في الوقت الذي يتجادل فيه الأمريكيون حول قضية انسحاب الجنود
وإعادتهم إلى وطنهم أمريكا، انتهى البريطانيون من هذه المسألة وأخذوا بتبني هذه
الخطوة.
منذ أربعة أعوام كان عدد القوات البريطانية في جنوب العراق نحو
30.000 مقاتل، ولكن مع نهاية الصيف الحالي سيكون عددهم نحو 5000 مقاتل. ولن يكون
أياً منهم متمركزاً في المدن الرئيسية. بل سيتمركزون ضمن قواعد جوية خارج مدينة
البصرة.
وبدلاً من تهدئة وإخماد الحرب الأهلية المشتعلة في العراق،
ستكون مهمتهم الرئيسية تدريب العراقيين على تحمل المسؤوليات الأمنية، وستبقى عمليات
مكافحة المتمردين محدودة جداً.
إن هذا السيناريو يشبه إلى حد بعيد السيناريو الذي يؤيده
الأمريكيون اليوم بالنسبة للقوات الأمريكية في العراق: تخفيض عدد القوات- ونشرها في
المناطق النائية وليس المدن الرئيسية. ولكن مع الحفاظ على تواجد تلك القوات لعدة
سنوات قادمة. يا له من سيناريو مغري! حصاد المصداقية السياسية داخلياً بشأن
الانسحاب ولكن دون الاعتراف بأن البعثة فشلت.
إذا كان ثمة شخص خارج البيت الأبيض يعتقد حقاً بأن هذا الحل
سيكون ناجعاً_ أي أن الولايات المتحدة يمكنها وبسهولة البقاء في العراق مع إنقاص
عدد الجنود، مع تجاهل الحرب الأهلية والتوقع بأن القوات العراقية قادرة على تحمل
المسؤولية وفرض الأوامر- فإن التجربة البريطانية تظهر العكس. ببساطة ليس هناك قوات
عراقية نزيهة ويمكن الاعتماد عليها جاهزة لحماية المدينة وإرساء الأمن، وليس هناك
ما يشير إلى أن مثل هذه القوات ستكون قادرة على ذلك في المستقبل القريب. والمتمردون
لن يكفوا عن شن اعتداءاتهم على الأمريكيين لمجرد أن الأمريكيين أعلنوا أنهم أصبحوا
خارج دائرة المعركة.
في البصرة، وبعد أربعة أعوام من السيطرة البريطانية، تسربت
عناصر الشرطة على يد ميليشيات طائفية.
إن أفول بريطانيا يعني التنازل عن مساحات واسعة لعصابات
المجرمين والميليشيات المتنافسة. وبالتالي ستكون خطوة الانسحاب البريطاني قبيحة
جداً، ما لم تترافق بوجود قوات عراقية قادرة على ملء الفراغ.
إن القوات البريطانية المتبقية المختبئة في المدينة في قصر
البصرة تتعرض للقصف من جميع الجهات، وأولئك المتمركزين في القواعد الجوية يتعرضون
دوماً لنيران القنابل.
ويجب أن نشير إلى أن الوضع في البصرة أسهل منه في بغداد.
فالتعداد السكاني فيها تغلب عليه الطائفة الشيعية وليس من وجود للقاعدة أو لجماعات
السنة المتمردين فيها.
إن الدرس الواضح المستفاد من التجربة البريطانية هو أن الانسحاب
الجزئي ليس بالخيار الواقعي.
لا يمكن للولايات المتحدة التنصل من الجبهة الإرهابية العالمية
التي خلقتها في العراق. كما يتوجب عليها الحفاظ على عدد كاف من القوات ومن المراحل
في المنطقة كي تتمكن من تسديد ضربات قاصمة للعناصر الإرهابية أو عناصر القاعدة.
ولكن يجب أن لا يكون هناك أي أوهام حول محاولة متابعة الحرب في
العراق بوجود عدد أقل من الجنود. ومن الحماقة أن نتوقع من مجموعة صغيرة من
المقاتلين الأمريكيين أن تنجز خلال فترة قصيرة ما لم تتمكن من انجازه مجموعة كبرى
خلال فترة أطول. وهذا بالضبط ما يحاول البريطانيون القيام به، ولكن من الواضح جداً
أن العواقب ستكون وخيمة.
افتتاحية نيويورك تايمز
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز