ربما كان أكثر ما يتمناه النظام ان يخرج الجولاني على فضائية
واسعة الانتشار مثل الجزيرة ويتحدث الى الشعب السوري كما تحدث على مدى ساعتين مع
معد ومقدم البرنامج المعروف احمد منصور.
الجولاني هذا " المجهول" للشعب
السوري (وبقي مجهولا حتى بعد اللقاء حيث رفض اظهار وجهه للكاميرا ، ليس هو قضيتنا،
ولا حتى ما تحدث عنه.
القضية تكمن كليةً، فيمن أوصل
الجولاني لهذا الكرسي ليتحدث إلينا عن سورية ومستقبل سورية.
أي نقاش للشخص او حديثه سيصب
مباشرة في تحقيق هدف من أوصله لهذا المكان " الواسع" جدا عليه.
الأحداث في سوريا تسير في سياق
محدد بات واضحا حتى لأكثر الناس سذاجة ، وأي تقييم للأحداث في سنواتها الأربع
الأخيرة سيكون تقييم سطحي وبالتالي خاطئ قصير النظر.
إذا بدأنا من النتائج اليوم ،
بلد منهار ، مدنه مدمرة ، شعبه مشرد ، اقتصاده منهار ، جيشه ضعيف ومشتت ، مقسم بين
مجموعات بتسميات مختلفة والحرب فيه دائرة ولا احد من مواطنيه في مأمن والمستقبل
أمامه مجهول اسود.
أليس هذا هو وصف الحال اليوم ؟
لا اعتقد بان هناك من يختلف معي حول هذا الواقع.
أما كيف وصلنا الى هذا الواقع ،
فهذا أمر بحاجة الى دراسة معمقة وتدقيق في تاريخنا الحديث ، هذا التدقيق يجيب على
أسئلة كبيرة.
كيف نما التشدد والتطرف في
سوريا وهذا الفكر ( التيار ) لا شك انه يحتاج الى عقود طويلة لكي يصبح على ما هو
عليه اليوم؟
منذ متى وكيف بدأت عملية تدمير
وشل مؤسسات الدولة ، وهيئات المجتمع من نقابات وجمعيات وتحييدها عن لعب أي دور فاعل
في خدمة المجتمع وفي إيجاد حلول للازمات بشكل عام وحل للازمة الأخيرة بشكل خاص؟
كيف تم تدمير آليات العمل
الديمقراطي لإنتاج البدائل السياسية ان كانت برامج او شخوص تشارك في الحكم او تحل
بديلا عنه في حال أثبتت البرامج المعتمدة فشلها او أصاب الأشخاص الذين في السلطة
على رأس هذه البرامج أي مكره جسدي او خلل عقلي؟
طبعا هذه أسئلة جوهرية تتشعب
لمئات الأسئلة التفصيلية التي لا مجال لذكرها هنا ، يجب ان نسعى للإجابة عليها لنصل
الى أساس المشكلة وبالتالي الى حلول ناجعة تساعدنا من الخروج من هذه الكارثة ( اذا
كان هذا ما زال ممكنا).
ولكن كنتيجة أولية ولأي عارف في
مجريات العقود الأخيرة في حكم سوريا ، يعلم بان القوى الخارجية التي تعمل اليوم
لتحقيق مصالحها، ومصالحها وفقط، في المنطقة استغلت فشل الدولة ( غير الموجودة منذ
سنوات طويلة ومختزلة بالنظام او بشخص الرئيس ) لتمرير مشاريع كبرى في هذه المنطقة
الحيوية من العالم.
سوريا كانت مقسمة قبل محاولات
التقسيم الحالية ( والتي أصبح جزءا من هذه المحاولات أمراً واقعاً )، مقسمة من
الداخل ، لم يكن في سوريا وحدة وطنية وهذا أصبح واضحا ، كان هناك عملية تمزيق
لمكونات الشعب الذي هو بالأساس لم تتح له الفرصة عبر تاريخ الدولة (السورية )
القصير ليصبح شعباً واحداً ، أعني بمفهوم الدولة والمواطن.
سوريا كانت مقسمة بفعل سياسات
طويلة ( عمدا أو عن غير عمد لا يهم ) أفقرت وأجهلت وأشعلت نار الفرقة وجزأت وفككت
البنى الضعيفة أصلاً، ولم يكن يجمع كل المكونات الا الخوف من العصا الأمنية الخوف
من التعذيب والتغييب ..
العصا الأمنية هي "ضغط" له قوى
محددة يستطيع أن يثبّت "كتلة" غير متجانسة ولا مستقرة الى وقت ما ، ولكن أي خلل في
هذا الضغط او في حال أصبحت قوة الضغط المعاكس اقوى من ضغط العصا الأمنية ستنفلش
الأمور وتتبعثر هذه الكتلة ، مثلما هو حاصل اليوم.
الذي أوصل الجولاني الى كرسي
محافظ حلب ( الكرسي الذي كان يجلس عليه في المقابلة كما أورد بعض النشطاء) هو طريق
طويل يمتد الى ما قبل عام 2011 بكثير،
والأسباب التي جعلتنا نحن
السوريون نجلس ونستمع صاغرين الى هذا الحوار الرديء السيء هي أسباب قوية وعميقة، هي
سياسات وممارسات من شأنها ان تصل بالجولاني في وقت قريب ليس الى كرسي المحافظ وحسب
.. بل الى كرسي الرئيس لبلد لم يعد له وجود على الخارطة ..