يا شعبنا الصامد الأبي في الشام ولبنان وكل مكان .

نواجه اليوم شوطاً جديداً ، في حلبة سباق وجودنا بين الحياة وقاتليها ، يحمل عنوان تقرير ميليس المحقق الدولي في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري .

انها السلسلة المتواصلة الحلقات في معركة وجودنا القومي التي خضناها مع سايكس- بيكو منذ مطلع القرن الماضي ضد مخططات اخضاعنا ، ألبسوها اليوم الثوب المزركش الأسود اللماع لقضاة نصَّبوهم لخدمة مخططات اختراق صلابتنا وحرفنا عن نهج المقاومة ونشر الفوضى والاضطراب في صفوفنا.

ما منا الاَّ وينشد الحقيقة في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري والكشف عن جناتها.

ولكننا ، وقد انتظرنا أن يأتينا تقرير قضائي أصولي ، يستند إلى بينات وأدلة موثقة موثوقة، يتحدد بها الأظناء والمتهمون بالأفعال المنسوبة إليهم ، لم نحصل الاَّ على تقرير اخباري سردي دوّن مرويات وحكايات وتقديرات تناقلتها الصحف اللبنانية والأجنبية على السواء ، منذ الساعات الأولى للجريمة أمطرت القُراء باتهامات موجهة إلى الشام ، انطلاقاً من خلفياتها السياسية المعادية لدمشق و تحت ستار نفس الحجة  التي ساقها السيد ميليس في تقريره ، وهو أن لا شعرة يمكن أن تقطع في لبنان الاَّ ويكون للأجهزة الأمنية - السورية و اللبنانية يدٌ أو علمٌ بها.. هكذا أكد له بعض الشهود ..

تُرى هل هكذا ، وفي ظل الأجهزة الأمنية الأميريكية الجبارة المُجهزة بأحدث التقنيات والمالئة لكل الساحات تم التعاطي مع جريمة اغتيال الرئيس كنيدي ، أو مع أحداث الحادي عشر من أيلول في سماء نيويورك ؟؟

الشهود الذين استمع إليهم السيد ميليس باهتمام هم نفس الذين اطلقوا اتهاماتهم منذ اللحظة الأولى ، انطلاقاً من خلفياتهم السياسية المعادية للشام أو من أحقادهم الكيدية في السياسات اللبنانية الداخلية .

لقد أضاف إليهم شهوداً " متطوعين " جدداً أحدهم ، وقد اعتمد شهادته في نقل قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية من خانة المشتبه بهم إلى خانة المتهمين ، تقدم إليه كمدير مكتب لرئيس جهاز أمني شامي رئيسي وحساس - لينكشف بعد أن أسقط ميليس القناع عن وجهه الذي تقنع به في مواجهة لقادة أجهزة الأمن اللبنانيين ، ينكشف أنه جندي فار ذو سوابق اجرامية ، محكوم بالنصب والاحتيال.

ومع ذلك كان لا بد للتحقيق من اعتماد شهادة هذا النصاب المزور ، فكان أن تم نقله في ملف التحقيق من شاهد ملك ، وهي الصفة الأولى التي سجلت بها افاداته ومواجهته للقادة الأمنيين ، إلى متهم شريك وذلك " كي يزيد من درجة صدقيته " كما جاء في التقرير كل ذلك بعد أن تحول في الملف من مدير مكتب إلى سائق لدى قياديي أجهزة الأمن.

وشاهد آخر ، محوري في التقرير ، ولكنه مجهول الهوية وخرافي يتواجد في كل زمان ومكان .

وآخرون من الشهود يجاهرون بعدائهم لسوريا منذ ما قبل اغتيال الشهيد الحريري.

يا شعبنا الأبي الصامد ..

ليس المهم عند السيد ميليس ولجنته " الحقيقة " التي ننشدها جميعاً ، وانما المهم زيادة مصداقية من يمكن أن تؤدي شهادتهم إلى تجريم الشام ومن في الشام .

لهذا ، وبالرغم من أن التقرير أقر بأن التحقيق يحتاج إلى شهور بل سنوات ليتمكن من إرساء قواعد تصلح لتكون أساساً لمحاكمة محتملة لأي شخص ممكن اتهامه وبالرغم من أن التقرير نص أيضاً وبوضوح أنه ما لم يكتمل التحقيق فلا يمكن معرفة الذي حصل وكيف حصلت العملية ومن المسؤول عنها ، وبالرغم من أنه طالب تبعاً لذلك كله اعتبار الجميع أبرياء إلى أن يثبت العكس ، فان التقرير وجه الاتهام تلو الاتهام للشام ولمن في الشام دون أي براهين أو أدلة قطعية وخلافاً لما أكد عليه من عدم توفر قواعد تصلح لتكون أساساً لمحاكمة محتملة لأي شخص يمكن اتهامه.

انها سياسة الانحياز السياسي الفاضح لما تروجه حملة الافتراءات الأميريكية ضد الشام منذ أكثر من سنة وأنها سياسة من السياسات الأميريكية والغربية بالوسيلة المرتدية لباساً قضائياً والتي تمكنها من تصعيد ضغوطها وتهديداتها والعمل لسوق مجلس الأمن باتجاه قرارات تمت تهيئتها في واشنطن وباريس ولندن قبل نشر تقرير ميليس بزمان .

يا شعبنا الأبي الصامد ..

اننا نواجه اليوم ضغوطاً وتآمراً على مستوى يفوق كل ما واجهناه حتى اليوم.

ليس المقصود فقط سوق دمشق إلى بيت الطاعة الأميريكي بل المقصود رسم الخريطة الجديدة للمنطقة برمتها ، لبلاد الشام بشكل خاص ، للبنانها وفلسطينها وعراقها وشامها وأردنها وكويتها ، انها خارطة كيانات الطوائف والأعراق وتفكيك البنية الاجتماعية في شعبنا و أمتنا ، انفاذاً لمشروع اسرائيل الكبرى وتحقيقاً لجعلها المحور الذي تدور حوله فتافيت الدول والكيانات العرقية والطائفية والمذهبية .

انك مدعو يا شعبنا العظيم ، ان تحطم على صخرة وعيك و صلابتك وأصالتك الحضارية  ووحدتك الوطنية والقومية ، كل مشاريع التفتيت وخطط الهيمنة والاخضاع التي تتربص بها المخططات التآمرية ضدك .

ان القوى الوطنية في شعبنا بالشام ، مدعوة بالدرجة الأولى إلى تحقيق هذا الالتفاف الصلب المتين المتماسك حول وحدة توجهنا ووحدة تراصنا ، بقطع النظر عن كل خلافات الرأي التي تدور فيما بيننا .

لقد برهن شعبنا ، في كل تاريخه ، عن عظيم مخزون البطولة والأصالة والعنفوان فيه، وسيبقى هذا المخزون هو حصننا الأكيد الذي تتحطم على صخرته كل أشكال المؤامرات وضغوطها ، وان هتافنا يجب أن يبقى يدوي تحيا سوريا .

المكتب السياسي

للحزب السوري القومي الاجتماعي

في الجمهورية العربية السورية