لم تكتف الحرب في سورية بأن تجعل من نسائها أمهات وأخوات لقتلى
ومعتقلين ومفقودين في الداخل بل زادت عليهن بأن جعلت منهنّ محوراً لكل من يرغب أن
يعيد تنظيم حياة المجتمع السوري من وجهة نظره بإصدار فتاوى تمثل أفكاره وأفكار من
يتبع لهم من خلفه.
كان آخر هذه الفتاوى وثيقة أصدرها تنظيم "الدولة الإسلامية"
(داعش) يستعرض فيها بالتفصيل دور النساء في "الدولة الإسلامية" التي ينشد التنظيم
إقامتها وجاء في البيان الذي حمل عنوان (المرأة في الدولة الإسلامية بيان ودراسة
حالة) أن السن الشرعي لزواج الفتاة هو تسع سنوات وأن
الفتيات الأكثر طهارة يتزوّجن في سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة، وذكر البيان أن
دور المرأة في "مرحلة ما بعد الزواج" هو أن تبقى محجوبة عن الأنظار ومحجّبة، وأن
تحافظ على المجتمع من وراء حجابها.
إن هذه القوانين التي تصدر عن التنظيمات المسلحة على مختلف
الأراضي السورية زادت مأساة القصف والاشتباكات "بلة", ما أجبر الكثير من العائلات
على اللجوء إلى دول الجوار أو المناطق الأقل خطراً كالأراضي الحدودية لهذه البلدان
مع سوريا هرباً من القصف والقوانين الجائرة التي تودي بكثير من الأحيان إلى الموت
أو إجبار البنات على الزواج من مقاتلين وحتى الإغتصاب.
في مخيمات على الجانب السوري من الحدود..
فتيات لاجئات مع عائلاتهن تسكنّ
الخيم في العراء داخل الأراضي السورية على الحدود مع دول الجوار، حقيقة مرّة
تعانيها الفتيات السورية مع اتساع رقعة المواجهات منذ عام 2011 بين المقاتلين
المعارضين والجيش النظامي ولاحقاً بين فصائل المقاتلين المعارضين أنفسهم أخذت
ألوناً عديدة كان واحداً منها أن (الفتاة السورية معروضة للبيع بغرض الزواج).
ففي إحدى الحالات المسجلة من قبل وسيلة إعلامية حصل زواج لفتاة
عمرها 14 عام نازحة مع أهلها من ريف حماة والذين لجأوا إلى إحدى هذه المخيمات ليتم
تزويجها إلى أحد الشيوخ السعوديين الذين يجمعون التبرعات لهذه المخيمات مقابل مهرٍ
قدره 300 ألف ليرة سورية والذي أخذها وسافر بها إلى بلاده لتنقطع أخبارها عن أهلها
على خلاف ما تمّ الاتفاق بين أهل الفتاة وزوجها بأن يعود بها ليسكنها في ريف إدلب.
في البلدان المجاورة سماسرة لتزويج الفتيات..
عائلات سورية غادرت منازلها هرباً من الحرب الدائرة في مناطقها
لم تجد ملجأً لها سوى الانتقال إلى الدول المجاورة لتقع فتيات هذه العائلات فريسة
للزواج من رجال أكبر منهنّ بعقود في سوق تبعن فيها وتُشترين حسب مواصفاتهنّ.
حيث انتشرت على شبكة الانترنت عشرات القصص لفتيات في عمر
المراهقة مقيمات في الأردن ولبنان يروين طرق زواجهنّ من رجال غير سوريين أغلبهم من
دول الخليج قاموا بالزواج منهن عن طريق الخطابات (سماسرة) بالاتفاق مع أولياء
أمورهنّ على مبالغ مالية تسد بها عوائلهنّ حاجاتها وهي الخارجة من سورية بأغراضها
الشخصية فقط بعد أن تركت خلفها جلّ ما لديها.
ليلى فتاة سورية عمرها 14 عام ظهرت في مقطع فيديو تبدي رغبتها
لأم ماجد إحدى الخطّابات في مقابلة رجل سعودي في العقد السابع من عمره يرغب بالزواج
من فتاة سورية صغيرة السن قائلةً: "أضحي بحياتي مقابل أهلي."
