لفتني التحقيق الخاص ب"المساكنة" في سوريا واستوقفني كثيراً وشرعت أسأل نفسي إلى أين سيصل بنا المطاف وسط حمى التقليد العشوائي الذي أوشك أن يخرج عن السيطرة؟؟ ... لا أريد أن أبدأ كلامي بحديث الأديان والاقتباس منها ولا ما يقبله المجتمع أو يرفضه

بل أود أن أتوجه لهؤلاء الشباب والشابات الذين بدأوا بتنفيذ فكرة المساكنة وأسألهم: لماذا؟؟

أولاُ أود أن أبدأ بتعريف المساكنة ... أوليست المساكنة مشاطرة شاب وفتاة حياتهما تحت سقف واحد؟؟ إذن فما الفرق بينها وبين الزواج؟؟ الفرق يكمن في العقد الرسمي فقط ... فالمساكنة تعني أيضاً أن يعيش شخصان في مكان واحد ويتقاسمان حياتهما العاطفية والمادية على حد سواء ... هذه الحياة المادية التي يهرب منها الشباب ويعاني منها؟؟ فكيف تقبلون بالمساكنة ولا تقبلون بالزواج؟؟ وكيف ستواجهون هذه الضغوطات المادية التي تدعون أنها السبب في ذلك؟؟؟ هل ستلجؤن إلى العمل إلى جانب دراستكم؟؟ أم أنكم سوف تلجأون إلى أهلكم طلباً للمساعدة؟؟ وماذا سيكون مصير هذه الفتاة التي ترى في المساكنة حلاً لمشاكلها عندما يحين موعد التحاق "شريكها في المساكنة" بالخدمة الإلزامية؟؟ هل ستعود إلى منزل أهلها أم ستبقى في منزل المساكنة؟؟ وهل ستكون وحدها أم مع طفلها أو أطفالها؟؟ ومن سينفق عليها وعليهم؟؟ ومن يضمن لهذه الفتاة عودة شريكها لها عند انتهائه من خدمته الإلزامية؟؟

أما ماورد عن حديث الرغبة التي تودون إشباعها فهل أنتن مستعدات أيتها الشابات للتضحية بأنفسكن لقاء رغبة عابرة؟؟؟ هل أنتن مستعدات لأن تهدمن حياتكن بأكملها مع فرص قد تكون جيدة أو ممتازة أو لربما سيئة؟؟ من يدري ما سيخبئه له القدر؟؟ لا أحد ... فعلم ذلك عند ربي ...

أنا معكم أن الحياة صعبة وأن أمور الزواج تتطلب الكثير من المال من مهر وهدايا ومسكن وأثاث وحفلة زفاف ... حتى أن بعض لفتيات يشترطن وجود السيارة أيضاً ... وغالبية الفتيات وحتى الشبان لا يريدون أن يبدأوا حياتهم بتواضع بل يريدون كل شيئ "على الجاهز".  ولكن أليس تفكيركم هذا سابق لأوانه ... فأنتم لا تزالون في مرحلة الدراسة ولا تعلمون ما يخبئه لكم المستقبل ... فلم لا تفكرون قبل المساكنة بالمهنة أو الوظيفة التي سوف تبدأون بها حياتكم؟؟ لم الاستعجال؟؟؟ قد تقولون أين الفرص؟؟ فأقول هل بحثتم جيداً وهل خططتم لما تريدون القيام به مستقبلاً؟؟ وماذا تفعلون خلال الصيف؟؟ لماذا لا تقومون بعمل مفيد يدر عليكم بعض المال؟؟ أم أنكم تأخذون الحياة يوماً بيوم وساعة بساعة؟؟؟ أوليس الأجدر بكم أن تتسلحوا بهذا العقد الرسمي الذي يحمي كلا الطرفين: الشاب والفتاة على حد سواء؟؟

لا يا إخوتي ... ليست المشاكل المادية هي التي تدفعكم إلى المساكنة ... بل هو التقليد الأعمى لما ترونه على شاشات الفضائيات وما تظنون أنه حرية شخصية لا يملك أحد أن يتحكم فيها ولا حتى آبائكم وأمهاتكم ... وعلى ذكر العائلة أتمنى لو يجري استطلاع لرأي عائلات هؤلاء الشبان والشابات وجيرانهم وأصدقائهم ... ترى هل يوافق هؤلاء الشباب على ذلك؟؟ وإن وافقوا فهل تراهم يقدّرون الخطر الذي يحدق بهم وبمن حولهم من جراء تفكيرهم هذا؟  أولا يعلمون أن الحرية الشخصية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين أم أنهم يريدون أن يحللوا لأنفسهم ما يحرموه على غيرهم؟؟

انتبهوا أيها الشباب فأنتم على مفترق طريق خطير جداً وأخشى ما أخشاه أن تنتبهوا للهاوية التي تنزلقون فيها بعد  فوات الأوان وتندمون ولات حين مندم ... إنكم بفعلكم هذا كالمستجير من الرمضاء بالنار ... فأنتم تريدون حل مشكلة فتقعون في مصيبة لا تدرون ما حجمها ولا إلى إين ستودي بكم...

