خسارة جيل تعني خسارة وطن، فالوطن ليس اسما فقط إنه الإنسان الذي يصنع الحياة فوق
أرضه، ومادمنا في مرحلة تصحيح وبناء لهذا الوطن فالأجدى أن نبدأ ببناء الإنسان،
وحياة الناس
لا تبنى بالشعارات بل بالعمل الصادق الذي يسعى لاحترام كرامة البشر وهدفه
سعادتهم... بهذا فقط نحافظ على إيماننا بهذا البلد على أنه وطن للجميع وليس
لمجموعة، تلك التي تملك كل شيء، أما البقية الباقية فإنها عاجزة وضائعة وعالقة بين
فكي الكماشة لا هي قادرة على الحفاظ على وضعها الحالي لأنه يزداد سوءاً بازدياد
الضغط عليها ولا هي قادرة على الهرب بعيداً لأنها مازالت تؤمن بحتمية الحل.
هذا الشعور انتابني أثناء حواري مع عدد من الشباب الذين قد يبدون للوهلة الأولى
مرتاحين، لكني اكتشفت أن كلاً منهم يقف على الحافة الخطرة فإذا ما استنفدوا
محاولاتهم الشخصية في الحفاظ على بقايا أمل في حيــاة كريمـــة فســـرعان ما
سيصابون بالإحباط، ولا ندري بعد الإحباط ماذا سيحدث؟
لحسن الحظ أمريكا خيبت ظني!
فاجأني عمرو زوين (25) عاماً، بموهبته الفنية، إنه رسام من الطراز النادر، يقضـي
معظم أوقاته في غرفته يعمل دون توقف. عشرات اللوحات تجمعت عنده، وعندما سألته ماذا
ستفعل بها؟ قال: سأحاول بيعها.
ولماذا لا تقيم معرضاً؟
وماذا سأجني؟ المعارض لا تفيدنا في شيء ومن النادر أن يتم بيع اللوحات خلال المعرض.
ويتابع عمرو بهدوء: (كان حلمي إقامة معرض في الخارج وتحقق هذا الحلم عندما دعيت
للمشاركة مع والدي في معرض أقيم في واشنطن سنة 2001 على هامش مؤتمر لمكافحة
العنصرية، في ذلك الوقت سافر أبي ولم أستطع الذهاب معه، وأصبح حلمي اللحاق به إلى
أمريكا، خاصة أنه باع هناك الكثير من لوحاتي وبعد ذلك أصبحت أرسم وأرسل له أعمالي
ليبيعها هناك).
ولماذا لم تسافر إلى هناك؟
في البداية لم أستطع السفر. لكني اليوم أصبحت لا أريد السفر، أمريكا خيبت ظني
وجعلتني أحب وطني أكثـر، تحديـداً بعد أحداث أيلول وما تبعها، وزاد من خيبتي
الاحتلال للعراق، كل هذا غيرني وغير نظرتي إلى الأشياء وجعلني أفكر أكثر بوطني،
وشعرت أن مكاني هنا، لقد ألغيت فكرة السفر تماماً وأحاول تحقيق أحلامي هنا.
فكروا في نعمة العقل السليم:
رهف (18) عاماً، جعلتني أشعر أني أمام فتاة ناضجة ومسؤولة. عندما سألتها عن حالها
أجابتني بصراحة متناهية قائلة:
في فترة ما شعرت أني أصبحت إنسانة تافهة وسخيفة، أقضي وقتي بين المدرسة والبيت
إضافة إلى الكثير من الوقت الفارغ يضيع في مشاهدة التلفزيون أو التسكع في الشوارع
والجلوس في الأماكن العامة، كنت أنظر حولي وأرى غالبية الشباب مثلي يشعرون بالملل
ولا يجدون ما يفعلونه، فلا توجد لدينا نواد ولا جمعيات يمكن لنا من خلالها القيام
بعمل مفيد.
وهل تغير الوضع الآن؟
بالتأكيد، وكان ذلك عندما تعرفت على (منظمة الهلال الأحمر) وأنا بالأساس كانت لدي
دوماً الرغبة في العمل الاجتماعي. فانتسبت إلى هذه المنظمة ومعها تغيرت حياتي.
وشعرت أني يمكن أن أقدم شيئاً مفيداً من خلال عملي مع الأطفال الأيتام أو الكبار
العجزة وبدأت اكتسب خبرات كثيرة وقدرة على التعامل مع الناس من مختلف النوعيات. ومن
خلال دراسة مبادئ هذه المنظمة والقراءة والعمل الميداني الذي نقوم به توسعت مداركي
وأصبحت إنسانة أخرى.
وكيف ترين المستقبل؟
غائم جزئياً... فعلاً إنه غائم. أشعر بالحزن لأن فرص العمل لدى الشباب قليلة جداً.
وإذا لم نجد مكاناً مناسباً لنا سنفكر في البحث عن مكان آخر، لكني مازلت مقتنعة أن
بلدنا أحق بنا.
أحسدهم وأحزن عليهم:
تردد كثيراً طلال أبو الشامات (17) عاماً المقيم في السعودية في الحديث معي لأنه لا
يعرف الكثير عن البلد. فهو يزور دمشق في الصيف فقط. لكن وعكس ما يعتقده البعض فإن
طلال يتمنى العيش في سوريا ويقول:
مع أني ولدت وتربيت في السعودية إلا أني أشعر بانتماء كبير إلى بلدي سوريا وأحب
الجو الاجتماعي الجميل فيها وأشعر بالراحة هنا. صحيح أن هناك بعض المنغصات والتي
أراها أحياناً أو أسمع عنها من أصدقائي خاصة ما يتعلق بموضوع الدراسة ووضع الجامعات
وفرص العمل، لكن بنفس الوقت هناك الكثير من الإيجابيات وأظن أن البلد في طور
التحسن.
وهل تفكر في العودة إلى سوريا إذا سنحت لك الظروف؟
أتمنى أن يكون الوضع مناسباً كي أعود بعد إنهاء دراستي. فأنا أشعر أني على استعداد
تام للعيش هنا إذا وجدت فرصة عمل جيدة.
وكيف رأيت حياة الشباب هنا وهل أعجبك أسلوب حياتهم؟
لقد تعرفت على الكثير من الشباب هنا ولاحظت أن تفكيرهم مختلف وأن كثيرين بمثل عمري
يعملون لتأمين مصروفهم. حتى أن البعض قد ترك الدراسة بسبب الحاجة المادية. وأنا
شخصياً أحسدهم أحياناً لأنهم يعيشون هنا وأحياناً أخرى (أزعل) عليهم. فالدراسة صعبة
ونسبة الرسوب مرتفعة والوضع الاقتصادي سيئ جداً. كل هذا ينعكس عليهم وعلى حياتهم
لكنهم مع ذلك يتقبلون ذلك ويحبون بلدهم ويحاولون تحسين أوضاعهم وأظن أن على الدولة
أن تساعدهم بطريقة ما. لا أعرف كيف لكن يجب مساعدتهم.
أخيراً:
هل ستنفرج الكماشة التي تشد على عقول وقلوب هؤلاء الشباب؟ هل سيحققون أحلامهم
قريباً؟ أسئلة كثيرة حرضها هؤلاء ومازلت أبحث لها عن إجابات. لا أريد لسعادتهم
وألقهم أن يخفتا، ولا لأحلامهم أن تضيع كما ضاعت أحلام الجيل الذي سبقهم. فرص العمل
التي تؤمن حياة كريمة هي جل ما يطلبون.. حركة حرة وحوار مفتوح ونشاطات أهلية كل هذا
كفيل بتحريك المياه الراكدة وزرع بذور المستقبل..
مجلة ابيض واسود
|