syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
مشروعات التقسيم.. من يقف وراءها؟... صحيفة البيان
صحافة وإعلام

د. محمد عاكف جمال

الحديث عن التقسيمات الجغرافية وإعادة رسم الخرائط في منطقة الشرق الأوسط على أسس عرقية أو دينية أو طائفية لتوفير الحماية لبعض الأقليات أو درءاً للاقتتال بين مكوناتها وتوفير حالة استقرار أفضل ليس بالجديد.


 

 

كانت فرنسا من أوائل من طرح مشروعات كهذه في سوريا ولبنان مطلع القرن المنصرم، إلا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ لأن الأقليات التي عرضت عليها هذه المشروعات رفضتها وقاومت تنفيذها.

 

ولكن ذلك لا يعني أن الستار قد أسدل على هذه المشروعات نهائياً، فقد عاد الحديث عنها خصوصاً في العراق وسوريا بسبب الظروف التي يمر بها العراق منذ سقوط النظام السابق والظروف التي تمر بها سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية فيها قبل ما يقرب من خمس سنوات.

 

تتضارب الآراء حول من يقف وراء مشروعات كهذه ومن يستفيد من تنفيذها، أهي الولايات المتحدة أم إسرائيل أم بعض دول الجوار أم جهات من الداخل؟ وتتطرق الأحاديث إلى أن أداة التقسيم على أرض الواقع هي تنظيم «داعش» الذي فرض واقعاً جغرافياً بسبب التطهير الديني والطائفي الذي مارسه في المناطق التي سيطر عليها.

 

 

 

هناك قاعدة لا يمكن تجاهلها عند مقاربة مشروعات التقسيم أو الإندماج بين الدول، فالأحداث الجسام محلياً أو إقليمياً أو دولياً قد ترسم خرائط جغرافية جديدة إذا كانت التوزيعات الديموغرافية تسمح بذلك، وكانت هناك حركات سياسية ذات طابع عرقي أو ديني أو مذهبي قادرة على التجييش لصالح هذه المشاريع.

 

فمع سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية شهدنا تغيرات جغرافية في أوروبا، فقد عادت ألمانيا الشرقية إلى أحضان الأم وانفصل السلوفاك عن التشيك سلمياً في جمهوريتين منفصلتين، وقسمت يوغسلافيا عبر حروب دامية تدخل حلف الناتو في حسمها إلى ست دول على أسس دينية وعرقية، ثم فصلت كوسوفو عن صربيا.

 

وأفرزت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في السودان دولتين منفصلتين. وهناك مشروعات تقسيم لم تنضج بعد كما هو الحال في استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة.

 

الحديث عن تقسيم المنطقة أو بعض دولها غالباً ما يجري في وسائل الإعلام الأميركية، نذكر منها ما نشرته مجلة القوات المسلحة الأميركية في عدد حزيران 2006، وما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في سبتمبر 2013، من خرائط لتغيير معالم الشرق الأوسط، وما كشفت عنه مجلة تايم الأميركية في عدد يونيو 2014 عن تقسيم العراق إلى ثلاث دول.

 

ويجري كذلك في مؤسسات رسمية، فقد سبق أن صادق مجلس النواب الأميركي في السادس عشر من مايو المنصرم على قانون الموازنة العامة الذي يسمح أحد بنوده بتسليح قوات البيشمركة الكردية وقوات سنيّة عراقية تقاتل تنظيم داعش مباشرة دون الرجوع إلى بغداد.

 

وكان آخر ما صدر في هذا الصدد ما قاله الجنرال ريموند أوديرنو، رئيس أركان الجيش الأميركي الذي أحيل إلى التقاعد أخيراً، في الثاني عشر من أغسطس الجاري: «إن المصالحة الوطنية في العراق قد فشلت والحل الوحيد هو التقسيم». أما الموقف الرسمي للإدارة الأميركية فهو غير ذلك، فهي لم تتجاوز الحكومة المركزية في بغداد فيما يتعلق بتسليح قوات البيشمركة والعشائر السنية، كما سارعت للتنصل من تصريحات الجنرال أوديرنو.

 

مشروعات التقسيم التي تطبخ خلف الكواليس لم تأت من فراغ، فلا بد أن الولايات المتحدة رصدت رغبات قيادات عراقية لا تجرؤ على الإفصاح عن موقفها المؤيد للتقسيم علناً في الوقت الحاضر.

 

فهناك فعلاً سياسيون عراقيون من مختلف المشارب يرون في التقسيم حلاً لمواجهة حالة الاحتقان التي أصبحت مزمنة لتجنب الانحدار إلى ما هو أسوأ، فليس كل من يدعو لإنشاء الأقاليم يؤمن بضرورة الحفاظ على وحدة العراق.

 

وقد تكون وراء ذلك دوافع أخرى منها مناطقية بغية الاستئثار بالثروة النفطية والتمتع بمزايا الرخاء، أو شخصية تتيح لهم عند النجاح في تنفيذها تبوؤ مواقع سياسية لا تتاح لهم مع بقاء العراق موحداً، ولا تخلو هذه التوجهات من دعم بعض دول الجوار التي ترى في تقسيم العراق تعزيزاً لأمنها القومي.

 

أما على مستوى الشارع فقد نجحت الأحزاب ذات الواجهات الدينية في تعبئة جماهير واسعة خلف شعاراتها مستغلة حالة الضياع التي يتسم بها الوضع السياسي، فالظروف التي مر بها العراق على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن عبر سلسلة حروب وفترة حصار طويل أتعبت المواطن العراقي وأنهكته جسدياً وذهنياً.

 

وقد عملت الممارسات السياسية التشرذمية التي تمارس منذ احتلاله على تشويه وعيه وتخدير حسه الوطني وتسهيل انخراطه وانقياته خلف الشعارات الطائفية والمناطقية التي تمهد الطريق للتقسيم.

 

ولكن على الرغم من هذه العوامل التي تسهل مهمة دعاة التقسيم، ثمة صعوبات كبيرة تعترض هذه المهمة ولا تجعلها سالكة دون حروب وسفك دماء، فالتوزيع الديموغرافي على أرض الواقع فيه الكثير من التعقيد.

 

صحيح أن للكرد إقليمهم الخاص بحدود جغرافية واضحة، عدا المناطق المتنازع عليها، وهي على أي حال ليست قليلة، إلا أن المناطق العربية فيها تداخلات سكانية لا يمكن معالجتها دون التسبب بمعاناة وتهجير وخسائر كبيرة بشرية ومادية، خصوصاً في العاصمة بغداد. بقي أن نذكر أنه ليس هناك من ضمانة على أن الكيانات المنبثقة عن التقسيم ستكون آمنة من بعضها بعضاً ولا تدخل في صراعات وربما في حروب.

 


2015-08-21 13:42:13
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق