على أطراف مدينة دمشق القديمة تكتظ باصات المسافرين لتخلق أزمة مرورية هائلة على بوابة المدينة. ومن أجل حل هذه الأزمة سارع مهندسو البلديات الى رسم خطة لشق اتوستراد عريض وسط الساحة التاريخية ولكن المهملة أيضاً في العاصمة السورية دمشق.
وسط سوق المناخلية جلس بسام الأيوبي وسط محله المليء بالرفوف وقال "إنهم يريدون هدم 1.200 محل مثل هذا المحل".
وسط هذه المتاهات المتداخلة للأسواق المكتظة التي وضعتها اليونسكو على قائمة المواقع التاريخية في العالم يطوف الفنانون والمشاة ويبتاعون كل ما يحتاجون من أدوات ونحاسيات وقطع خزفية وسجاد تماماً كما كانت خلال العهود القديمة.
إن محافظة دمشق تخطط لتوسيع شارع الملك فيصل الموازي للجدار الشمالي للمدينة القديمة وأن تجعل منه طريقاً عاماً بعرض 40 متراً. خاصة وأن الحركة المرورية في الشارع تختنق دوماً بسبب اصطفاف الباصات التي تقل الحجاج المسلمين من الإيرانيين واللبنانيين الشيعة اللذين يقصدون هذا المكان لزيارة جامع السيدة رقية داخل المدينة القديمة.
ولكن السؤال الذي يطرحه النقاد هو هل تعريض هذا الشارع الذي يعود تاريخ بناؤه إلى القرن التاسع عشر هو الحل لمشاكل الازدحام التي يعاني منها قلب المدينة القديمة.
قال موفق دوغمان، المدير الأسبق في مكتب المحافظة المختص بشؤون حماية وتطوير المدينة القديمة "في جميع أنحاء العالم يقومون اليوم بإيقاف حركات المرور قرب المدن التاريخية تجنباً لتأثيرات التلوث البيئي والاهتزاز".
أن هذا المشروع الذي تنوي محافظة دمشق تنفيذه سوف يأتي على نهاية الكثير من ورشات العمل، المنازل، والمحلات التجارية القائمة في المدينة القديمة منذ القرون الوسطى. وكل ما يخشاه سكان تلك المنطقة أن يتم تشييد أبراج سكنية وفنادق ومطاعم مكان بيوتهم وبالتالي محي معالم المدينة القديمة.
وعلّق السيد الأيوبي على ذلك قائلاً "إنهم بذلك يمحون التاريخ. وهذه تعتبر كارثة. كما أن آلاف الناس سيتشردون أو سيخسرون موارد رزقهم".
ولكن المحتجين على المشروع تمكنوا من إرغام السلطات المسؤولة على تعليق المشروع إلى أن تقوم لجنة مختصة بدراسة وكتابة تقرير يتضمن تقييماً للمنطقة ومدى أهميتها. واليوم ينتظر وزير الثقافة السوري هذا التقرير المتوقع صدوره في الخامس عشر من شهر حزيران الحالي.
وكان السيد محافظ دمشق قد دعا أعضاءً من منظمة اليونسكو، التي حذّرت من تنفيذ ذلك المخطط، لحضور اجتماعات استشارية بشأن هذه المسألة. كما وأخبر السيد المحافظ ووزير الثقافة اليونسكو بأنه ليس من مشروع سينفذ دون موافقة هيئات الأمم المتحدة.
تقول ندى الحسن وهي أخصائية مشاريع في المنظمة التعليمية والثقافية والعلمية التابعة للأمم المتحدة في باريس "هذا يبدو جيداً، ولكن ليس كضمان بالنسبة لنا وإنما هو كاف في الوقت الراهن. فاليونسكو تعتبر هذه المنطقة جزءاً من أصول الإرث العالمي". وأضافت "إن النسيج المدني قيّم بحد ذاته وهو يتجاوز الأبنية الفردية. فمن غير الممكن محي حي من الأحياء دون التأثير على ما يجاوره من أماكن".
يرى بعض المسؤولين السوريين أن لا ضرر على الإرث التاريخي ويقول وزير السياحة السيد سعد الله أغا القلعة لرويترز "العمل سيتم خارج جدار المدينة القديمة، وفي جميع الأحوال لن يلحق أي أذى بالمدينة القديمة".
ولكن السيد الأيوبي والكثير غيره من التجار قاموا منذ وقت طويل باستئجار محلاتهم وفي حال تم تنفيذ المشروع لن يحصلوا على أي تعويض. وإنما أولئك المالكين فقط للمحلات هم من يحق لهم تلقي تعويضات عن الأضرار.
قال الأيوبي "لدينا هنا أسواق كاملة. وإذا قمت بإزالة هذه الأسواق وفتح البوابات ولم نترك سوى بعض الحجارة المبعثرة، لن يكون هناك أي معنى للمدينة.
ودمشق معروفة بأنها أقدم مدينة سكنتها البشرية في العالم". ومما تجدر الشارة اليه هو أن دمشق مرّ عليها الكثير من الحضارات الرومانية والعثمانية وغيرها من الإمبراطوريات التي ما تزال أثارها شاهدة في مدينة دمشق، تلك المدينة التي ولدت منذ أكثر من 4.000 عاماً ماضية. ولكن خطوات التغيير تسارعت في هذه المدينة منذ أن حصلت سوريا على استقلالها عام 1946. واليوم التهمت الشوارع الحديثة والأبنية الجديدة الكثير من الأحياء الشعبية القديمة ولكن القانون السوري لا يحمي سوى المدينة القديمة التي تقع داخل سور دمشق.
وبالنسبة للسوريين المهتمين بحماية الطبيعة يحظى خيار تجديد الأبنية المجاورة للسور بأفضلية على خيار التدمير.
ورغم أن المدينة القديمة ذاتها متداعية، إلا أن هذه التصدعات ليس مقياساً لتدمير المدينة حسب رأي السيدة ندى الحسن. وأضافت "لا يمكننا فصل المدينة الموجودة داخل السور عن المدينة خارج السور، ليس من وجهة نظر تاريخية فحسب بل من وجهة نظر اجتماعية واقتصادية".
رويترز
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز
