منخفض للعنف دفعت بأحد كبار المسؤولين العراقيين في العام 2012 إلى التأكيد على أن " العراق يشهد اليوم درجة عنف أقل من أي وقت مضى في التاريخ الحديث " .
ويعود سبب هذا الارتفاع الكبير في مستوى العنف إلى دولة الإسلام في العراق والشام ، أو ما يُعرف بـ داعش ، وهي مجموعة سنّية قوية مرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال وغرب العراق . وقد شنت المجموعة التي سبقتها ، وهي تنظيم القاعدة في العراق ، التمرد المسلح الذي كاد أن يُوقع البلاد في حرب أهلية في عامي 2006-2007 قبل أن تتعرض هـذه المجموعة لهزيمة منكرة على يد المجموعات المسلحة التي أنشأتها العشائر السنيّة المعروفة بإسم الصحوات ، وعلى يد القوات الأمريكية . ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من العراق في أواخر العام 2011 ، استعادت هذه المجموعة من جديد قوتها في مواجهة قوات الأمن العراقية غير القادرة على تأمين الحماية للمدنيين بشكل كامل ، واستقطبت مقاتلين أجانب من سورية المجاورة ومن باقي بلدان المنطقة . ويقول المسؤولون الأمريكيون أن داعش تحاول عن عمد تمزيق العراق .
وقد سعى المالكي إلى طلب المساعدة من السيد أوباما خلال زيارته للبيت الأبيض خلال شهر تشرين الثاني الماضي في تحول واضح في مواقفه بعد فشله في التوصل إلى اتفاق بإبقاء عـدد محدود من القوات الأمريكية في العراق بعد العام 2011 لتقوم بمهام التدريب وجمع المعلومات الاستخباراتية .
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
وقد قام البنتاغون في الأسبوع الماضي بتزويد العراق بحوالي 75 صاروخ جو ــ أرض من طرازهلفاير لاستخدامها ضد مقرات داعش وربما غيرها على أن تتولى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تقديم المساعدة الاستخباراتية في استهداف هذه المعسكرات . ومن المتوقع أن يقوم البنتاغون بتزويد العراق بـ 10 طائرات استطلاع بدون طيار خلال شهر آذار المقبل . ويعتزم البنتاغون أيضاَ تزويد العراق في المرحلة القادمة بـ 47 طائرة استطلاع أخرى بدون طيار ، وبالدفعة الأولى من الطلب الذي تقدم به العراق لشراء طائرات F16 . وتحاول إدارة أوباما دفع أعضاء الكونغرس المترددين إلى الموافقة على إرسال طائرات الأباتشي إلى العراق على سبيل الإعارة ، وبيعها في نهاية المطاف .
هناك مصالح استراتيجية للولايات المتحدة في استقرار العراق الذي يتعرض الآن بلا شك للمخاطر مما يجعل من الأهمية بمكان زيادة التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب ، وفي تبادل المعلومات الاستخباراتية الضرورية . ولكن حتى الأسلحة الأكثر فتكاً لن يكون لها تأثير ايجابي كبير إذا ما قام السيد المالكي وقادة العراق الآخرين بمخاصمة بعضهم البعض عوضاً عن توحيد البلاد حول أهداف مشتركة من خلال عمليات ديمقراطية ذات مصداقية . إن دور السيد المالكي كان محورياً في إحداث الفوضى التي تجتاح العراق الآن مستخدماً سلطته لصالح إخوانه من الغالبية الشيعية على حساب الأقلية السنيّة مما يؤجج الصراع الطائفي ، ويُوفر مناخ يُساعد على جذب المسلحين مرة ثانية إلى البلاد .
ويقول المسؤولون الأمريكيون أن السيد المالكي والقادة العراقيين الآخرين باتوا يتفهمون أخيراً مخاطر التطرف المتزايد ، وحقيقة أن الحل الأمني بمفرده لن يجلب الاستقرار للعراق . وهم يقولون أيضاً بأن قوات الأمن العراقية بدأت تحقق في الآونة الأخيرة نجاحات أكثر في تصديها للمسلحين ، وبأن السيد المالكي وحكومته قد أظهر رغبة في العمل بالتعاون مع السنّة ، وفي التوصل إلى حل للنزاع على النفط مع الأكراد ، وفي وضع اتفاق جديد يهدف إلى تعزيز السلم الأهلي والاجتماعي في البلاد . ولكن إذا ما أخذنا بعين الاعتبار رياء واستبداد المالكي فمن الصعب أن نكون متفائلين بتحقيق كل ذلك . وقام أكثر من 40 برلماني عراقي من السنّة بتقديم استقالتهم ، في الوقت الذي يُهدد فيه أعضاء في الحكومة العراقية من السنّة بالانسحاب من عضوية الحكومة بعدما قامت قوات الأمن العراقية بإزالة الخيم في ساحة الاعتصام في الأنبار التي كان يستخدمها السنّة للاحتجاج على معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل حكومة المالكي التي يقودها الشيعة .
وفي الوقت الذي تقوم فيه إدارة أوباما بتزويد العراق بالسلاح ، وبالمعلومات الاستخباراتية وبالمشورة ، يتعين عليها أن تمارس الضغوط على السيد المالكي وقادة العراق الآخرين لكي يقوموا بمثل هذه الأمور [ التعاون مع السنة ــ التوصل إلى حل للنزاع على النفط مع الأكراد ــ وضع اتفاق جديد يهدف إلى تشجيع السلم الأهلي والاجتماعي في البلاد ] ، وضمان أن تكون الانتخابات التي ستجري خلال شهر نيسان القادم حرة ونزيهة ، والالتزام في الختام باعتماد قوانين من شأنها معالجة مظالم السنّة . كما ويتعين على إدارة أوباما أن تكون مستعدة لوقف أو حجب إرسال شحنات هذه الأسلحة إلى العراق إذا ما أسيء استخدامها ، أو إذا ما استمر السيد المالكي في وضع مصالحه الخاصة فوق مصالح البلاد . الأربعـاء 1-1-2014 .