أما "رهف" 27 عام وتعمل خطّابة تقول بأنها في البداية ساعدت
بتزويج فتيات سوريات من رجال خليجيين كبار في السّن لقاء الحصول على مواد إغاثية
ومساعدات من جمعيات خيرية خليجية أما الآن فهي تتقاضى أموال لقاء عملها، مضيفة أن
هناك حالات كثيرة لفتيات سوريات رجعن إلى المخيم بعد شهر أو شهرين من الزواج بعد أن
ذهب أزواجهن إلى بلادهم ولم يعودوا.
الإنترنت أيضاً سوق تروج لزواج الفتيات السوريات..
مع تطور الأيام يتفنن المتاجرون لينتقلوا إلى تسويق أفكارهم
إلكترونياً عبر شبكة الإنترنت من خلال صفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك
تقوم بالدعاية لزواج الفتيات بدعوى السترة عن طريق نشر صور لفتيات سوريات كانت
إحداها صفحة (لاجئات سوريات للزواج) والتي أثارت الكثير من الجدل والسخط بين
الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي والذين دعوا لإغلاق الصفحة لتظهر مرةً أخرى
بصبغة دينية واضعة آية قرآنية كصورة غلاف لها.
زواج السوريات بفتاوى..
الفتاوى كانت حاضرة من بعض رجال الدين لتبرير حالات زواج
السوريات من أجانب بداعي الستر عليهن والحفاظ على أخلاقهن وطهارتهن من المساس بها.
الشيخ ياسر العجلوني داعية أردني يقول في مقطع فيديو نشر على
الإنترنت: "أنه ونيابة عن علماء الشام وعلماء سورية فإنه يصدر فتوى بجواز أن تطلب
المرأة السورية الزواج من الرجل المسلم القادر على كسوتها وسترتها وإيواءها وأن
يدخلها في عقد ملك اليمين كي تصير ملكاً ليمينه فيصير سيدها وتصير ملكاً له"
إحصائيات ترصد هول المأساة..
إحصائيات حكومية تقول أنّ عدد حالات الاتجار بالأشخاص
والمضبوطة في عام 2014 بلغت نحو 1000 حالة معظمها لشبكات تعمل خارج سورية وتتواصل
مع سوريين في الداخل، وأن نسبة الضحايا من النساء بلغت 60% من إجمالي الحالات التي
تم ضبطها وأن ما يقارب 400 حالة كانت بهدف استغلال جنسي مؤكدة أن هناك ازدياداً
كبيراً في جرائم الاتجار بالأشخاص في سورية. معاون وزير
الداخلية اللواء حسان معروف قال: أن سورية أصبحت من دول المنشأ بجرائم الاتجار
بالأشخاص بعدما كانت من دول العبور مضيفاً أنه تم ضبط الكثير من الشبكات التي تقدم
على ترحيل النساء السوريات إلى بعض دول الجوار مثل تركيا بهدف الزواج من أشخاص غير
سوريين مشيراً إلى أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير.
بينما بلغ عدد السوريات نسبة أكثر من النصف بين مجموع اللاجئين
السوريين البالغ 3.2 مليون لاجئ في دول الجوار, بحسب آخر احصائيات للأمم المتحدة,
وأن 25% من العائلات السوريات تعيلها نساء, و60% منهن لايشعرن بالامان والكثير منهن
يتعرضن لتحرشات لفظية منتظمة من سائقي وسائط النقل والمؤجرين وأرباب العمل.
ووثيقة نظرة داعش للمرأة تعد الثانية بعد قانون "مقاطعة
الجزيرة" الكردية الذي صدر مؤخراً للمرأة السورية ولكن في أراضي تخضع لسيطرة
مقاتلين أكراد وليس لباقي الفصائل المتصارعة على سوريا بدءً من الجيش النظامي
وانتهاءً بداعش ومرواً بجبهة النصرة والفصائل الإسلامي المتشددة ومجموعات الجيش
الحر التي بدأت تتقلص في أغلبة مناطق سوريا إلى حد التلاشي ما عدا "درعا".
فأي قانون ولأي مجموعة سينقذ الفتيات السوريات أمثال ليلى التي وصلت بها الحال
للقول "أضحي بحياتي مقابل أهلي"؟.. أم أنه سيكون قانون يزيد من
معاناة أمهات السوريين بالمستقبل؟؟؟...
م.ع
سيريانيوز