وسط طابور اللاجئين العراقيين الفقراء المصطفين بانتظار مساعدات الغذاء المقدمة من الجهات الخيرية الكاثوليكية في دمشق، يقف هرمز حنا الذي يبلغ من العمر 65 عاماً وملامح الحيرة والإحباط تعتلي وجهه.
هرمز قضى كل حياته في العمل لدى شركة نفط في كركوك في العراق وتقاعد بعدها. وزوجته وأولاده الثلاثة يحملون جميعاً شهادات جامعية. هذه العائلة التي تدين بالديانة المسيحية كانت تعيش حياة جيدة في وطنها في العراق إلى أن جاء الموت يهدد حياتهم ويقذف بهم خارج بلادهم إلى سوريا في العام الماضي.
يقول هرمز بلغته الانكليزية الطليقة "جئت لأحصل على بعض المساعدة، بعض الطعام، أي شيء يمكن أن يكون مساعداً". المركز الذي ينتظر أمامه هرمز تديره منظمة الغوث كارتياز وهي تقدم قسائم لمواد غذائية بقيمة 1500 ل.س شهرياً ولمدة ستة أشهر.
ويعبر هرمز عن يأسه قائلاً "ولكن إلى متى سنظل هنا؟ لا يمكننا العودة إلى العراق، وإلا سنقتل على طريق العودة".
تشير الإحصائيات إلى أن سوريا تستضيف اليوم 1.4 مليون "ضيف" عراقي، ممن هربوا من أعمال العنف التي اندلعت جراء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وأضاف حنا "توقعنا أن ننعم بالحياة الحرة كباقي شعوب العالم، بعد التحرير، أو الغزو، ولكن للأسف جاءت النتائج بالعكس. كنا نريد الحرية ولكن ليس بهذه الطريقة. واليوم نحن بحاجة إلى مغادرة سوريا، والهجرة".
ولكن أبواب الدول الغربية محكمة الإغلاق في وجه اللاجئين العراقيين،/ بينما تعاني كل من الأردن وسوريا، الدولتين المضيفتين الأكبر لهؤلاء اللاجئين، تعانيان من ضغوطات على مواردهما المحدودة التي تتناقص بشكل كبير".
لا شك أن الطبقة العراقية المتوسطة أمثال حنا تواجه شعوراً بالذل جراء الفقر الذي أصابها ونفاد مدخراتها التي حملتها معها من العراق. ولكن الفقراء منهم يعانون فاقة شديدة لدرجة أن بعض نسائهم لجأن إلى الدعارة رغم ما تلحقه من عار.
تقول سيبيلا ويلكز المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين "نحن ندعوها الجنس من أجل البقاء. ولو ان هذه العائلات تمتلك خياراً أخر لما دفعت ببناتها وأخواتها إلى تجارة الجنس".
وأضاف بأن البرنامج المعد لمساعدة هذه العائلات ما يزال في مراحله التخطيطية، رغم أن المفوضية تدعم ملجأً للنساء الضحايا، الذي تديره بعض الراهبات في دمشق.
وما يزال العراقيون يتدفقون إلى سوريا بمعدل 1.00 عراقي يومياً أحياناً، وكل واحد فيهم يحمل معه قصة مليئة بالبؤس وحكايات عن الاشتباكات الطائفية الدامية التي قذفت بهم خارج البلاد.
أمام مركز المفوضية في دمشق وقف عدنان، 25 عاماً، الذي قدم إلى سوريا قبل يومين فقط وقال لرويترز "كنت أعمل في سلك الشرطة في الموصل. والإرهابيون لم يتمكنوا من الوصول إلي لذا أمسكوا بأخي وأطلقوا عليه ثمان رصاصات قاتلة.
وأضاف والغضب يغلي في عينيه التائهتين "لديه زوجة وطفلان، ولكنهم قتلوه وسط الطريق". وعاد بذاكرته إلى الوراء قليلاً وروى كيف قام أحد الانتحاريين بتفجير مركز الشرطة الذي كان يعمل فيه "لقد تم تدمير المكان تماماً وقتل ثمانية من رفاقي. حتى أن جثثهم كانت منثورة في كل مكان".
وأسدل عدنان وجهه الشاحب وقال "لي أخ آخر ما يزال يعمل في الموصل مع إحدى محطات التلفزيون رغم تهديد الموت ولكنه لا يستطيع ترك عمله والهرب".
مع تلويح الموت باغتصاب حياتهم تشتت عائلة عدنان حيث غادرت والدته وأخته مدينتهم الشمالية سعياً وراء نوع من الأمن ولجأن إلى منطقة دوهوك العراقية الكردية.
قال عدنان "الوضع جيد بالنسبة لي في سوريا، ولكن ليس معي مال ولا يمكنني إعالة عائلتي. كما أنني قلق بشأن أخي. وقلق بشأن جميع العراقيين".
هناك 88.000 لاجئ عراقي في سوريا مسجلين لدى المفوضية، بينهم أكثر من 11.000 بحاجة لعناية خاصة لأنهم عانوا من العنف أو التعذيب.
قالت ويلكز " نحن لا نقول للجميع أن عليهم تسجيل بياناتهم لدينا. فهذا التسجيل لن يؤثر على إقامتهم أو يمنحهم فرصة عمل في سوريا—وإنما نحن نقول بأن العراقيين جميعاً لهم الحق بالبقاء ولا يجوز أبداً إرغامهم على العودة إلى العراق". وأضافت "ولكن تسجيل بياناتهم لدينا يساعدنا في معرفة هؤلاء اللذين يحتاجون إلى للمساعدة ويبث شعوراً بالأمان لدى الكثير من العراقيين طالما أنهم مسجلين لدى المفوضية".
ومن بين هؤلاء المسجلين لدى المفوضية رافي العاني، 65 عاماً، وهو يعيش في سويرا منذ عام 2001 الذي انتقل فيه من الرمادي غربي العراق إلى سوريا لإدارة أعمال تصدير معدات مخبريه للعراق. واليوم يخشى رافي أن لا يحصل على تجديد لإقامته لذا جاء إلى المفوضية للقاء الأشخاص المختصين بذلك.
يقول العاني "هذه هي المرة الأولى التي أسجل فيها بياناتي كلاجئ. وهذا يشعرني بالذل، إن هذا أشبه بالتسول نوعاً ما". ويضيف "لو أن في العراق أماناً لعدت فوراً إلى هناك. فأنا املك منزلاً على نهر الفرات مباشرة وله إطلالة جميلة جداً. أما هنا فأنا أعيش في شقة صغيرة موحشة، ولست معتاداً على ذلك".
بقلم اليستار ليون - رويترز
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز
