السيد الرئيس

أيها الرفاق

الفلذة الصخرية أعيدت إلى مكانها من موقع الطيب، ولقد تعلّمت من مبادئها أن تشد العمق إلى الضوء وأن تربط الأغوار بالقمم، عمودية هي حتى القرار وأفقية هي مدى البصر، لعلها تتلاقى فيها خطوط الزمن فتتشابك الحلقات الحضارية المتجذرة في أعماق التاريخ بالساطع البهي من حضارة دمشق وبغداد العربية الزاهرة، فيكون من سورية مشعل الهداية لدنيا العرب، بل ومشعل النور الحضاري لعالم الإنسان.

السيد الرئيس..

أيها الرفاق المؤتمرون..

كلنا مسؤول عن الوطن، وكلنا منذور لمستقبله، ومن هنا اعتزازنا نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي بسورية وبنصرة قيادتها، وفي الوقت عينه اعتزازنا نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي بسورية وبنصرة قيادتها، وفي الوقت عينه اعتزازنا بأن نكون في الجبهة الوطنية التقدمية.

كيف لا، وقد آمنا أن المجد للألم ينتصر عليه حامله، وقد حفظنا، منذ البداية، الوصية ولقد ترجمنا ذلك دماً وشهداءً في ساحة لبنان جنباً إلى جنب مع جيش تشرين البطل، وترجمنا ذلك تلاحماً جبهوياً استراتيجياً بقيادة القائد الفذ الرئيس حافظ الأسد.

السيد الرئيس..

أيها الرفاق المؤتمرون...

لعلها الضغوط الأقسى والأخطر هي التي نشهدها على سورية منذ فترة ليست بالقصيرة ولا البسيطة. من هنا أهمية هذا المؤتمر ومسؤولياته الجسام في مرحلة تتهدد كرامتنا وهويتنا ومصيرنا.

عند بدايات القرن الماضي أنتج صراع الإرادات الأجنبية، سايكس ـ بيكو لتقطيع شرايين دورة الحياة في أمتنا، واليوم وعند بدايات القرن الجديد، يصوغ صراع الإرادات الأجنبية مشروعاً جديداً يعتمد في جوهره على تحويل سايكس ـ بيكو الجغرافي ـ السياسي إلى سايكس ـ بيكو اجتماعي ـ سياسي يضع الحواجز مباشرة بين الإنسان والإنسان، لا بل بين الإنسان والمجتمع.

الأحزاب السورية خاضت في القرن الماضي، معاركها في مواجهة مفاعيل سايكس ـ بيكو من مواقع متنابذة متناحرة، الأمر الذي ساهم، إلى حد كبير، في انكفاء المشروع التوحيدي في مواجهة المشروع التقسيمي، واليوم، علينا أن نخوض معركة النهوض بالوعي في مواجهة مشروع تفتيت المجتمع من مواقع التساند والتلاحم لا بل من مواقع التفاعل الموحد.

إن مهام بناء إنساننا ومجتمعنا وتحصينهما ترتسم مهاماً قومية بامتياز، تكتسب أولويتها من ضرورة الصمود الناجع الفعال، وضرورة المواجهة القومية المبرمجة مع العدو الإلغائي المتمثل بالمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي.

وليس جائزاً أن تخضع هذه المهام للتفاضل أو التأجيل بسبب أولويات الصراع القومي ضد العدو أو فلنقل هي الجزء الأساسي منه، فالإصلاح والمنعة والصمود هي بالإنسان أولاً وقبل كل شيء بإطلاق قدراته وتفعيل قواه.

إننا ننظر إلى الإنسان من مفهوم الإنسان المجتمع، فهو الإنسان المشارك في دورة الحياة بغض النظر عن أصله العرقي أو انتمائه الطائفي أو العائلي أو غير ذلك.. طالما أنه عضو في هذا المزيج المنصهر ضمن البيئة الطبيعية للوطن والمجتمع وعلى هذا الأساس فإن معادلة الاشتراك في وحدة الحقوق والواجبات، هي مكون رئيس وشرط لازم لعملية البناء والتحديث في الدولة والمجتمع وفي تحقيق المنعة والصمود بوجه كل التحديات.

السيد الرئيس..

الرفاق المؤتمرون..

ليس هناك من يجادل في سلامة الانفتاح الفكري والحضاري، ولكن هناك من يجادل بقوة وعناد في التخلي والاندماج: التخلي عن الثقافة الوطنية، والاندماج في الثقافة الغربية.

في الانفتاح الفكري والحضاري تفاعل للغني والخصب والنماء في الثقافة والشخصية الوطنية. في الاندماج امحاء. إن النسج على منوال مفاهيم الغير وأشكاله وتعبيراته في الثقافة والاقتصاد والفن والحياة العامة ينتهي بالاندماج الفكري والعملي في الثقافة الغيرية، فيصبح الاختراق الثقافي استبدال ثقافة الآخرين بالثقافة الوطنية والقومية وهدماً للشخصية الوطنية والقومية.

لشعبنا تاريخ عريق في الإبداع والحرية، وحضارة الحرية التي تتباهى بها الليبرالية الغربية وجدت دفقات ولادتها في أرضنا الطيبة وشعبنا السمح المميز.

الإصلاح والحرية في حضارة الحرية، لا يقوم على نسخ نماذج الغير، وإنما على منهج الوعي للانتماء القومي وخصائصه، ولوحدة المجتمع ومقتضياتها وذلك من خلال ضبط علاقة المواطن بالدولة تحت سقف القانون ومن خلال اشتراع قانون للحريات السياسية مشدود إلى وحدة المجتمع ويكفل التفاعل المبدع للفكر الحر في مجالات الإعلام المختلفة. لما في ذلك من إغناء للعقل المجموعي السوري، ومن ضمان لإمكانية التعبير عن الأفكار والاتجاهات والمشاريع الخلاقة.

للجبهة الوطنية التقدمية دورها الحقيقي في بناء إنسان المجتمع وفي إطلاق تفاعل وطني واسع وبناء، مما يستدعي الحاجة إلى مزيد من التطوير في صيغتها وفعاليتها بحيث تضخ الحيوية في حياتنا السياسية من خلال مناخ وطني جامع يكفل التعددية السياسية المتنافسة تحت سقف واحد من الإجماع الوطني على صيانة وحدة المجتمع وترسيخ الثوابت القومية.

السيد الرئيس..

أيها الرفاق المؤتمرون..

إن الإصلاح سمة ملازمة للحياة عبر تاريخها، يتجدد به المجتمع وإنسان المجتمع في إعادة النظر وتجديد أنظمته وقوانينه المفتوحة باستمرار على التطور، بما يتلائم مع تطورات أوضاعها وظروفها، وبما يرقّي حياة الشعب وينهض بمستوى العلاقة بين الشعب وحكامه.

فيا أيها المسؤولون عن الوطن، المنذورون لمستقبله.

بين أيديكم صفحات كالغمام تنتظر النقش فحبّروها.

حبروها بما يزدهر به وطن الحضارة، حضارة الحرية، وبما يعز إنسانه، إنسان الكرامة.. فإذا قلنا سورية تحتم أن تكون عز وأن تكون حضارةً وأن تكون حريةً وأن يكون إنسان حر كريم.

سيريا نيوز