وكل هذا يدعوني للتساؤل ... ترى ما الذي أوصلنا إلى هذا الأمر؟؟ لا شك أن وسائل الإعلام والفضائيات التي تنشر الأفلام بغير رقابة وتختار لشبابنا ما لا يناسبنا ولا يناسب عاداتنا ولا تقاليدنا ولا دياناتنا ... إلا أن هذا أيضاً يدفعني لأن أسأل عن دور الأهل في توعية أبنائهم ودور المدارس ودور رجال الدين سواء كانوا من المسلمين أم من المسيحيين .... فماذا ترانا فاعلين كي نحد من هذه الظاهرة ونستدرك الخطر الرهيب الذي يحدق بأبنائنا وبناتنا ....

الحلول كثيرة ومتوفرة ولكن من لها ؟؟؟

من هذه الحلول مراقبة الأهل لأبنائهم لما يشاهدونه على شاشات التلفاز ... قد يكون هذا الحل لمن هم أصغر سناً من شبابنا المعنين بهذا التحقيق ... الحل الآخر أن نشغل وقتهم بعمل مفيد ... في الغرب يطلب من جميع الطلاب وفي أغلب مراحل دراستهم أن يقوموا بأعمال خدمية تطوعية خلال فصل الصيف تحسب لهم من ضمن أعمالهم السنوية الدراسية؟؟ فلماذا لا نطبق هذا الكلام عندنا؟؟؟ لماذا لا نقلد الغرب إلا في انحطاطه ولا نقلده في تقدمه وعلمه؟؟

وأين هو دور وزارة الإعلام في الرقابة والتشفير وأين دور رجال الدين في التوعية والحث على الفضيلة وأين هو دور الأهل الفعال في التواصل مع أبنائهم وتوعيتهم وتوجيههم؟؟؟ وأين أنت أيتها الأم حصراً التي من المفروض أن تتواجد بشكل دائم مع أبنهائها؟؟ وأين هو دور رجال الأعمال في توفير فرص العمل وتشجيع الشباب على العمل في الصيف كل حسب دراسته وميوله وهوايته؟؟؟ أين منا اكتشاف المواهب وتوجيهها في إطارها السليم؟؟؟ أليست هذه بعض الاقتراحات التي يمكن أن تجعل الشباب يملؤن فراغهم بأمور مفيدة وتكسبهم المال وتبعدهم في الوقت نفسه عن الرذيلة؟؟؟ ألا تستحق حياة أبنائنا أن نفكر ونعمل ونقلق راحتنا من أجلهم؟؟؟ بلى والله إنهم ليستحقون أكثر من ذلك ...

كلمة أخيرة أوجهها لكم أيها الشباب والشابات ... بالله حافظوا على أنفسكم وخاصة أنتن أيتها الفتيات ... صرخة من القلب أوجهها لكم ... والكيّس من اتعظ بغيره ... وكثيراً ما نسمع عن حالات انهيار الفتيات وانتحارهن لتسرعهن في الإقدام على ما تقدمن عليه الآن ...

فالله الله في شبابنا يا أهلنا ويا مسؤولينا ويا رجال ديننا وأعمالنا ... فهو وحده يعلم ماذا ستكون النتيجة إذا ما تساهلنا في احتواء هذه الظاهرة ... هل تريدون أبناءاً لا يعرفون آباءهم؟؟ هل تريدون شباباً منهاراً؟؟ هل تريدون عائلات مفككة؟؟ هل تريدون المزيد من جرائم الشرف؟؟؟ وكيف سيكون الجيل الثاني من أبنائنا وما الذي سوف يتعلمه من أم وأب لجآ إلى المساكنة ولم يقدما على الزواج بسبب "الضغوط المادية"؟؟

أرجوكم يا إخواني أن تفكروا ملياً قبل إقدامكم على هذه الخطوة المدمرة لكم ولمجتمعكم ولأهلكم ... اللهم هل بلغت ... اللهم فاشهد.

مها عبد الوهاب حرزالله - دمشق

من مساهمات القراء

المواضيع المتعلقة

للإنتباه المساكنة.. بداية قصة جديدة في المجتمع السوري

المساكنة بين أوربا و الشرق