عذراً منكم فإنني قد أنغص على البعض سويعات جميلة ينتظرها في كل عام مرة واحدة.

كنا صغاراً وبحمد الله أصبحنا أكبر سناً... كبرنا وترعرعنا على أن لكل مجموعة من الناس أعيادها... فبالنسبة لنا فإن عيدي الفطر والأضحى هما عيدانا اللذان ننتظر فيهما كل ما هو مرتبط بالعيد. كما أن يوم الجمعة لنا عيد. وقد ابتدعوا أيضاً بعض الأعياد التحسينية زيادة في موسم الأفراح كعيد المولد النبوي ورأس السنة الهجرية . وأيضاً نعلم بأن هناك أخوة لنا لهم أعياد مختلفة كعيد الفصح والميلاد ورأس السنة وغيرها.

و لأن الوطن غالٍ جداً فكانت هناك الأعياد الوطنية كالتي تحيي ذكرى الاستقلال بجِلاء الأعداء وغيرها من الأعياد الوطنية الهامة. كما أنه علينا ألا ننسى عيد الأم. وهل هناك أغلى من الأم. مع أننا لسنا بحاجة لهذا العيد لأن الأم في قلوبنا كل يوم ولا يجب أن نقتصر حب الأم بيوم واحد بالعام تملقاً لها بمكواة وحلة طعام.

منذ عشر سنوات ونيف بدأ يزحف علينا عيد جديد كنا نجد ركاكةً في تسميته أمام أهلينا من باب الأدب. ومع الأيام وتقدم السنون استمر زحف هذا العيد الدخيل على ثقافتنا فأصبح عيداً أساسياً وركيزة من ركائز العلاقات الاجتماعية الحميمة. نجد شوارع المدينة وقد اكتست باللون الأحمر الأرجواني.. وهو لون القلوب النازفة من قوة سهام الحب. وتمتلئ محلات الزهور بالورود الحمراء. أما عن محلات الهدايا فما أكثر عددها في هذا الموسم العظيم. فتتعلق الدببة على واجهاتها كاتمة أنفاسها من زحام زميلاتها. فكلها ستباع للعشاق. وكلها سيتم التعبير بها عن الحب. نعم.. الدب.. عفواً.. الدبدوب... نحن نعبر عن حبنا بالدبدوب...ما الغريب؟

فترى الفتيات في مقتبل العمر يتنقلن بين هذه المحلات برفقة زميلاتها يتناصحن فيما بينهن أيها يشترين. أيشترين دبدوباً منفرداً أم دبدوبين متقابلين بينها قلب مكتوب عليه سأحبك على الدوام.. وكأنهن يملكن هذا الدوام. لا مشكلة... الموضوع كله كذب بكذب... ولا مشكلة ماذا هو المكتوب على هذا القلب. وتجدها تنصحها رفيقتها بإيماءات من البائع الذي جعل سبب رزقه جهل المراهقين فتنصحها زميلتها بدبدوب مع ضوء أحمر خافت.. ولك أن تتخيل كيف أن هذه الفتاة المتيمة تتخيل في هذه اللحظة العاطفية فارس الأحلام يضع قربه ليلاً هذا الدب.. والدبدوب اصطلاحاً وينام قربه يفكر فيها لا بغيرها. وهي لا تعلم بأنه سيخفيه بين ملابسه في خزنته الخشبية تحت سابع أرض ولن يعيره اهتماماً على الأقل تحسباً للهمز واللمز من الأسرة.

فمن جهة نجد تلك الفتيات تجبن الأحياء كالشعلان وأبو رمانة وباب توما والقصاع باحثات عن أجمل الدباديب قبل أن تشتريه ومن ثم تمطر هذا الدبدوب المسكين بوابل من زخات عطرها المميز وثم تبحث عن أجمل الأكياس لتضعه فيه حالمة بليلة سعيدة مفعمة بالرومانسية.

أما على الجهة الأخرى فنجد الشبان المتيمون بغير الحب بل بشيء آخر يجوبون – منفردين من دون أصدقائهم - العصرونية وسوق الحميدية وأسواق جملة الجملة المتخصصة بالهدايا باحثين هم أيضاً عن الدباديب... ولكنهم لا يريدون أن يدفعوا كثيراً للسارقين بوضح النهار... فيشتري الدب من مكان والشريطة الحمراء من مكان ويبدأ مشوار البحث عن الأكياس المزركشة بالأحمر.. وكلها بالنهاية توضع ضمن كيس أسود يتمشى عائداً به إلى بيته يحلم أيضاً بما تغدقه عليه صاحبة الدبدوب المقابل من نفحات بعد تبادل الدببة والكلام اللطيف والمسجات التي تسبق وتلي اللقاء حتى تكاد الموبايلات يقطر عسلاً ...

أليس علينا أن نهزأ من أنفسنا؟؟ والله برأيي بلى... علينا أن نفعل...و كيف لا!!

علينا أن نهزأ بحالة أخلاقنا وما آلت إليه من انحدار فقد أصبحنا نجاهر بعلاقاتنا على الملأ من دون أية ضوابط. كيف لا نجاهر ونحن دعاة تحرر... لقد أخرَجوا الفتاة من حيائها... لا علاقة لكم بها يا متعصبين ويا رجعيين... هي حرة.. هي ترفع رأسها... هي.. هي... والله لن ترفع رأسها إلا بحيائها وأنوثتها... ألا تعيشون معنا بنفس مجتمعنا.. ألا تسمعون ألاعيب الشباب على تلك الفتيات المغرر بهن وهم يعثون بعواطفهن فساداً ولا يريدون منهن إلا الجسد. سيشتري جسداً عاماً كاملاً بدبدوب وعشاء خفيف. نعم الجسد.. ولو لم يكن هناك علاقة... الهدف هو الجسد ولو بملء الناظرين بمنظر هذا الجسد... لا تذهبوا بعيداً بأفكاركم... الجسد هو البداية وهو النهاية وبدرجات متفاوتة.

أي دب وأية زهرة وأية زجاجة عطر ستعوض الفتاة عن خيلاء عفتها.

قد ينبري قائلاً ويقول بأنه يستخدم هذه المناسبة للتعبير عن حبه لزوجته... ألا يكفيك أن الشباب يكذبون على فتياتهم - المطبقات كما يقال - وأنت أيضاً تريد أن تكذب على زوجتك... لا تريد أن تعبر عن حبك إلا في يوم واحد من السنة... أين كنت طيلة أيام العام... وهل تظن أن هدية رمزية من هذا القبيل تدخل الحب على قلبيكما... !!! ما زال أمامك الكثير لتصبح زوجاً.. عذراً منك.

قد ينتخي آخر ( وهيهات هيهات للنخوة) ويقول لماذا تعمم بأن الحب كذب... وأنت لا تعرف معنى الحب... لا يا سيدي... من أين استنتجت ذلك... وهل نحن بشر أم حجر ؟ جميعنا له عواطف ومشاعر ورقة وقلب ينبض... ولكن الحب المنشود هو الذي يكون صادقاً ونابعاً من القلب وعلى نية التأبيد لا قضاء النزوات فحسب.هذا الحب ليس بحاجة إلى سُنة الراحل فالنتياين لنعبر عنه... هذا يقرأ بالعيون وبالأفعال التي مصدرها القلب. الحب عمل يا صديقي وليس صور.

أما حبكم هذا فهو موسم سياحي يغتني فيه بائعو الهدايا والزهور ويبيعون بيومين مالا يبيعونه بأشهر... والخاسر الأكبر هي الفتاة المغرر بها ومن ثم الشاب الذي يضيع عمره بين الزهور ولا يبقى له سوى الشوك.

لا تقولوا بأن نظرتي سوداوية... بل على العكس... أنا أرفض تقزيم الحب بيوم بالسنة... ومؤيدو هذا العيد هم الذين يختصرون حبهم بيوم لمآرب تتعلق بغير الحب الحقيقي... أما المحبون الحقيقيون فكل يوم هو عندهم يوم عمل للتعبير عن الحب الصادق بالعمل والتفاهم والتعامل وليس بمصغرات الدببة القطبية.

و الآن اسمحوا لي أن أختم حديثي واعتذر ممن أزعجهم رأيي وأسأل لأقول... هل فعلاً كان ينقصنا عيد الحب أم الحب الحقيقي والمودة والرحمة ما ينقصنا؟