2007-07-19 12:23:03 | ||
العودة للحوار مع سوريا |
||
منذ سنوات وأنا أدافع وأدعم أهمية وجود تعاون سوري بنّاء، وذلك ليس من اجل فتح الآفاق أمام سلام إسرائيلي- عربي شامل، وإنما من اجل المشاركة الفعالة في إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط. مع تدهور الأوضاع الأمنية يوماً بعد يوم في أرجاء المنطقة وخاصة في لبنان، الأراضي الفلسطينية، والعراق، تبدو دمشق قادرة على لعب دور هام في ردع تيار العنف المتدفق. ولهذا السبب يبدو من المحزن والمؤسف أن إدارة بوش التي تسعى لاهثة لاستقرار المنطقة خاصة في العراق، ما تزال غافلة عن الحقيقة الواضحة التي تقول أن تغيير الإستراتيجية إزاء سوريا هو نقطة حاسمة جداً في حرف سياسات وأمن المنطقة على أقل تقدير نحو القليل من الأمن والسلام. تشير إحدى الآراء المعارضة لتغيير السياسة تجاه دمشق أن الولايات المتحدة بقيامها بهذه الخطوة ستبدو وكأنها تكافئ التطرف والسلوك السيئ. ولكن صاحب هذا الرأي فاتته نقطة هامة وهي أن: السياسة يجب أن تكون في أخر المطاف محددة بالنتائج المرجوة. وإذا كان الاعتدال والتعاون هو ما تلتمسه الإدارة من سوريا ومع الفشل الذريع الذي باءت به سياسة بوش بتغيير النظام في دمشق، أليس اليوم هو الوقت الأنسب للتفكير بخيارات سياسة جديدة؟ هناك رأي آخر معارض لتغيير السياسة تجاه سوريا وهو يقول إن التعاون مع سوريا لن يثمر عن شيء وسيبدو استرضاءً لسوريا وربما يبدو أيضاً خضوعاً للولايات المتحدة للإرهاب. ولكنني أرى عكس هذه الرؤيا تماماً: ففي الواقع إن عدم تغيير أمريكا لمسارها يعني استسلامها للإرهاب. في الحقيقة إن سوريا ستتعاون مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب بطرق مختلفة من ضمنها تقديم المعلومات الاستخبارية تماماً كما فعلت مباشرة بعد اعتداءات أيلول 2001. رأي ثالث أيضاً يقول إن التعامل مع سوريا سيكون على حساب لبنان. ولكن هنا ثانية يبدو العكس تماماً: فإشراك سوريا سيكون له تأثير ايجابي وليس سلبي على لبنان. ويكمن السبب بالضبط في الحقيقة التي تقلق أمريكا وهي أن سوريا تملك النفوذ الأقوى على حزب الله وغيره من العناصر السياسية والأمنية لدرجة أنها قادرة على التحكم بسلوكهم بشكل أو بأخر. ومن المؤكد أن استقرار لبنان الداخلي يعتمد إلى حد بعيد على سوريا وذلك لان دمشق ما تزال متغلغلة في علاقات لبنان الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والأمنية. ولكن دمشق تعلم تماماً أن عليها أن تدفع ثمن أي مفاوضات سلام تجريها مع إسرائيل في حال تمخضت هذه المفاوضات عن استعادة سوريا لمرتفعات الجولان. ولكن هذا الثمن يجب أن يكون متمماً للمفاوضات وليس متمماً لشروط مسبقة. إن دمشق ليست مضطرة أبداً لتقديم المساعدة، ناهيك عن قمع التطرف، في حال وصل التهديد بتغيير النظام لحد التحليق فوق رأس الحكومة. وفي الحقيقة كلما ازداد التهديد بتغيير النظام كلما ازداد قادته بالالتفاف حول السلطة. والعكس بالعكس كلما شعر النظام بالمزيد من الأمن كلما ازداد الأمل بتبنيهم للاعتدال. ومن المؤكد أنه يتوجب على دمشق إظهار أن دعوتها لفتح مفاوضات السلام ليست لعبة تكتيكية لكسب وقت يمكنها خلاله الاستعداد للمغامرة القادمة، وإنما هي جزء من إستراتيجية حقيقية للسعي وراء تحقيق السلام. لذا يجب أن تكون سوريا على استعداد للالتزام بإجراءات واضحة وشفافة بما فيها قطع علاقاتها مع الجماعات الإسلامية الراديكالية، وإنهاء دعمها السياسية لحزب الله، وإيقاف تدفق المتمردين والمواد الحربية للعراق، وإنهاء دعمها لحماس، وذلك لإظهار مدى التزامها بالسلام. ورغم أن أحداً من المسؤولين السوريين لن يقبل بذلك، ولكن ووفقاً لما نعرفه فإن تغيير السياسة تجاه سوريا سيثمر عن الكثير من هذه النتائج المرجوة وذلك لأن القادة السوريين سيعملون كل ما بوسعهم لصالح بلدهم وسيدركون حدود سياساتهم الحالية وسيتطلعون إلى إقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة. وبالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ستكون أفاق المكاسب رائعة وهائلة، لذا يجب عليهم أن لا يتركوا أي مجال للشك وبالتالي الاستمرار في خوض السياسات القديمة التي لا تفضي إلى أي شيء سوى تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة. إن سوريا ستبقى و لن تزول. وبغض النظر عن طبيعة ونسيج النظام في دمشق سواء أكان ديمقراطياً أم لا، فإن الهوس السوري الوطني باستعادة مرتفعات الجولان لن يزول أيضاً. ومن الأفضل للولايات المتحدة وإسرائيل التعامل مع نظام يملك السلطة الكافية لإلزام نفسه بسياسة أو مجموعة من الأفعال واتخاذ الخطوات الضرورية لدعم التزاماته. إذا لماذا هذا الكلام كله اليوم عن حرب صيف جديدة قادمة تغرق فيها كل من سوريا وإسرائيل وربما حزب الله، في وقت تبدو فيه قنوات فتح مفاوضات السلام مع سوريا مفتوحة بشكل واسع، وفي وقت ستشهد فيه الأوضاع الأمنية في المنطقة المزيد من التدهور في حال استمرت السياسة الحالية على ما هي عليه؟ من المؤكد أن حكومة إسرائيلية ضعيفة وإدارة أمريكية غارقة في المستنقع العراقي يتقدمان بعض المبررات ولكن الغير كافية لتبرير استمرار تلك السياسة الفاشلة والكارثيّة. إن الهيئات الاستخباراتية الإسرائيلية صرحت بوضوح ان مبادرات السلام السورية حقيقة وأن سوريا هي الدعامة الرئيسية للاستقرار في المنطقة. وفي أمريكا هناك العديد من الأشخاص المطلعين والمتنفذين في السلطة والعديد من الجماعات داخل وخارج الإدارة من جمهوريين وديمقراطيين، بما فيهم مجموعة دراسة العراق، اللذين يقفون مع إشراك سوريا. ولكن إلى الآن ليس من بارقة لتغيير السياسة في تلوح في الأفق القريب. بل على العكس إن الإدارة الأمريكية مستمرة في بذلك المزيد من الضغوطات على حكومة أولمرت لتؤكد عدم وجود أي تفكير في قيام الجانب الإسرائيلي بفتح مسار تجاه سوريا. ومع هذا العند والتصلب بالرأي، وفي حال لم تطرح سياسة السيد بوش في العراق أي إشارات حول توجه إدارته، يجب أن يتفاجأ أحد إذا اندلعت حرب في هذا الصيف وذلك من أجل كسر الجمود الراسخ منذ نحو أربعين عاماً ليس إلا.
ألون بن مائير - تيركيش ويكلي أوبينيون ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز |
||
copy rights ©
syria-news 2010 |