syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
اقتناص.. الحرية
كرت أصفر

حررت سورية أسعار الخدمات وازدادت تكلفة الجلوس على المقاهي.. فكيف انعكس هذا على الشباب؟

الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلاً، والشباب ما زالوا يتدفقون على مقهى «طلياني» وسط شارع بغداد، أحد أهم الشوارع الرئيسية وسط دمشق. تتراوح أعمار الشبان من الجنسين بين الـ 15 ـ 18 عاما.


يغلب عدد الذكور على عدد الإناث بشكل لافت؛ السبب لا يخفى، فهناك مباراة لكرة القدم، وهو ما دفع الشباب «الذكور» إلى هذا المكان تحديداً، لاحتوائه على شاشات تلفزيون ضخمة تغطي أرجاء المحل.

عمران, 17عاما, ليس من مرتادي هذا المقهى، لكنه اضطر أن يأتي إليه ليشاهد المباراة، واخبرنا بأسف أنه اضطر إلى دفع أكثر من 200 ليرة سورية (4 دولارات) ثمن فنجان شاي، وهو مبلغ كبير قياساَ إلى مصروف طالب ثانوي من عائلة متوسطة الدخل، مع أن عمران ورفاقه من الزبائن الدائمين على مقاهي «القصاع» و«باب توما»، المعروفة كأماكن شبابية، لكنهم ولا ريب تأثروا من تحرير اسعار المطاعم مؤخراً، وذلك بعدما تأثروا من تحرير الاسعار عموما في سورية، في اطار محاولات فتح الاسواق وتحرير التجارة.

فكيف اثر تحرير الاسعار على الشباب السوري، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا؟ بعد تحرير اسعار المطاعم في سورية في الآونة الاخيرة، ازدادت تكلفة الجلوس في المقاهي، لكن وعلى الرغم من هذا، يُستغرب الإقبال الكبير على المطاعم والمقاهي والديسكوتيك، التي بدورها تزايدت في دمشق وريفها، بما يشبه الطفرة العجيبة، حتى لتزيد عن 1300 محل، منها حوالي 900 في دمشق وحدها، تتوزع بين 270 مطعماً شعبياً و350 مطعما للوجبات السريعة، والباقي يتراوح تصنيفها بين 3 و5 نجوم، كتلك التي راحت تجتاح منطقة «الصبورة»، ضمن ظاهرة انتشار المطاعم ذات الطابع العائلي المحافظ بكثافة غير مسبوقة. فيما يفضل أكثر الشباب ومعهم محبو دمشق القديمة من السياح مطاعم «مدحت باشا» و«القيمرية» و«باب توما» المتوالدة كالفطر في السنوات الأخيرة، حتى تجاوز عددها خمسين مطعماً ومقهى، افتُتحت في بيوت دمشقية ذات تاريخ معروف وتحمل أسماء عائلات مشهورة، تم ترميمها وتجهيزها وفق أنماط شرقية (فوقاني وتحتاني، باحة واسعة، بحرة مياه ونوافير، ليوان، زخارف، أشجار وعرائش) مع لمسات غربية حديثة. هناك يجد الشباب ضالتهم في النقاش والجدل، السهر والغناء والرقص، والأسعار تتفاوت بين محلات تفرض كوبون دخول على الذكور فقط، وأخرى تفرضها على الجميع، وتتراوح بين الـ200 ـ 800 ليرة كحد وسطي.

ويلاحظ أن الازدحام لا يقتصر على المقاهي الرخيصة فقط، بل يشمل ايضا الأماكن الفخمة، حتى ليخيل أن البلاد خارجة للتو من «عزلة طويلة» إلى «حياة صاخبة»، من دون المرور بـ«مرحلة تأهيل». لكن حتى الان يبدو المجتمع السوري قادراً على اجتياز هذه المرحلة بسهولة وسلاسة، مبتكراً وسائله الخاصة في التعامل مع مختلف الظروف، والمنفتحة حالياً على المتغيرات، رغم عدم توفر الوسائل المادية التي «تجاري» هذا الانفتاح الاقتصادي، الذي يبقى مفاجئاً للكثيرين، بل وبعيداً عما تتداوله غالبية النخب السياسية والثقافية من قضايا «التضييق السياسي» و«الضغوط الخارجية على سورية»، فالشارع الشبابي على العكس لا يبدو مهتماً كثيراً بما تنقله نشرات الأخبار، بل تواق إلى تجديد نمط حياته ضمن الإمكانيات المتاحة، وتدبر أموره بشكل يساعده على التأقلم، ومناقشة قضاياه الخاصة. لكن هذا الاكتظاظ، الذي يمكن مشاهدته سواء كان في الأماكن الشعبية أو الباذخة، عموده الفقري هم الشباب؛ وهم شريحة تعاني من ارتفاع في معدل البطالة، اذ تتجاوز نسبة البطالة بينهم 24% من قوة العمل. سامي (16 عاما) طالب الثانوي، وهو من أسرة أقل من متوسطة الحال، يوضح كيف كان يتغلب سابقا على محدودية دخله، فالمصروف الذي يأخذه من والده في الأسبوع لا يتجاوز الـ300 ليرة، تغطي تكاليف دخول المقهى القريب من بيته في «القصاع» مرتين أسبوعيا، وبما أنه لم يكن على استعداد للتنازل عن هذه المتعة، فهو يشترك ورفاقه بتدخين نرجيلة واحدة، يدفع الواحد منهم حوالي عشرين ليرة تضاف إلى ثمن كأس شاي، فلا يتجاوز المبلغ المدفوع ستين ليرة، أما إذا رغبوا بتناول وجبة، فيحرصون على ألا يتجاوز الطلب 100 ليرة، ليبقى في «حيز الأمان». يتابع سامي، وبالطريقة التشاركية ذاتها «نستأجر سيارة لساعتين»، فيحققون أحلامهم بقيادة سيارة حديثة أسوة برفاقهم من أبناء الميسورين والمسؤولين. أما اليوم فيبدو أن الأمر لن يتيسر لسامي على المنوال ذاته، وعليه أن يواجه الحرمان من متعة باتت فوق طاقته، ما لم يزيد والده مقدار مصروفه الأسبوعي، إذ أن 300 (6 دولارات) لم تعد كافية بعد ارتفاع الأسعار.

من جانبه يقول مروان، وهو رب أسرة صغيرة وصاحب سوبر ماركت، إن دمشق تتميز بتنوع مستوى الخدمات السياحية فيها من الرخيص إلى الباهظ جداً، وينوه بأن الطبقة الثرية السورية شهدت تنامياً وصل لنسبة 5% من جملة السكان، تتألف من الموظفين والتجار الكبار وأبنائهم، وتتركز غالبيتهم في دمشق وهم بتعدادهم، مهما كان قليلاً ـ أي بافتراض مائة ألف شخص كحد أدنى ـ كفيلة بتشغيل أماكن البذخ واستهلاك أغلى البضائع المجتاحة أسواق العاصمة.

وبصرف النظر عن الجانب الترفيهي، يبدو اقبال الشباب على المقاهي، أحد أشكال التعبير «غير المباشر» عن الحاجة للقاء والتجمع في بلد يمنع بموجب قانون الطوارئ (مطبق منذ 1963) ممارسة أي نشاط عام من دون الحصول على ترخيص من الجهات الرسمية. فالشباب السوري الذي اقصي عن المشاركة السياسة والنشاط العام بسبب القيود والقوانين المطبقة، وجد في المقاهي المنتشرة حوله الان «النافذة الوحيدة» لممارسة حق التجمع الحر، وتبادل الحديث والآراء بما يشبه «إعلان التمرد» على المجتمع والأسرة. واذا كانت بعض الممارسات لا تتجاوز «التظاهر» بالاستقلالية والتعبير عنها بـ«اقتناص بعض الحرية» في العلاقات الغرامية والتدخين والرقص في أماكن، غادرت الزوايا المعتمة لتحتل مقاهي الأرصفة والصالات المفتوحة على الشارع العام، فإن ذلك لا يلغي ان المقاهي وفرت فرصة للبعض لنقاش حقيقي حول بعض القضايا السياسية، وذلك لتعوض غياب الاحزاب السياسة وتنظيمات المجتمع المدني. ويلاحظ انه خلال السنوات الست الأخيرة، التي تنامت خلالها ظاهرة انتشار المقاهي الشبابية المفتوحة على نحو لافت مع بوادر الانفتاح الاقتصادي، حدث انتعاش في النشاط السياسي للمعارضة التي سعت لاطلاق مشاريع تحديث، غير انها بقيت بعيداً عن التأثير في غالبية الشباب، رغم المحاولات الحثيثة لتنشيط المجتمع، الأمر الذي يرده البعض لبقاء قانون الطوارئ على حاله، فيما يرده البعض الآخر إلى «تخلف» البرامج السياسية المطروحة، فهي معنية بمعالجة مشاكل الراهن من زاوية الماضي، متوسلة خطاب الماضي ذاته، وهذا ما يجعل ريم (23 عاما) تتحدث عن المعارضة بتهكم وتصفهم بـ«المتقاعدين القادمين من العصر الحجري»، يتحدثون عن أمور لا تفهمها ولا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد، فهم يتحدثون عن قانون الطوارئ، وهي لا تعرف ما هذا القانون، كما لا تعرف ما إذا كان يؤثر على حياتها سلباًَ. ما يشغلها حقيقة كيف تحصل على عمل يضمن لها استقلالها عن أسرتها، ويُمكِّنها من استئجار منزل أو شراء سيارة خلال فترة قريبة. بينما صبية أخرى، وهي ديما (25 عاما) تنتمي لأسرة مهمومة بالثقافة والسياسة تؤكد ضرورة وجود حياة حزبية، لكن ليست كتلك التي تفرضها السلطة، ولا كتلك التي تنادي بها المعارضة، فهي تحلم بحزب للشباب يحمل أفكاراً جديدة ولغة تعكس طموحاتهم، وبرامج تتيح لهم المشاركة في تطوير المجتمع، فهم بحسب رأيها لم يأخذوا فرصتهم لاستثمار إمكانياتهم وإبراز طاقاتهم، ولدى ديما أصدقاء مبدعون في الفن والأدب وعلوم الكومبيوتر «البرمجيات» لكنهم لا يملكون الوسائل التي تمكنهم من إظهار مواهبهم، واستغلالها لتحسين معيشتهم، فتبقى مهاراتهم مجرد هوايات يستعرضونها أمام بعضهم أثناء لقاءاتهم في الجامعة أو المقهى أو مواقع الانترنت. ربما لهذا يدعو بسام (26 عاما) السياسيين إلى الحضور الى المقاهي الشبابية والإصغاء الى أحاديثهم ليعرفوا ما يشغلهم، فكما هي أماكن للتسلية والاستعراضات البلاغية، هي أيضاً مطارح للنقاش الجاد، ومن المفترض أن يتم تشجيع الشباب على ارتيادها لا إصدار قرارات تحد منها. ما يقصده بسام بالحد منها هو قرار تحرير أسعار المطاعم، وبلا شك كان الشباب هم المتضرر الأول منه. وفي كل الحالات لا يمكن طبعاً اعتبار تنامي الإقبال على أماكن الترفيه والسهر، صحياً مئة بالمئة، فهو ليس نتيجة لتحسن دخل الفرد، رغم زيادة رواتب العاملين في الدولة خلال السنوات الخمس الأخيرة، فالفجوة ما تزال كبيرة بين معدل الاستهلاك اللازم للعيش بالحد العادي، وبين مستوى دخل لا يتجاوز متوسطه عشرة آلاف ليرة سورية (200 دولار) شهرياً. بينما يتراوح ما يدفعه الشخص الواحد في المطعم بين 500 و1500 ليرة (20 دولارا). أما حضور حفلة غنائية لمطرب مشهور، فلا يقل ثمن البطاقة عن 3000 ليرة. كما أن الأسعار تختلف في الديسكوهات، فترتفع بشكل كبير لتتجاوز الحد الأعلى، بينما تنخفض في المقاهي، لتصل تقريباً إلى 200 ليرة، ثمن نرجيلة وفنجان شاي أو كأس عصير؛ ما يعادل ثمن وجبة سريعة. وأياً كانت الآراء في شرح أسباب الإقبال على المقاهي رغم البطالة وارتفاع الأسعار، فإن السبب الأهم يبقى حاجة الشباب إلى التجمع بحرية ضمن فضاء مفتوح يتنفسون فيه أحلامهم وطموحاتهم في الحب والحياة وحتى استعراض المظاهر المخادعة والسلبية. وتكفي جولة مسائية إلى مقهى «النوفرة» الشعبي الشهير وإلى مقاهي «القصاع» و«شارع بغداد» وحتى «أبي رمانة» و«المالكي» حيث تضيق الأمكنة على شباب وصبايا، يجلسون الكتف إلى الكتف للتأكد من ان تغييرا ما يحدث في سورية.

 

 

سعاد جروس -الشرق الاوسط


2006-04-21 13:20:08
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق
حربوق2006-05-03 06:41:03
شو مشان
تحليقي شوي المقال مو؟ وخاصة آخر فقرة, يعني وقت بروح على شي مطعم (مرة وحدة بالشهر على الأكثر) ما بروح لحتى "اتجمع بحرية" و"اجلس كتف إلى كتف" مع شباب وصبايا, يسلمو, الشوفات بتكفي لتسهلكني عصبياً وجسدياً, وقرفان من القعدة "كتفاً إلى كتف" بالمكرويات الوسخة.
-سوريا
Ammar Hussami2006-04-26 14:43:59
hope
i hope from youth to find a good way to have a good time and benefits from expending there hours on internet
syria
عبد الله الشامي2006-04-22 16:51:42
أكيد هالحكي بسوريا
والله أنا بروح على كل المقاهي بالشام من كل المستويات هالحكي في شوية مبالغة يعني الرقص بس بالديسكو.والمطاعم التراثية ليست تنتشر كالفطر ولكنها ظاهرة تستحق الدعم لأنها أفضل من السياحة تبع الملاهي الليلية.والناس بتروح لترفه عن نفسها وتلعب شدة وتدخن وتفرج وتلتقي واكيد ما بدها هنيك سياسة ولا أحزاب بس بدهن شدة أو طاولة وورقة
-----