2008-09-11 05:25:46 | ||
ÇáãÓÇåãÇÊ Ýí åÐÇ ÇáÈÇÈ áÇÊÚÈÑ ÈÇáÖÑæÑÉ Úä ÑÃí ÇáãÑßÒ | ||
نبحث عن إنسان ... بقلم : ابن الشام |
||
من الحقائق المعروفة أن الانسان اذا شغل باله شيئ ما .. كان شديد التنبه الى كل ما يتصل بذلك من قريب أو بعيد حاول أن تنظر الى نفسك وأنت مقبل على شراء شيئ ما ولنقل مثلاً أنه حذاء .. فإنك تجد أيسر المنبهات التي تتصل بما أنت بصدد شرائه كافياً لاستثارة يقظتك .. وسواء أردت أم لم ترد شعرت أم لم تشعر فإن عينيك ستتجهان الى أحذية الناس في الطريق والى الأحذية المعروضة في الواجهات .
لكن هذه الحقيقة الأولية المعروفة وجدت تطبيقها عندي بالأمس على نحو رسم ابتسامة على شفتي .. وذلك أنني صادفت من أحداث حياتي القريبة ما دعاني الى التفكير في أخلاق الناس .. كيف تخدعك ظواهرهم مهما ظننت أنك قد بلغت من الخبرة بالحياة أمداً غير قليل .. وكيف يندر أن تجد بينهم من يحترم نفسه ويحترم الآخرين بغض النظر عن ارتفاعهم وانخفاضهم .
فأخذت الأمر مأخذ الجد وسألت نفسي : من ذا تعده (( انساناً )) بمعنى الكلمة الصحيح من بين من تعرف حتى يمكنك أن تحلل خلاله وخصاله تحليلاً يكشف لك عن حقيقة (( الانسان )) ؟
وما هي الا لمحات حتى وقعت عيني على جريدة الدليل .. قديمة .. فقرأت فيها : شركة ( تبحث عن آنسات ) .. فقرأته خطأ : شركة ( نبحث عن إنسان ) لسابق اشتغالي بالتفكير في صفات الانسان الحق .. وهنا عاودني التفكير .. أحقاً لا يكون بين هؤلاء الالوف من عباد الله من لا يستحق بجدارة أن يكون (( إنساناً )) ؟
كان من الطبيعي أن ترد على خاطري قصة ( ديوجنيس ) التي لابد أن يكون معظمنا قد سمع بها .. ( ديوجنيس ) الذي رأوه في أثينا ممسكاً بمصباح وهو يجوب شوارع المدينة ليلاً ونهاراً حتى سألوه : عم تبحث يا ( ديوجنيس ) في ضوء مصباحك ؟ أجاب ( ديوجنيس ) : أبحث عن الإنسان !! ... إذاً .. فماذا تكون هذه الالوف البشرية التي تملأ فجاج الأرض وشعابها ن لم تكن ناساً تتصف بصفات (( الإنسان )) الذي يبحث عنه ( ديوجنيس ) ؟! .. بعبارة اخرى : متى يكون الإنسان (( إنساناً )) ؟ ومن البديهي أن الطعام والشراب والنعاس واليقظة والمشي والوقوف والتنفس والتناسل وما الى ذلك وحتى الروح يستحيل وحدها أن تجعل من الكائن الحي إنساناً .. لأن سائر الحيوانات لا ينقصها شيئ من ذلك .. بل إنني أرفض أن يكون التفكير ( فاسداً كان أو سليماً ) هو الذي يميز الإنسان عن سائر الكائنات الحيوانية .. فالآدمي -رجلً كان أو امرأة- (( المفكر )) قد يبهرك تفكيره وروعة ذكائه وحدته لكنه لا يستميل قلبك ولا يستثير حبك .. إلا أننا إذا سمعنا عن ذلك (( المفكر )) خبراً واحداً يكشف عن مدى انسانيته ستتقرب قلوبنا إليه ويستثير في نفوسنا الحب .. لأنه بذلك ( لا بغيره ) يكون إنساناً . بل ماذا أقول ؟ أأقول ان الحيوان أحياناً يدعوك بفعلة خير يفعلها الى حبه ! بما لا تثيره في نفسك وقلبك ألف معادلة رياضية أو فلسفية أو اجتماعية يبتكرها (( مفكر )) ما .. أو (( متصنع )) ما .. ؟!
معاملة الناس بالحسنى .. هي أول ما يتبادر الى ذهني من صفات تجعل من الأدمي (( إنساناً )) .. ولا فرق بعد ذلك أكان الآدمي غنياً أم فقيراً .. عظيماً أم بسيطاً .. متعلماً أم جاهلاً .. مديراً أم موظفاً أو عضواً .. صاحب مكان أو مرتادوه أو المشرف عليه .. ولكن .. إن فقد الآدمي تلك الصفة كان أقرب الى الهمجية والبدائية والتوحش مهما ظن بنفسه ارتفاع الشأن وعلو المنزلة .. وإن (( معاملة الناس بالحسنى )) صفة تحتاج الى شيئ من التحديد والتحليل .. فما عسى أن يكون في ذلك .. ؟ انتهيت الى جواب ( ولا أتشبث به ) بل أعرضه عليكم أيها الأحبة ( كإقتراح ) لعله يصادف عندكم القبول أو التعديل والتصحيح ولكم ( بالطبع ) أن ترفضوه لنستبدل به ما كان صواباً ..ولكم به وله عند الله الأجر والثواب .
انتهيت الى أن الإنسان يكون (( إنساناً )) بمقدار ما وهبه الله من قدرة لدى كل البشر ينموها ويعتنوا بها الى أن يصبحوا بحالة لا ينظرون الى بعضهم البعض نظرة (( التاجر الى سلعته )) ومثلها (( نظرة الرئيس الى مواطنيه )) ومثلها (( نظرة المدير الى موظفيه )) ومثلها (( نظرة المشرف أو نائب المدير الى الأعضاء )) ومثلها (( نظرة الموظف الى المراجعين )) ..
تسألونني : كيف ذلك ؟! فاجيب : إن العلاقة بين البائع وزبائنه هي بعينها العلاقة التي تربط الإنسان بالأشياء الجامدة .. فأنا أحرص ( مثلاًَ ) على المصباح الذي فوق رأسي الآن بمقدار ما يهبني من ضوء أستعين به على القراءة منكم والكتابة إليكم .. وإلا فلن أتردد في تغييره الى ما هو أصلح منه .. وكذلك العلاقة بيني وبين نظارتي .. فتروني أمسحها وانظفها حيناً بعد حين لأنها تعينني على إبصار حروفكم وكلماتكم ولو لم تفعل لكان نصيبها الاهمال .. فلا مسح ولا تنظيف ولا عناية ولا اهتمام .. وهكذا .. في كل الأشياء الجامدة الاخرى .. فلا يربطني بها سوى رباط المنفعة .. والتي هي نفسها تلك العلاقة بين البائع والشاري .. فأنت عند البائع مكرم مبجل ما دمت نافعاً حتى إذا ما انتهى عنده نفعك انفصمت كل علاقة بينك وبينه .. مهما كنت سابقاً لديه من الزبائن المعتبرين .
لعل أبشع جوانب هذه النظرية (( السوقية )) نسبة الى السوق التي يتم فيها البيع والشراء .. أبشع تلك الجوانب هي حين تنشأ هذه العلاقة بين الآدمي ونفسه !..
إن الآدمي قد (( يهوي )) الى هذه الهاوية السحيقة فيجعل من نفسه لنفسه بائعاً وعندئذٍ يقيس قيمة نفسه في نظر نفسه بمقدار ما يراها (( سلعة )) صالحة للرواج في أهل زمنه وعصره ولا عبرة بعد ذلك أكانت لها (( قيمة )) حقيقية ذاتية أم لم يكن !!!
نعم .. قد يشق الآدمي نفسه شطرين .. بائعاً وسلعة !
فكما يبيع البائع سلعته لمن يدفع فيها أغلى ثمن فكذلك هو يبيع نفسه لمن يشتريها من أصناف (( الزبائن )) المحتملين أو المتوفرين ؟ ليس على أي عامل أو صانع من يقومون ببيع صناعتهم أو ثمرة جهودهم أي لوم أو تثريب .. ولكن .. ماذا تقولون فيمن يصنعون من أنفسهم صناعةً ويشكلونها تشكيلاً على النحو المطلوب ليرغب بهم الراغبون ؟! فإن كان المطلوب أن يكون مضحكاً .. فسيصبح بهلواناً ؟ وإن كان المطلوب أن يكون ذليلاً خاضعاً .. فما أسهل أن يفعل ذلك ؟ وإن كان المطلوب نوعية معينة من أفكار ومواضيع .. فما أسهل أن ينقلها لهم ؟ وإن كان المطلوب أن يكون متصنعاً ذو اتجاه ما .. فما أسهل أن يصبح كذلك ؟
أعود الى سؤالي من جديد .. متى يكون الإنسان (( إنساناً )) .. بالمعنى الصحيح ؟ هل يكون كذلك ( نتيجة الى ما وصلت إليه ) بمقدار ما يبتعد بنفسه ( لنفسه وللآخرين ) عن ميزان الجزارين والبقالين ؟ هل يكون (( إنساناً )) حين يعرف للإنسانية (( حقها )) بغض النظر عن (( نفعها )) ؟ فلننظر الى الجسد البشري ( كائناً من كان صاحبه ) نظرتنا الى الشيئ المهيب المقدس .. ويكفي أن يكون الكائن الذي أمامنا واحداً من البشر ليستوجب الإحترام وغلإ جلال والإكبار لهذا الذي خلقه الله فسواه وكرمه ... لو قدسنا البشرية في كل فرد من أفرادها لوضعنا بذلك أرسخ قيم الحرية والإخاء والمساواة بيننا جميعاً .. ألا من يبلغ عني كل متجبر ومتكبر ومتصنع ومتفهمن ومترفع ومتمترس .. أننا جميعاً .. من أعلانا الى أسفلنا .. من مسؤولنا الى أي متهجم عليه .. أننا جميعاً على بعد واحد من (( الشمس )) ؟!!
ألا من يبلغ عني كل من ذكرتهم أنهم إذا وقفوا على ذلك الجبل وهم يشاهدون الآخرين (( صغاراً )) .. أن اولئك (( الصغار )) بنظرهم يشاهدونهم بنفس الحجم وفق قوانين المسافات والرؤية أجتماعية كانت أم فيزيائية ؟
يكون الإنسان (( إنساناً )) بمقدار ما يرى في كل (( إنسان )) غاية مقصودة لذاتها لا وسيلة تخدم غاياته أو طموحاته .. أو ما وصل إليه من مركز فعلي أم افتراضي .. ؟
أما إذا سارت العلاقات بين البشر وفق القواعد التي تتحكم في عمليات البيع والشراء .. أما إذا نظر الناس بعضهم الى بعض نظرتهم الى الأدوات التي تستغل ثم تنبذ وترمى بعد الفراغ منها ومن نفعها .. فلن يجد ( ديوجنيس ) ذلك (( الإنسان )) الذي ينشده ولو بحث عنه بمليون مصباح .. وسيظل (( المتعجلون )) مثلي في قراءة الجرائد يخطئون فيقرؤون في الاعلانات : ( نبحث عن إنسان ). |
||
مي 2008-09-11 13:17:52
الأنسان أجمل ما في الوجود
مقال رائع وجميل وفيه بعد إنساني فلسفي عميق شكرا لكاتبه وشكرا للمشاعر الأنسانية التي ما زال البعض يشعر بها في الوقت التي أصبحت نادرة في مجتع انقلبت به المفاهين والقيم والآراء والأخلاق -سوريا
معلق 2008-09-11 09:32:53
نبحث عن إنسان ... بقلم : ابن الشام
الصراحة موضوع مهم جداً و لكنه من وجهة نظري افلاطوني اكتر من ان يكون واقعي, و ستكتشف ذلك ما ان تطرح على نفسك السؤال التالي : لماذا يعيش البشر (و معظم الكائنات الاخرى) في مجموعات ؟! الجواب البسيط نظرا للحاجة للكثير من الامور (العاطفة , الحماية , الاختصاص و الكثير غيرها) لذا فان تجريد الانسان عن المفهوم "السوقي" للاسف مستحيل (رغم روحانية الفكرة) وذلك لانها ببساطة تتناقض مع اهم صفة موجودة في اي مخلوق و هي "الضعف" -روسيا الاتحادية
|
||
copy rights ©
syria-news 2010 |