2007-09-15 19:31:49
اندرو تابلر * : يجب التركيز على الأعمال

خلال سنواتي الأربع كرئيس تحرير أمريكي لمجلة سيريا توداي، وهي أول مجلة خاصة ناطقة باللغة الانكليزية في البلاد، والعلاقات بين الحكومة السورية والأمريكيين سيئة.


في شهر تشرين الثاني الماضي قامت الحكومة السورية بإغلاق مكاتب مركز الأميديست الذي يعتبر منظمة غير حكومية تسعى نحو خلق التفاهم والتعاون بين الأمريكيين وشعوب الشرق الأوسط. كما تم إنهاء التنسيق بين السوريين وبرنامج فلوبرايت. والأكثر من ذلك أن تأشيرات الإقامة للمدرسين في المدرسة الأمريكية في سوريا لم تفذ إلا بعد بذل الكثير من الدبلوماسية وقبل بضعة أيام فقط من بدء الدورات في هذا الخريف. والأمريكيون مستمرون في دراسة اللغة العربية في المعاهد السورية الممتازة ولكن بعد تدقيق مكثف لطلبات الفيزا الخاصة بهم.

هذه الأمور كلها ما هي إلا نتيجة انفصال واشنطن عن السياسة السورية وما هي إلا عقبات تعيق السير ضمن الطريق الأمثل لخلق التقارب بين البلدين وتطوير الروابط الاقتصادية في القطاع الخاص.

من جهة نحن نرى أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس تتبع توصيات لجنة بيكر هاملتون في إشراك سوريا فيما يخص العراق فقط. ودمشق تتحسس إنهاء عزلتها، وترغب بمناقشة الشأن اللبناني، الفلسطيني، والإسرائيلي علناً.

ومن جهة أخرى تقوم الخارجية الأمريكية ومن خلال "مشروع الديمقراطية في سوريا" التابع لمبادرة الشراكة الشرق أوسطية، تقوم بتمويل المعارضين السوريين المنفيين الذين يطمحون لإسقاط النظام ويرون في الممارسات الأمريكية في سوريا "حصان طروادة" الذي سيغير النظام. ولكن حوار الطرشان الدبلوماسي هذا لم يأت بعد بأية نتائج ملموسة.

إن كلاً من مناصري عزل سوريا ومناصري إشراك سوريا متفقان على أن "التعامل" مع سوريا سياسياً هو الركيزة الأساسية لاحتواء العنف المندلع في العراق، إنهاء الفوضى الناشبة في لبنان وصنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن السياسة التي ستكون على الأرجح فعالة على المدى البعيد هي تلك التي ستؤيد تضاؤل النفوذ الأمريكي في سوريا اليوم من خلال المساهمة في قطاعاتها الخاصة المزدهرة اليوم.

من المؤكد أن الضغوطات التي عانت منها سوريا اثر اتهامها بالاشتراك في حادثة اغتيال الحريري عام 2005 تمخضت عن دخول البلاد في عدد من الأزمات الاقتصادية التي أرغمت دمشق على المباشرة بتنفيذ عدد من الخطط المؤجلة لحلحلة القبضة الاشتراكية التي أطبقت على الاقتصاد عبر 44 عاماً من الزمن. ويمكننا القول بأن القطاع العام الخامل سواءً في مجال المالية، التجارة، أسعار الصرف، وغيرها قدم ميثاقاً جديداً لأسس التجارة المقاولات للمجتمع السوري العلماني وللثقافة. وقد قدّر صندوق النقد الدولي مقدار النمو الاقتصادي الغير نفطي في سوريا عام 2006 بـ 7%.

إن المساهمة في هذا الازدهار هام جداً لسببين اثنين: أولاً هناك ميدان لأمريكا تستطيع فيه منافسة النفوذ الإيراني المتزايد في العالم العربي.

ومع أن العديد من مراقبي سوريا يستخفون بالأخبار التي تعلن عن انطلاقة مشروع إيراني سوري في مجالات النفط، النقل، أو مجال المواد الغذائية و الكيميائية ويرون غيها مجرد "حبر على ورق". ولكن إذا تم تنفيذ فقط نصف ما تم الاتفاق عليه بحلول عام 2009، أي الوقت المتوقع لاستلام رئيس أمريكي جديد، فإن نفوذ طهران سيكون قد ضرب جذوره عميقاً وأصبح من الصعب اجتثاثها وفصل إيران عن سوريا أو ضمان توقيع اتفاق سلام إسرائيلي سوري.

ثانياً، إن الانضمام إلى القطاع الخاص في سوريا سيساعد في قلب مسار سمعة أمريكا المتدهورة في العالم العربي من خلال إشراك أسهمنا او مقاولتنا التجارية المعتادة. فالعديد من السوريين خابت أمالهم جراء العنف الطائفي المندلع في العراق وشعروا بالاستياء من دعم واشنطن الضمني للضربات الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين في لبنان خلال حرب الصيف الماضي. ولكنهم ما زالوا معجبين ويكنون احتراماً لمهارة الأعمال الأمريكية.

ومع توسع خطوات العولمة وازدياد الخيارات المطروحة أمام سوريا لتطوير علاقاتها التجارية مع الصين، إيران أو غيرها من الدول، لن تدوم فضائل القوى الأمريكية البسيطة طويلاً.

ولن ما يدعو للسخرية هنا هو أن العقبة الأكبر التي تقف حائلا أما انخراط الولايات المتحدة في القطاع الخاص في سوريا ليس نظام الأسد، وإنما تلك العقوبات التجارية الفاشلة التي فرضتها أمريكا على سوريا.

ومن المؤكد اذا قامت واشنطن برفع تلك العقوبات عن سوريا، فإن نظام الأسد سيكون المنتصر، ولكن ذلك سيسمح لأمريكا في الوقت نفسه بالاستثمار ضمن روابط مشتركة.

وهذا بدوره سيمنح أمريكا نفوذاً اكبر في سوريا، وسيقوض مهمة أولئك  المتعصبين اللذين يشهرون العقوبات الأمريكية لتبرير إلغاء البرامج الأمريكية في سوريا، وربما وهو الأهم من أجل إثبات أن أمريكا لا تأبه بالشعب السوري ولم تكن في يوم من الأيام كذلك.

انترناشيونال هيرالد تريبيون

ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز

* أندرو تابلر: رئيس تحرير مجلة سيريا توداي وعضو دائم في معهد علاقات العالم السائدة. وهو صاحب كتاب "الطريق الشاهق نحو دمشق: الاشتراك في قطاع سوريا الخاص.


copy rights © syria-news 2010