ما مدى نفوذ الاتحاد الاوربي على سوريا؟ وهل الزيارات المستمرة
لوزراء الخارجية الأوروبيين , والتي كان اخرهم وزير الخارجية الفرنسي كوشنر الاسبوع
الماضي , تلعب دوراً بتوطيد علاقات جيدة وحوارات ناجحة ام انها مجرد بروتوكولات
دبلوماسية؟
لا بد أنه من المجدي أن نتمعن في التكاليف والفوائد المجنية من
جراء تطوير سياسة صحيحة مع سوريا مع افتراض فقدان مقارب الاتحاد الاوربي تجاه سوريا
لإقامة علاقات قوية وشاملة.
بلغت المساعدات الاجمالية للاتحاد الاوربي التي وزعها لسوريا
عام 2004 نحو 55 مليون يورو. وقد كانت مكرسة بشكل أساسي من اجل الدعم الفني وتشييد
المؤسسات ونشر الديمقراطية. وفي نفس العام , وبعد ثماني سنوات من المفاوضات , وضع
الاتحاد الأوربي وسوريا الصيغة النهائية لاتفاق الشراكة بينهما.
ولكن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا في ايار
2004 أثرت على رغبة أعضاء دول الاتحاد في التوقيع على تلك المعاهدة.
كما عرقل إصرار المملكة المتحدة والمانيا وهولندة على تضمين بند
اضافي يخص الاسلحة الكيماوية على كامل العملية. وبالتالي تم إلغاء الاتفاق واستمرت
العلاقات الاقتصادية حسب اتفاق التعاون لعام 1977.
وبالرغم من كون سوريا شريك في عملية برشلونة الا ان ذلك لا يزن
شيئاً أمام وسائل الدول المجاورة للاتحاد الاوربي.
تراجع قوة العلاقات
رغم أن الاتحاد الأوربي بقي الشريك التجاري الأول لسوريا , الا
ان العلاقات تراجعت كثيراً اثر الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة. ولكن سوريا كانت
بعيدة كل البعد عن السلبية فقد نوعت بعلاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول ثالثة.
واليوم تحظى انقرة والتي تعتبر الشريك التجاري الثاني لدمشق بامتياز لافتتاح منطقة
تجارة حرة مع بداية عام 2007.
وفي السنوات القادمة يمكن أن تصبح تركيا شريك سوريا التجاري
الأكبر : ففي السنوات العشر الاخيرة تزايدت صادراتها لسوريا تقريبا من 270 مليون
دولار اميركي عام 1997 الى اكثر من 600 مليون دولار اميركي عام 2006 . بالاضافة الى
ذلك اصبحت تركيا حليفاً سياسياً وعسكرياً لسوريا حيث تم توقيع اتفاقية عسكرية
بينهما عام 2004 بهدف درء الخطر الكامن والذي يمكن قد يندلع من المناطق الكردية
العراقية.
ولا يمكننا إنكار أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على
العراق كانت حافزاً لإقامة علاقات ودية بين سوريا وتركيا .حيث رفضت أنقرة منح
القوات الاميركية اذن عبور لقواعدها العسكرية خلال الحرب على العراق .
ومن الجدير بالذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والاتحاد
الاوربي تدهورت منذ حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط 2005
واتهام دمشق لاحقاً بأنها العقل المدبر لذلك الهجوم.
ورغم انسحاب القوات السورية من لبنان في نيسان 2005 اثر اغتيال
سياسي كبير مثل الحريري ومعارضة قوى 14 آذار لوجود اي ارتباط لسوريا في الحياة
السياسية في لبنان. إلا أن الإشارة إلى تورط سياسيين معارضين لسوريا بجريمة
الاغتيال لم تكن غائبة تماماً.
بعد مقاومة القوى المؤيدة لسوريا في الحكومة- حزب الله وامل-
لقرار مجلس الامن 1595 الذي يهدف لاقامة محكمة دولية لدراسة الظروف التي أحاطت
بعملية الاغتيال, كان التحرك السياسي الأول الذي يعتبره الاتحاد الاوربي ايجابياً
هو قبول سوريا بوضع قوى تعزيز اليونيفيل 2 على حدودها مع لبنان بعد حرب صيف 2006
بين اسرائيل وحزب الله.
ورغم أن وزراء الخارجية الأوروبيين زاروا لبنان وعقدوا اجتماعات
مع سياسيين مرموقين ضمن إطار من الجهود الحثيثة لإعادة الحوار السياسي مع اسرائيل
فيما يخص وضع مرتفعات الجولان ومزارع شبعا اضافة لمحاولات للتغلب على رفض سوريا
اقامة هذه المحكمة .ولكن دون اي جدوى.
منفذ تجاري هام
من خلال تبنيه لسلوك عشوائي وغير منسق قام الاتحاد الاوربي
بتقليص نفوذه بشكل عام . وكاعتراف بتبني هذه المجارفة وافقت عواصم الاتحاد الأوربي
وبشكل غير رسمي على ان يمثلها مبعوث الاتحاد الاوربي لدى الشرق الاوسط خافير سولانا
في التعامل مع دمشق . في الواقع لم يتم تجسيد كل ذلك واستمر وزرا ء الخارجية
الاجانب بزيارة دمشق دون عرض لرؤية استراتيجية بعيدة المدى للاتحاد الاوربي ولا
حتى قاموا باستخدام اسلوب الترهيب والترغيب.
كانت نتائج الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة صعبة التحقيق :
فقد قامت سوريا بتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول ثالثة, فحدت بذلك من
نفوذ الاتحاد الاوربي الموجود. ومن جهة أخرى تسببت تلك العقوبات بإحداث انقسام
داخل الاتحاد بوجود اعضاء يخشون استبعاد المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط . وكان
لذلك نقاط سلبية منها التأجيل غير المحدد لوضع رؤية شاملة للمنطقة من قبل الاتحاد
الاوربي .
وبالنتيجة فان نتائج تصور مقارب مشترك لدور سوريا الهام في
المنطقة سوف يثير غضب واشنطن وإسرائيل في الوقت الذي يناضل الاتحاد الأوربي لتحسين
العلاقات معهما.
ومن جهة اخرى فان التحول من مقارب الانتظار والمراقبة إلى مقارب
فعال سيتمخض عن تحقيق منافع هامة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
فعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر سوريا منفذاً تجارياً هاماً
للتجارة الأوربية في العالم العربي . وعلى الصعيد السياسي فان التوصل لإبرام معاهدة
التجارة مع سوريا سيبقى الوسيلة الوحيدة للاتحاد الاوربي التي تمكنه من تحقيق أمله
والسيطرة على القوى الديمقراطية محركات الحداثة داخل البلد وذلك من خلال وضع مقاييس
واضحة مرتبطة بمزيد من الانخراط الاقتصادي.
بقلم : روث سانتيني - يوروب أوبزيرفير
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز