في الوقت الذي أنهى فيه الجنرال بيتراوس كلمته يوم أمس كانت
المذابح في العراق على قدم وساق خلال اليوم بأكمله. لم يكن ذلك اليوم استثنائياً
أبداً بالنسبة لأحداث العنف المشتعلة فيه وفقاً لمقاييس العراقيين.
فقد سجل ذلك اليوم مقتل 7 جنود أمريكيين وجرح 11 آخرين في
العاصمة بغداد، أما باقي أحداث العنف الطائفي فقد تضمنت عملية انتحارية راح ضحيتها
10 وجرح المئات بالقرب من مدينة الموصل، بينما تم العثور على 10 جثث في بغداد.
بالإضافة إلى أن ثلاثة من عناصر الشرطة قتلوا في اشتباك نشب في الموصل، وحادث
انفجار سيارة الذي أودى بحياة شخصين وجرح ستة آخرين.
في بغداد يبدو أن أحداث العنف العلني قد اختفت ظاهرياً. فقد
تناقصت أعداد الانفجارات المدوية. ولكن المدينة تمزقت اليوم وتقطعت أوصالها بسبب
الأحقاد الطائفية والخوف، وبسبب الجدران الإسمنتية وحواجز الأسلاك الشائكة.
والمزاعم التي تدعي بأن القوات الأمريكية تشق الطريق اليوم نحو مجتمع مستقر تحمل
القليل من التطابق مع ما يحدث على أرض الواقع.
والولايات المتحدة متهمة اليوم بالتلاعب بالأرقام التي تدل على
عدد ضحايا العنف بحيث تناسب أقوالهم، وتجاهل البراهين التي تشير بوضوح على أن خطة
زيادة عدد الجنود لم تقدم سوى القليل لحمامات الدماء المستمرة.
إن حادثة مقتل عمر الحسيني في منطقة حورية في بغداد هي واحدة من
بين العديد من الأحداث التي لم تذكر ولا حتى بالأرقام ضمن الحسابات الأمريكية. فقد
قام قتلته المقنعين والمسلحين بجره بعيداً رغم دموع والدته وتوسلاته أبيه وكانت هذه
أخر مرة يرون فيه ابنهم حياً. وبعد ثلاثة أسابيع سمعوا بمقتله.
كان عمر يبلغ من العمر عشرون عاماً وهو من السنة، أما قتلته فهم
من الشيعة اللذين قاموا بجرائم تطهير عرقي في جميع أنحاء المدينة. ولكن الولايات
المتحدة وقوات الشرطة العراقية قالت لأبويه في حال كان الأمر يهمهما، أن حالات
الاختطاف والقتل تندرج ضمن جنايات الجرائم. وها يعني من الناحية الإحصائية أن
عملية القتل هذه غير مدرجة بالنسبة للولايات المتحدة ضمن أحداث القتل الطائفي التي
تمت يوم أمس.
ودائما تجد أسباب أحداث القتل اليومية، في حال تم تسجيلها
طبعاً، تفسيرات وتعليلات متضاربة.
يوم أمس وفي مدينة الصدر قام بعض المنكوبين بحمل نعش فتاة شابة.
وقال السكان المحليون بأنها قتلت مع ابنتيها عندما قامت قوات الحكومة العراقية
والقوات الأمريكية باجتياح منازلهم. ولكن الجيش الأمريكي أكد أنه تبادل القليل من
إطلاق النار خلال العملية، وركز على عدم وقوع ضحايا من المدنيين.
برزان، والد عمر الذي يبلغ من العمر 48 عاماً، قال أن مقتل ابنه
جاء اثر تصريح جيش المهدي بأن عليهم إخلاء منازلهم. وقال "كنا على وشك أن نغادر كي
لا يلحق بنا أي مشاكل. فنحن لدينا علاقات جيدة مع جيراننا الشيعة، ولكنهم لا
يستطيعون فعل أي شيء لمساعدتنا". وأضاف "لقد كان جيش المهدي يقول ايضاً بأن ولدي
الاثنين متورطان مع المتمردين. وهذا الكلام لم يكن صحيحاً، فليس لولديّ أي علاقة
بالسياسة. ولدي الثاني محمد لم يكن في المنزل عندما أتى القتلة، ولكن عمر كان
موجوداً لذا تمكنوا من أخذه بعيداً وقتله. والشرطة والأمريكيين قالوا بأنه (علي
بابا) أي سارق ولذلك قتل. ولكن الجميع يعرف لماذا قتل ابنين لأننا من السنة".
ومنذ ذلك الوقت هرب برزان مع عائلته إلى منطقة خضرة التي يقطن
فيها أحد أقربائه. ولم يتمكن برزان من الاستماع ومشاهدة خطاب بيترواس الذي تناقلته
الفضائيات وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي. فبعد أربعة أعوام على الحرب لم
يتجاوز تزويد الطاقة الكهربائية للمدينة مدة الساعة الواحدة في اليوم.
على مقربة من منزل برزان الجديد هناك الكثير من البيوت التي
تحمل علامات وإشارات على نوافذها وأبوابها وممتلكات لعائلات شيعية روعت وأجبرت على
الخروج من المنطقة. والجدران التي قام المتعهدون الأمريكيون ببنائها بسرعة لم يسبق
لها مثيل تصور هذا التقسيم الطائفي الذي تعيشه بغداد اليوم. والميليشيات تسيطر على
الأحياء الجديدة، وشبان مسلحين يحرسون نقاط التفتيش ويجمعون الضرائب ممن يعبرون
الطرقات ويطلقون أحكامهم المجزية على الضحايا اللذين لن يجعلوا عددهم يؤثر على فكرة
زيادة عدد القوات الأمريكية.
ويرى البعض أن زيادة عدد القوات بحد ذاتها أدت إلى ارتفاع وتيرة
التهديدات التي تشكلها الميليشات. حيث يقول رشيد كمال من الأميرية "لقد طرد
الأمريكيون الميليشا ولكن ذلك أدى فقط إلى توزعهم في مناطق أخرى. وهذا ما قاد إلى
حدوث شقاق طائفي في المناطق التي يتعايش فيها السنة والشيعة جنباً إلى جنب، فالناس
اللذين عاشوا لفترة طويلة من الزمن كجيران أرغموا على ترك منازلهم خلال بضع ساعات".
ومنذ قيام الولايات المتحدة بزيادة عدد القوات في العراق وأحداث
قتل الجنود تناقصت من 120 جندي في شهر أيار إلى 56 في شهر أب. ولكن هناك تضارب كبير
بين أعداد القتلى من المدنيين التي تسردها الولايات المتحدة وتلك الأعداد التي تشير
إليها التخمينات التي تقوم بها جماعات مستقلة. وكانت وكالة الأسوشيايتد برس قد
أصدرت إحصائية بأعداد القتلى المدنيين في العراق في شهر أب وحده 1.809 وهو أعلى رقم
في هذا العام.
ووفقاً للقانون العسكري الأمريكية تعتبر حوادث القتل التي تتلقى
فيها الضحية رصاصات من الخلف "قتلاً طائفياً" ولكن القتل من الأمام يعتبر جريمة
فحسب. وحتى وفقاً لهذا المقياس العشوائي لا يمكن معرفة التصنيف التي تندرج تحته هذه
الميتات. وقد أشار الكثير من المحاضرين في هذا الخضم إلى أنه في الكثير من الأحيان
تكون الضحية قد تلقت العدد من الرصاصات في جسدها.
وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وقبل بضع ساعات من
ظهور الجنرال بيتراوس في واشنطن، قد قدم تقييمه لخطة زيادة عدد الجنود وقال "إن
العامل الرئيسي عملية إعادة الأعمار والتطوير الاقتصادي وتحسين ظروف العيش للشعب هو
الأمن". وأضاف بأن العنف تناقص في بغداد بنسبة 75%. ولكنه على كل حال فشل في تقديم
أية أرقام تدعم كلامه.
بقلم
:كيم سينغوبتا- الاندبندنت
ترجمة
هدى شبطا - سيريانيوز