يبدو أن هذا التحول باتجاه اقتصاد السوق قد قلب الحياة في سوريا فالمتاجر الفاخرة ذات الواجهات المبهرة أخذت تملأ الشوارع التي تتمشى فيها الفتيات عاريات الخصر. ويرى المحللون أن هذا التحول وسع الفجوة ما بين طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء في المجتمع السوري.

في عام 2005 أخذت سوريا على عاتقها تنفيذ عملية التحرر الاقتصادي من خلال نظام اقتصاد السوق الذي يهدف إلى جذب الاستثمارات وإعادة إطلاق النمو وخلق فرص العمل.

وبعد مرور عامين كانت التغييرات ملموسة بدءً بالأزياء الحديثة ووصولاً إلى السيارات الفارهة، الحواسب، والصحون اللاقطة – ولكن المستهلك السوري لم يرى في ذلك خيراً أو تحرراً.

في منطقة أبو رمانة الراقية في دمشق يتهافت الشبان والشابات ببناطيلهم المتدلية الخصر وقمصانهم الضيقة التي تقلصت لتغطي الصدر فقط من أجسادهم حسب الموضة الرائجة اليوم، يتهافتون على محل الألبسة الجذّاب المتمركز فوق إحدى المقاهي المكشوفة.

يقول سالم سيف المختص في تنسيق الألبسة الجاهزة " لقد خلق تحرير اقتصاد السوق ثورة حقيقية في مجال الألبسة. ورغم أن مستويات المعيشة ما تزال ليست بالمستوى المطلوب، وماركات الألبسة الشهيرة ما تزال في أيدي الأغنياء، إلا أن ماركة "صنع في سوريا" تنتج الكثير من الألبسة الأنيقة (على الموضة) وبأسعار مقبولة.

والسيارات القديمة التي تعود للستينات والسبعينات منم القرن الماضي والتي تم رغم تلميعها وتحديثها على أيدي الصناع المهرة، أزاحت الطريق للموديلات الحديثة الفاخرة خاصة الألمانية منها.

أما بالنسبة لثورة تقنيات المعلومات فهي في أشدها خاصة مع الانتشار الكبير للصحون اللاقطة ومقاهي الانترنت، مع انه منذ عشرة سنوات فقط كانت الاتصالات مراقبة بشدة من قبل إحدى الجهات المسؤولة.

ويستذكر مازن الذي يعمل في توزيع الهواتف الجوالة قائلاً "منذ 12 عاماً فقط كانت الاتصالات مجرد وعود واهية. وجميع الاتصالات التي كانت متوفرة كالهواتف كانت تحت مراقبة قوية".

وكان من يمتلك فاكساً يتعرض لعقوبة سجن، ناهيك عن الانترنت الذي لم يكن موجوداً أبداً ومحطات التلفزيون التي كانت محصورة باثنتين من القنوات المملة".

اليوم ووفقاً للإحصائيات الرسمية هناك 65% من المنازل السورية لديها صحن لاقط مقارنة مع 18% فقط في عام 2000.

وبالنسبة للانترنت هناك نحو 1.1 مليون سوري من أصل 19 مليون يستخدمون الانترنت وفقاً لإحصائيات مؤسسة الاتصالات السورية. وفي نهاية عام 2006 بلغت اشتراكات الهاتف الخلوي 4.2 مليون مشترك سوري.

على الصعيد الرسمي تقوم سوريا بانتباه شديد بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المبنية على أساس انسحاب الدولة تدريجياً لصالح القطاع الخاص دون تجاهل التوازن الاجتماعي.

ولكن المحللون يتساءلون عن النتائج "العكسية على المجتمع" لهذا التحول ويرون ظهوراً قوياً للامساواة.

قال ياسين حاج صالح الكاتب في صحيفة الحياة في مقال نشر له مؤخراً "إن القوى الاقتصادية تسير باتجاه الطبقة المتنفذة ".

وأضاف " إن هذه الطبقة السياسية التجارية تشكلت من تحالف جديد بين السلطة ورؤوس الأموال" وهو يتساءل عن تأثيرها على "الشرائح الاجتماعية".

وشرح حاج صالح قائلاً "لقد انعكست تأثير هذا التحرر على الواقع الاجتماعي سلباً حيث ازداد سوء الخدمات الرئيسية مثل الصحة، التعليم، والنقل، في حين أن خدمات القطاع الخاص غالية جداً ومحجوزة لطبقة الأغنياء فقط ".

وهو يرى في "تنامي الأحياء الفقيرة حول المدن الرئيسية" دليلاً على هذا التطور الثنائي المسار، وذلك نتيجة الهجرة من الريف إلى المدينة التي تزامنت مع بروز "ضواح فاخرة تضم فلل ضخمة ومراكز ترفيه راقية".

وذكرت صحيفة بورصات وأسواق الأسبوعية الخاصة "إن الفساد، نقص الأرباح، وسوء الإدارة حوّل القطاع العام إلى مزرعة منهوبة ". وتقدر الصحيفة خسائر هذا القطاع بنحو 1.7 مليار دولار.

وأشارت الصحيفة أن "هناك تجنباً للخصخصة اليوم" وأضافت بأن "800.000 موظف تقريباً في القطاع العام غير مسجلين ضمن النقابات مقارنة مع 1.5 مليون خلال السنوات العشر الماضية، كما أن هناك 3.5 مليون عامل في القطاع الخاص مهملين تماماً من هذه الناحية".

وفي النهاية أدانت الصحيفة "قانون العمل الجديد الذي ألغى الأرباح الاجتماعية التي كان يحصل عليها العمال منذ عام 1959".

وكالة الأنباء الفرنسية

ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز