الذي يتفحص أحوالنا السائدة ، سواء على الصعيد الاجتماعي ام
الاقتصادي وسواهما ، يجد أننا ما نزال في كثير من أمورنا نجتر واقعا ماضيا ومتخلفا
في كثير من الأحيان ، شئنا أم أبينـــا !!!!
فما تزال ثمة عادات تفرض ذاتها في كثير من مجتمعاتنا ، وفي
أعماق أحاسيسنا ، وتبدو وكأنها تصرفات تعود في أصولها الى العصر الجاهلي ، وربما
قبله بكثير !!
وما تزال ثمة اجراءات نمارسها نحن ، وتمارسها حكومتنا أيضا وفي
كثير من الأحيان ، وبنكهة أيام الاقطاع والرأسمالية ، اذا جاز لنا ان نقول ذلك !!
وما تزال ثمة اعتبارات تأخذ دورها حتى لو تعارضت مع الصالح
العام ، وقد تظهر جهارا ، وربما من تحت غطاء ، لكنها تكون بالغة التأثير في كثير من
الأحيان !!
فعلى الصعيد الاجتماعي ، وفي أكثر العائلات حتى المثقف أو
المتحضر منها ان جاز التعبير ، فجأة ما تستيقظ في بعضهم غيرة الجاهلية ، ويفرقون في
الحلال بين ما يخصهم وما لا يخصهم ، ويتشددون بما يخصهم بدافع من انانية الانسان ،
ويتراخون فيما يخص سواهم ، وكثيرا ما ينظر البعض منهم في مسألة حرية المرأة وعندما
يصل الأمر الى من يخصهم ، الأخت أو الابنة .. الخ ، نظرة مختلفة ومتخلفة في آن معا
؟! حتى في امور الميراث ، حيث وضع خالق الكون قانونا دقيقا له ، لكن غالب العائلات
وخوفا من أن ينال الصهر جزءا من مالهم ، يحرمون المرأة حقها في الميراث ، أو جزءا
منه !!
وفي الشؤون العامة ، ما يزال بعض العاملين وخاصة من هم في مراكز
هامة ، يظهرون ضمن بريستيج معين ، فبينما نجد البعض يتفانون في خدمة الصالح العام
والمواطن ، وهم قلة ، نجد سواهم يتعامل من خلال موقعه كما لو أنه هولاكو أو
تيمورلنك ، ويعتبر أن الكرسي الذي يجلس عليه كرسيا الهيا ، ومكتبه نافذة تحكم
بالعباد تعاملا فظا وجني فائدة بدون حق !! وقد تدفع الحمية بعض الناس الى التجاسر
على هؤلاء بسبب ما تناهى الى سمع المواطن من اعتبارات لحرية او ديمقراطية ، لكنهم
غالبا ما يدفعون ثمنا باهظا لتطاولهم على اولي الشأن ، جزاء ما اقترفت ايديهم !!!
وفي ذات مرة تعطلت السيارة بصديق لي وهو على طريق سفر نحو مدينة
بون الألمانية ، فاهتم به عابر سبيل وساعده بكل اهتمام ودون مقابل ، واذا به محافظ
المدينة ، فكم هناك فرق كبير بين هذا الرجل ونحن ؟
ومن الأمور التي تقض مضطجع المواطن عندنا ، هو هذه الضرائب التي
لا تعرف قرعة ابيها من اين ، كما يقال !! اذ ان نظرة متفحصة الى ايصالات الهاتف
والماء والكهرباء والخليوي افندي ، كلها ترهق كيانه وتهده ، خاصة وان القاعدة
العامة : ادفع ، ثم اعترض !! هذا اذا كان الاعتراض يجدي ؟!
كذلك ، فثمة امور اخرى ايضا . فمن الملاحظ اليوم ان اي مادة
باستهلاك المواطن ، مجرد ان ترفع يد متسلط عنها ، مسؤولا كان ام تاجرا مدعوما ،
ينخفض سعرها وتتوفر في السوق بكثرة !! ان الحصرية تنفع صاحبها وتؤذي الصالح العام
!! ولا تزال الكثير من المواد الهامة محصورة بصلاحيات فلان من الناس وكأنها حق
الهي مقدس !! الموز من اختصاص فلان ، والسكر والرز والقهوة من اختصاص علان ،
والسيارات من اختصاص علاك البان .. الخ وبالنتيجة ، فالمواطن العادي وهو الشريحة
الأوسع ، هو من يدفع الثمن ، والحكومة ايضا !! اليس هذا من اشكال الاحتكار الذي
قضينا عقودا نحاربه ؟ ولو كان مبدأ الحصرية ملغى ، الن تنخفض الأسعار وتصير في
متناول الجميع ؟ حتى الحكومة فإنها ستستوفي ضرائبها ورسومها بالكامل ..
ألن نجد حلا ناجعا لهذه الأمور التي تبدو وكأنها مستعصية ؟ لماذ
نخدع انفسنا وندعي اننا نعمل لأجل المواطن في الوقت الذي نجلده في لقمة عيشه ؟
وهؤلاء المنتفعون ، ألا نهاية لطمعهم وجشعهم ؟ والقيمون على امور العباد ، اليس من
امل في يقظة ضمير ولو لمرة ؟ اما كيف تسير الأمور حتى الآن ، فلست ادري ! لكنها
حتما : ماشية بقدرة قـــادر ؟؟؟!!!