2007-08-25 17:34:06
الأمن والدفاع: السلام والقلق

قبل ثلاثة أشهر من زيارة السادات التاريخية لإسرائيل التي تمت في تشرين الثاني 1977، كانت المخاوف تتصاعد بين هيئات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من تخطيطات مصر الأكيدة للحرب.


وكانت الرسائل المختلطة تتناهى الى المسامع في القاهرة عن اجتماعات تقييم أراء يعقدها رئيس هيئة الاستخبارات الإسرائيلية شلومو غازيت آنذاك ويحضرها قياديو الاستخبارات بما فيهم كولونيل شاب يدعى ايهود باراك، وكانت تلك الاجتماعات تحاول سبر وفهم نوايا السادات الحقيقية.

ورغم أن غازيت حذّر فريقه من أن احتمال اندلاع الحرب قائم وبقوة إذا لم يكن هناك تفاهم واضح مع مصر، إلا أنه لم يكن يعلم أن السادات قد اتخذ قراره تماما وأنه كان ينتظر فقط الفرصة المناسبة ليعرض على إسرائيل اقتراح مفاوضات السلام.

وبعد ثلاثين عاماً بالتمام والكمال، ها هي إسرائيل ثانية تواجه قائدا عربياً أخر تعجز عن فهمه بشكل كامل. فالرئيس السوري بشار الأسد ومنذ حرب لبنان الثانية يرسل لإسرائيل رسائل متفاوتة.

ففي إحدى المرات تحدث الأسد عن استعادة مرتفعات الجولان بالقوة، وبعد شهر قال بأنه مستعد لمفاوضات السلام. وبعد ذلك رفع جاهزية العالية الجيش وباشر بشراء أضخم كمية أسلحة في تاريخ سوريا، ولكنه وفي الوقت نفسه قال إن إسرائيل هي من يخطط لشن هجوم على بلاده.

وتشير التخمينات الحالية في هيئات الدفاع الإسرائيلية إلى أن الأسد يتمتع اليوم بموقف يمكنه من خوض السبيل الذي يريد سواءً إلى طاولة التفاوض أو إلى ساحة الحرب. واليوم يقول وزير الدفاع الإسرائيلي باراك إن إسرائيل غير مهتمة أبداً بشن الحرب ولا سوريا أيضاً، وبالتالي "ليس هناك من سبب يدعو لنشوب هذه الحرب".

ولكن ما نراه على ارض الواقع يظهر أن كلا البلدين ينفذان على مدار الساعة مناورات عسكرية مكثفة، وهذا بحد ذاته كاف لإثارة التوتر على طول مرتفعات الجولان. والمسؤلون الإسرائيليون ينتهزون الفرصة لتحذير الشعب من احتمال اندلاع حرب مع سوريا التي قامت بتسليح نفسها بأعلى درجة ممكنة بالصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ سكود البعيدة المدى.

وسوريا تدعي أن إقبالها على شراء الأسلحة الذي لم يسبق له مثيل ما هو في الحقيقة إلا إجراء دفاعي يهدف إلى ردع إسرائيل عن شن حرب ضدها.

واثر ذلك يظهر فجأة مصطلح هيئات الدفاع المفضل بالغة الانكليزية "miscalculation" (إساءة الحسابات) ويسير إلى احتمال حدوث سوء تفاهم بين القادة العسكريين على الخطوط الحدودية ويتطور إلى حالة حرب بين البلدين بسبب ارتفاع حدة التوتر فيها. 

ولكن باراك يعتقد بأن الكرة في ملعب سوريا. ويزعم انه إذا كان الأسد يريد الدخول في محادثات سلام مع إسرائيل فهو يعرف السبيل إلى ذلك. ومن الجدير بالذكر أن إطار اتفاق السلام قد تم انجازه على يد اسحق رابين، شمون بيريز، بنيامين نتنياهو، وباراك، اللذين حاولوا التفاوض مع الأسد الأب، حافظ الأسد، على أساس استعداد إسرائيل لإعادة مرتفعات الجولان مقابل الحصول السلام.   

ومع مرور الوقت، ازدادت الأمور تعقيداً. فقد طرحت إسرائيل شرطاً أخر لصنع السلام مع سوريا وهو انفصال هذه الأخيرة عن حليفها الاستراتيجي إيران. فسوريا وإيران تقومان بشراء كمية هائلة من الأسلحة من روسيا التي بدأت بتعزيز وجودها في المنطقة. كما أن صفقات الأسلحة تلك تبدو في ظاهرها محاولة لصنع توازن مع صفقات الأسلحة السعودية الأمريكية التي تكلف مليارات الدولارات. 

من الناحية التكتيكية لا تعتقد قوات الدفاع الإسرائيلية أن الحرب مع سوريا ستكون حرباً تقليدية. وغنما ما هو متوقع على حد رأي أحد الضباط الإسرائيليين في القوى الجوية هو "الصواريخ، والصواريخ، والمزيد من الصواريخ".

كما أن سوريا وبالإضافة لترتيباتها العالية المستوى لصواريخ سكود وصواريخ كاتيوشيا القصيرة المدى، تقوم بتدريب فرق مغاوير على استخدام الصواريخ الروسية المتطورة المضادة للدبابات.

ومع الانتباه لهذه التهديدات المتنامية أصبح باراك مهتماً جداً بأنظمة الصواريخ الدفاعية التي يعتقد بأنه يجب تطويرها بأقصى سرعة ممكنة. وبهذا الشأن يبدو باراك متفق اتفاقاً تاماً مع الجنرال دانييل ميلو، الذي تعيين في منصبه الجديد بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب.

واستعداداً للحرب القادمة، التي يعتقد بأنها ستتسم بحملة صواريخ عنيفة لم يسبق لها مثيل، وضع ميلو خطة تدريبية مؤلفة من ثلاث مراحل لقوات الدفاع الجوي التي لا تنحصر مسؤوليتها في إسقاط سلاح العدو الجوي فحسب وإنما هي مسؤولة أيضا عن تشغيل أنظمة باتريوت وأرو لاعتراض الصواريخ المنهمرة.

يرى باراك وميلو أن للأنظمة الدفاعية هدفاً مزدوجاً: فنظام أرو يمنع حدوث إصابات مدنية من خلال اعتراض سبل الصواريخ الموجه نحو المدن، ونظام الاعتراض الناجح للصواريخ يمكن أن يخلق للحكومة قدرة أفضل على المناورة الدبلوماسية. 

وفي الوقت الراهن تأمل قوات الدفاع الإسرائيلية، في حال اضطرت، أن تكون قادرة على تقديم أداء جيد إزاء سوريا كذلك الأداء الذي قدمته أمام القوات الجوية المصرية في حرب الأيام الستة. ففي تلك الأيام أدركت إسرائيل أن الحرب آتية لا محالة لذا استخدمت عنصر المفاجأة وتمكن من دحر معظم القوات الجوية المصرية والأردنية، ونصف القوات السورية خلال ساعات الحرب الأولى.

اذاً ما الذي يجول في خاطر الرئيس الأسد فعلاً؟ في هذا الأسبوع قال غازيت في حديث له مع جيروزالم بوست إن الرئيس يمكن بسهولة أن ينهج نهج السادات. واستذكر كيف أن إسرائيل لم يكن لديها أي معلومات استخبارية مسبقة تشير إلى أن السادات كان يخطط عام 1977 إلى إلقاء خطاب في القاهرة والإفصاح عن رغبته للسفر إلى أي مكان في العالم لخوض محادثات سلام.

وقال غازيت "في النهاية ستكون النتائج مع سورية مشابه للنتائج التي تمخضت مع مصر. والسؤال الوحيد هو ماذا سيحدث قبل ذلك".

بقلم ياكوف كاتز - جيروزالم بوست

ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز


copy rights © syria-news 2010