لن يعم السلام في الشرق الأوسط ما لم تكن دمشق طرفا فيه. أنا أعي تماما أن قولي هذا قد يفاجئ البعض, كما قد يؤذي مشاعر البعض الآخر. وقد اعتنقت هذه الفكرة في أول زيارة لي لسوريا في عهد بشار الأسد.

وقد وجهت انتقادات لي لزيارتي لسوريا من قبل عدة سياسيين فرنسيين. أليست سوريا في النهاية فرع مما دعاه الرئيس جورج بوش "محور الشر؟"
     وعلى ما يبدو, يجب على المرء أن يصل إلى السلام من خلال حواره مع عدوه. لكن ولسوء الحظ, لا يؤمن العديد بهذه المقولة. غهي على الأغلب الفكرة التي يتوصل إليها الشخص عند بدئه المفاوضات. فالموضوع موضوع سياسي أكثر مما هو أخلاقي. وأعتقد أن سوريا اليوم مستعدة للسلام. فقد كان ظهور نائب وزير الخارجية السوري إلى جانب نظيريه السعودي والإسرائيلي, العدوان اللدودان لحليفه الإيراني, في قمة أنابولس دلالة هامة لذلك.

     واستمرار الغرب في عزل سوريا, والتي تمتلك حدودا متعددة وواسعة مع إسرائيل ولبنان والأردن, وخاصة في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة عن مخرج ينقذها من المستنقع العراقي الذي أوقعت نفسها به, بل وسعيها للتوصل إلى اتفاقية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يقبل بها كلا الطرفين.  

     وبالنسبة للسياسة التي يتبعها الغرب في استثناء سوريا وعزلها, فإنهم بذلك يوجهونها وباستمرار للاعتماد على إيران ورئيسها محمود أحمدي نجاد. وتؤدي أيضا إلى تسليم السلطة في لبنان إلى حزب الله؛ وهذا قد يؤدي, وعلى المدى البعيد, إلى اختفاء لبنان كدولة, بل وإلى اشتعال حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل القريب. 

     ويحضرني هنا قول رئيس وزراء بريطانيا ويليم إوارت غلادستون قبل قرن تقريبا: "المسألتان الكبريتان إطلاقا هما السياسة والدين." وبما أن سوريا البلد العلماني الوحيد في العالم العربي فبإمكان المرء أن يتناول السياسة وحدها دون أن يتطرق إلى مواضيع الدين.

     فالسوريون يفخرون بعلمانية مجتمعهم, وحتى مفتي سوريا الأكبر أحمد بدر الدين حسون يفخر بعلمانيته. وحسب رأيه يقول حسون أن مكانته توجب عليه احترام الأديان الأخرى. فقد دعاني أنا اليهودي البولوني والكاتب الفرنسي إلى أن أتحدث خلال خطبة يوم الجمعة في أحد أهم وأشهر مساجد العالم الإسلامي, مسجد بني أمية في دمشق. وكان سبب دعوتي حسبما رأى كوني حاخاما والتي تعني في العربية والعبرية "العالم."

     لا يزال بعض اليهود يعيشون في سوريا؛ ثمانون منهم تقريبا في دمشق ويمتلكون عشرين كنيسا. لكن وبسبب قلة العناية لا يرتادون إلا واحدا منهم فقط. والمعيق الوحيد هو أن كافة العلاقات بين سوريا وإسرائيل محظورة حظرا تاما, فقد تنشب حرب بينهما في أية لحظة. 

     لقد اصطحبني ميشيل دوكلس سفير فرنسا لدى دمشق لزيارة الجالية. وحين نزلنا من السيارة, كانت الجالية كلها بانتظارنا لتحيتنا وبداؤوا بالتصفيق. لقد تأثرنا كليناأنا وألبرت كامو رئيس الجالية اليهودية, فهو من النادر جدا أن يأتي أحد لزيارتهم.

     ولا أظن أن من مصلحة الأسد, والذي يتزعم بلدا يضم 80% من السنة أن يقيم علاقة مع إيران الشيعية. فالسوريون غير راضين عن رؤية الوفود من الحجاج الإيرانيين بنسائهم المتسربلة في نقاباتهم السود من الرأس وحتى أخمص القدم ليقدموا صلواتهم ويتجهوا بدعواتهم عند مقام رأس الحسين بن علي أول إمام للشيعة والذي اغتيل في كربلاء عام 680. 

     وأثر الإسلام في سوريا قد يهدد النظام في سورية . لذا, فالموضوع هو موضوع سباق مع الوقت بالنسبة لبشار الأسد؛ عليه إذا أن يبدأ بالتفاوض مع إسرائيل والغرب. من هنا نرى أن خطاب الأسد الأخير أمام قادة حزب البعث تركز في غالبيته على السلام مع إسرائيل. لكن ولسوء الحظ, وعلى حدود معرفتي, لم تبد وسائل الإعلام الغربية ولا الإسرائيلية أي اهتمام تجاه هذه النقطة. وأنقل عن الأسد قوله: "نريد متابعة المفاوضات, وعلى الإسرائيليين أن يعوا أن السلام هو الصيغة الأفضل من أي حل مؤقت آخر."

     ثم ذهب الأسد بقوله أنه لم يكن من الممكن مناقشة موضوع "إستعادة الأراضي السورية مقابل السلام" بشكل علني؛ لذا عليهم على الأقل "أن يقوموا بما قام به إسحق رابين, وأن يبدوا رأيهم بتصريح حول هذا الشأن." وكان الأسد هنا يشير إلى وعد مدون من قبل رئيس الوزراء الأسبق للانسحاب من مرتفعات الجولان مقابل معاهدة سلام شاملة بين سوريا وإسرائيل.

     هذا ولا يزال باقي فحوى هذه الرسالة(الوعد) مجهولا تماما. لكن وحسب مصادرنا, تتضمن عدة نوايا متبادلة بين ألد دولتين. فالجولان كان مخطط له أن يعود إلى ملكية سوريا خلال عشرة أعوام. إلا أن اغتيال رابين, ثم موت الأسد الأب الذي قام بالتفاوض, وضعا الموضوع قيد الاحتفاظ.

     ومن الواضح أن الرئيس السوري ليس بالديمقراطي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هنالك العديد من الرؤساء الديمقراطيين ممن يتزعمون دولا في الشرق الأوسط أو إفريقيا اليوم؟ وهل يا ترى يتوجب علينا تبني أو تكوين وجهات نظر عسكرية حول سوريا كتلك التي يروج لها الرئيس بوش ويتبناها في العراق؟

     وقد صرح ريموند آرون بمنتهى المنطقية أن "الخيار في السياسة ليس بالاختيار بين الجيد والسيء, إنما بين ما هو مفضل وما هو مكروه." لذا, يجدر بنا القول أن السلام دون سوريا شبه مستحيل. وذلك ليس لأن سوريا دولة نافذة بين العرب, بل لأن فخرها الوطني وعزتها يجب أن يحسب لهما مكان في البال. كما يجب ألا نستخف بقوتها.

     وكما هو جلي للعيان, فإن الموقف المجحف للإعلام الدولي بحقها والاتهامات التي يوجهها لهذا البلد صحيحة أكانت أم خاطئة حول ضلوع سوريا باغتيال الحريري ولبنانيين آخرين, لا تقوم إلا بتقريب المسافة بين سوريا والمعارضة اللبنانية والخلاف مع أصحاب السلطة فيها.

     وما يعد خطوة إيجابية نحو تحرير سوريا من الأغلال الإقتصادية الإيرانية هو فتح السوق الأوروبية أمامها. وفي حال قامت إسرائيل بالموافقة على التفاوض مع سوريا, سيضعف هذا من عزيمة الجماعات الإرهابية التي تتخذ من دمشق مقرا لها, ومن ضمنها حماس.

     و نرى في الوضع الراهن أنه لا يمكن عقد سلام مع سوريا دون إشعال النار في الشارع العربي إلا في ظل حكومة قوية كحكومة بشار الأسد.

بقلم: ماريك هالتر - هاآرتز
ترجمة طريف الحوري - سيريانيوز