إن الاتهامات السورية الموجهة لإسرائيل حول قيام طائرات هذه الأخيرة باختراق أجواءها وسط ظلام الليل وبالقرب من الحدود التركية، وقيام أنظمة الدفاع السورية بالتصدي لتلك الطائرات يثير إشارات استفهام كثيرة على أرض الواقع. وعلاوة على ذلك يأتي الصمت الإسرائيلي ليلف الحدث بأكمله بالغموض.   

ما الذي حدث فعلاً يوم الخميس؟ من هو الطرف الأخر المشارك في هذه العملية؟ الإرهاب الدولي؟ روسيا؟ إيران؟ كوريا الشمالية؟ أمريكا؟ تركيا؟ أم من؟ سوريا لم تقدم سوى بعض التفاصيل، ناهيك عن إسرائيل التي لم تنبس ببنت شفة. 

في الماضي كانت إسرائيل تخترق الأجواء السورية، وفي إحدى المرات حلقت طائراتها فوق المكان الخاص لإقامة الرئيس السوري بشار الأسد. فهل امتلك السوريون أخيراً وسائل للرد على هذه التصرفات؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا فشلوا في إسقاط تلك الطائرات؟ 

السيد فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري هددّ "بسلسلة من الردود" يوم السبت، ولكن هل ملأ هذا الحدث الجيش السوري بالثقة الكاملة بأنه أصبح في النهاية مستعداً لخوض حرب مع إسرائيل؟

ولكن إذا كان القادة السوريين يقصدون بالرد فقط إثارة سخط ونقمة العالم على العدوان الإسرائيلي، فلماذا لم يطالبوا بانعقاد جلسة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة؟ هل لهذا علاقة بقلق موسكو، حليف سوريا، من أن يثير مثل هذا الطلب تساؤلات حول اختراقات الطائرات الروسية التي لأجواء جورجيا؟ 

ولكن هل كانت روسيا نفسها مشتركة في ما حدث يوم الخميس؟

منذ زمن بعيد وإسرائيل تتهم موسكو بتزويد سوريا بتقنيات الصواريخ ومضادات الطائرات التي تم تسريب بعض منها لحزب الله وقام هذا الأخير باستخدامها في حربه الأخيرة مع إسرائيل. وفي الأسبوع الماضي صرحت إسرائيل بأن موسكو قامت في بداية هذا الصيف بتسريب معلومات زائفة لدمشق حول تحضيرات إسرائيلية للحرب. كما ذكر أن روسيا تقوم بتأسيس ميناء أسطول شرق أوسطي لها في الشمال السوري، المكان الذي حدثت فيه عملية الاختراق الإسرائيلي الأسبوع الماضي.    

فهل قامت إسرائيل بالتحليق فوق قاعدة البحرية الروسية المزعومة في الشمال السوري لإلقاء نظرة سريعة عليها؟ وهل شاركت وسائل الدفاع الجوي الروسية الصنع أو حتى الجنود الروس المنتشرين هناك في إطلاق النار على الطائرات المخترقة؟    

السفير الأمريكي الأسبق في الأمم المتحدة جون بولتون كتب منذ عشرة أيام في افتتاحية صحيفة وول ستريت مقالاً أعاد فيه تدوير المقالات الإسرائيلية حيث قال "نحن نعلم بأن كلاً من سوريا وإيران تتعاونان منذ زمن طويل مع كوريا الشمالية في أنظمة الصواريخ البالستية، وأن أفاق التعاون بينهما بشأن الأسلحة النووية ليست بعيدة الاحتمال.

فهل تشير الغارة الإسرائيلية الأخيرة أي معلومات جديدة عن كوريا الشمالية؟

أم أن إسرائيل استهدفت قاعدة إرهاب سورية؟

ولكن هناك وجه أخر للمسالة أيضاً وهو إيران،حليفة سوريا، التي يشك بأن إسرائيل تحيك خطط منذ وقت بعيد لتدمير منشأتها النووية. فهل كانت الطائرات الاسرائيلية تستكشف خطاً يصل الى ايران؟

ولكن التصريحات التي صدرت عن القادة السوريين استهدفت الرئيس الأمريكي بوش وإدارته بنفس القدر الذي استهدفت فيه إسرائيل، فهل فعلاً الإدارة الأمريكية متورطة بشكل أو بأخر؟

"ربما تنكشف القصة الحقيقة قريباً" على حد قول أحد الأصدقاء الإسرائيليين المقربين من رئيس الوزراء ايهود أولمرت. كما أن أحد المسؤولين الإسرائيليين المرموقين قال لي يوم أمس "إلى الآن كل من اشترك في العملية سواء أكانت سوريا، إسرائيل، وأي طرف أخر لهم هدف من إبقاء الأمر مستتراً. وجميعهم لهم أسبابهم لإخفائه".

بعيداً عن التذمرات الأولية والتهديدات الغامضة بردود غير محددة نوعاً ما، أشار صديقي إلى أن دمشق لم تقدم أية تفاصيل تتعلق بالحادثة. وأنها لم تعرض على الملأ الذخيرة التي قالت بأن الطائرات أسقطتها فوق أراضيها. ولم تفد بمعلومات رادارية أو صور للأقمار الصناعية.

واولمرت وبدلاً من الرد على ما قيل أخذ يلهو بالصحافة الإسرائيلية حيث اكتفى بأن قال للصحفيين "لا أدرى عن ماذا تتحدثون" وبعد ذلك ذهب لتحية القادة العسكريين والابتسامة تعلو وجهه. ولم يكن هناك أي تسريبات للصحافة من المصادر العسكرية أو من الاستخبارات العسكرية، أو حتى من قادة سياسيين.

أحد المصادر قال لي بأن سوريا لن ترد عسكرياً ، وقال بكل ثقة إنه من الغير المرجح أن تتمكن سوريا من إصلاح صورتها في الغرب أو واشنطن. ولكنه رفض في الوقت نفسه أن يشرح لي ماذا كان "هذا".

بقلم : بيني أفني - نيويورك صن

ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز