syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
«النوويّ» الإيرانيّ وزمن مراجعة الذات.. صحيفة السفير اللبنانية
صحافة وإعلام

سمير العيطة

في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كانت فرنسا قد عرضت على سوريا حافظ الأسد إنشاء محطات نوويّة سلميّة لإنتاج الطاقة الكهربائيّة. هذا برغم أنّ رئيس الوزراء الفرنسيّ فاليري جيسكار ديستان كان قد أطلق منذ 1975 برنامج تعاون نوويّ طموح مع عراق «صديقه» صدّام حسين، أساسه مفاعل «بحوث»، سمّي حينها «أوزيراك» تيمّناً بمثيله الفرنسي «أوزيريس»، يمكن استخدامه لإنتاج مواد انشطاريّة لأغراض عسكريّة.


 

كانت سوريا تخشى حينها نضوب مصادر نفطها من حقلي السويديّة والرميلان، وتعرف أنّ لا تنمية من دون كهرباء. وحتماً كان لها طموح في التوازن الاستراتيجيّ العسكريّ مع إسرائيل، خاصّة بعد «الانتصار/الهزيمة» في حرب تشرين في 1973. لكنّها كانت تعي أنّ الوصول إلى النادي النوويّ العسكريّ ممنوعٌ في المنطقة من قبل القوى العظمى سوى لإسرائيل، خاصّة أن نقل أي تقانات حديثة كان ممنوعاً على العرب عموماً، على عكس الإسرائيليين ـ اليهود بينهم وحدهم - الذين كانوا، ومازالوا، يتنقّلون بحريّة بين مراكز البحوث الحسّاسة الأميركيّة والإسرائيليّة. مقابل ذلك، شرعت سوريا في خلق تعاون أعمّ طويل الأمد حول مختلف أنواع التكنولوجيا مع دعمٍ فرنسيّ لـ «مركز البحوث والدراسات العلميّة» الذي أنشئ حينها. إلاّ أنّ مشروع المفاعل الفرنسيّ ومعظم التعاون التقنيّ قد طُوي يوم اصطفّت سوريا مع الثورة الإيرانيّة، ولم يتمّ فتحه حتّى عندما بارك جاك شيراك خلافة بشّار الأسد لأبيه العام 2000.

في المقابل، استمرّ العراق في برنامجه الطموح غير السلميّ. في حين تعرّضت تجهيزات مفاعله إلى تفجيرٍ إسرائيليّ في مرفأٍ فرنسيّ العام 1979، وتمّ اغتيال علماء نوويين عراقيين. ثمّ قَصَفّت إيران بعض منشآته في أيلول 1979 بعيد انطلاق الحرب العراقيّة - الإيرانيّة، وتمّ تدميره كاملاً في حزيران 1980 بقصفٍ من الطائرات الإسرائيليّة في عمليّة سمّيت «أوبرا» راح ضحيّتها عراقيون ومهندسٌ فرنسيّ.

إيران الشاه كانت قد دخلت النادي النوويّ قبل ذلك بكثير، منذ الخمسينيات، بفضل تعاونٍ مع الولايات المتحدة التي ساعدت حينها على إنشاء مفاعل بحوث يمكن تحويله لأغراض عسكريّة. لكنّ إيران وقّعت اتفاقيّة حظر انتشار الأسلحة النوويّة منذ 1968، ليطمح الشاه بإنشاء 23 محطّة نوويّة لإنتاج الكهرباء سلميّاً لأنّ النفط «موردٌ آخذٌ إلى النضوب في جميع الأحوال». وبالفعل، فقد وقّع أوّل عقدٍ لإنشاء محطّتين كهرنوويّتين كبيرتين في بوشهر في 1975، ولكن مع ألمانيا منافسة فرنسا. وفي 1976 سمحت له الولايات المتحدة بالسيطرة على دورة الوقود النوويّ وخاصّة بتشييد مصنع معالجة نفايات نوويّة يُمكن استخدامها لاستخراج مواد قابلة للاستعمال العسكريّ. لكنّ إيران حافظت على علاقة استراتيجيّة مع فرنسا وقامت باستثمارات كبيرة في منشأة أوروديف الفرنسيّة لتكثيف الوقود النوويّ، كما دفعت أموالاً مسبقة للولايات المتحدة للحصول على وقود لمفاعل بوشهر. وكلّها استثمارات وأموال ما زالت عالقة إلى اليوم.

أدّت «الثورة الإيرانيّة» إلى توقّف العمل في محطتي بوشهر قبيل الانتهاء من تشييدهما. وتعرّضتا لقصف الطيران العراقيّ أثناء الحرب، حتّى عاد العمل على البرنامج النوويّ الإيرانيّ في منتصف التسعينيات، حين تمّ الاتفاق مع روسيا على تشييد مفاعلٍ بديل بدأ بالإنتاج، ونشأ تعاون معها وكذلك مع الصين حول دورة الوقود النوويّ، الاتفاق النوويّ لمجموعة «الخمسة +1» مع إيران مؤخرّاً بعد مفاوضات طويلة وعسيرة.

يكرّس هذا الاتفاق عودة إيران إلى النادي النوويّ وحقّها في الوصول إلى التقنيّات المرتبطة به، برغم تغيّر نظام حكمها بشكلٍ جذريّ منذ الشاه. واللافت أنّ هذه الدولة عرفت كيف تتعامل مع ملفّ شائكٍ بهذا القدر، محافظةً دوماً على التزاماتها فيما يخصّ اتفاقيّة حظر انتشار الأسلحة وبروتوكولاتها، كي تتعامل ندّاً مع القوى العظمى ضمن القانون الدوليّ، حتّى كانت تتواجه معها بشكلٍ قاسٍ في ملفّات أخرى.

ستشكّل هذه العودة منطلقاً جديداً لدور إيران كدولة، سيكون بحكم الواقع أقلّ تأزّماً. فها هو وزير خارجيّة فرنسا الأكثر تشدّداً تجاهها يذهب لزيارتها ليتباحث حول التعاون المستقبليّ، علماً أنّ إيران عادت حُكماً مساهماً في أكبر شركاته النوويّة. ومن الطبيعي أن يغضب هذا التوجّه إسرائيل أكثر من غيرها، فهي أصلاً لم توقّع على اتفاقيّة حظر انتشار الأسلحة النوويّة، وكانت قد دخلت النادي النوويّ العسكريّ عنوةً، بفضل مساهمتها مع فرنسا وبريطانيا في العدوان الثلاثيّ على مصر.

لكن يبقى السؤال: لماذا لم تستطع أيّ من الدول العربيّة دخول النادي النوويّ، مهما كان تنوّع علاقة هذه الدول مع الدول العظمى؟ وحدها الإمارات انطلقت حديثاً في هذا المسار بمساعدة كوريا الجنوبيّة والولايات المتحدة، وكانت بين القلائل الذين هنّأوا إيران والمجموعة الدوليّة على هذا الإنجاز.

السؤال مطروحٌ منذ السبعينيات بعيد «الصدمة» النفطيّة الأولى. حينها، عانت أوروبا من ارتفاع أسعار النفط بشكلٍ سريع، واتضح أنّ النفط مورد محدود وسلاح اقتصاديّ. فرنسا ذهبت لتشييد أوسع برنامج محطّات كهرنوويّة على المستوى العالميّ، حتّى وصلت حصّة النوويّ من الكهرباء إلى أكثر من 80 في المئة. تخلّت عن تقنيّاتها الخاصّة واعتمدت تقنيّة أميركيّة جهدت لتدجينها محليّاً، بالضبط لأنّ هذه التقنيّة الأخيرة أقلّ قابليّة للتحوير نحو التطبيقات العسكريّة، وبالتالي يمكن تصديرها وخلق بحكم الضرورة علاقات استراتيجيّة بين البلد المصدّر والمستورد.

انتهى عرض المفاعلات لسوريا بأزمة دامت عقوداً، كان سببها بالضبط إيران ولبنان. لكنّ مصر أيضاً تلقّت عرضاً وجرت دراسات أكثر عُمقاً حول إمكانيّات التشييد انتهت باختيار موقع على ساحل البحر المتوسّط قرب الاسكندريّة، وبثبات جدوى المشروع مع النموّ السريع للسكّان والاستهلاك. لكنّ المشروع لم يرَ النور برغم أنّ مصر كانت قد وقّعت على اتفاقيّة كامب ديفيد مع إسرائيل ودخلت نادي الدول العربيّة المستقرّة المدعومة ممّا يُسمّى «الغرب» حتّى ثورتها في العام 2011. تعثّر أيضاً مشروع المغرب، مع حاجة هذا البلد الشديدة للطاقة وصعوبات تموينه لعلاقاته الصعبة مع الجزائر، كي ينتهي بإنشاء محطّات كهربائيّة ضخمة على الفحم. أمّا دول الخليج العربيّة، فلم تهتمّ حقّاً بالأمر إلاّ مؤخّراً برغم الحاجة الكبيرة للطاقة ولتحلية المياه، وبعدما وصلت العربيّة السعوديّة إلى المرتبة السادسة بين... مستهلكي الطاقة العالميين!

يُمكن لوم إيران كثيراً على عبثها في المنطقة وعلى انخراطها في حرب سوريا وحروب أخرى، لكنّها فرضت نفسها من خلال نظرة بعيدة الأمد لم تتغيّر كثيراً، برغم تغيّر النظام السياسيّ بشكلٍ جذريّ. ويُمكن لوم الدول العربيّة كثيراً أيضاً لأنّها لا تنظر إلى شؤونها إلاّ عبر آفاقٍ قصيرة الأمد ونظرة ضيّقة آنيّة لأمنها القوميّ، لا تخلو هي أيضاً من العبث. أضاع صدّام حسين العراق كدولة في مغامراته العسكريّة كما التقنيّة والاستراتيجيّة، وظنّه أنّ الردع هو فقط امتلاك قنبلة بدل التحرّك بحكمة خاصّة بعدما أضحى العالم متعدّد الأقطاب. وأضاعت كثيرٌ من الدول العربيّة فرصة كي تنتقل إلى نادي الدول الصاعدة كي تضحي ركيزة لما ستكون عليه المنطقة بعد التحوّلات الكبرى التي يشهدها العالم.

يبقى أنّ الاتفاق النوويّ الإيراني سيطرح على إيران تحدّيات جديدة كي تضحي ركيزة استقرار. كما سيطرح على الدول العربيّة أيضاً تحديات مماثلة. فهل الأولويّة للصراع الشيعيّ ـ السنيّ المزعوم أمّ لمنع السلاح النوويّ عن المنطقة برمّتها، خاصّة إسرائيل؟ وهل الأمن الإقليميّ للخليج والمنطقة هو سلاح النفط والغاز وأموالهما الريعيّة، أم هو تأسيس لصعود الدول الاقتصاديّ والاجتماعيّ والتكنولوجيّ؟


2015-07-17 10:27:25
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق