2018-01-07 10:17:41
سلسلة رؤساء سوريا .... كيف وصلوا وكيف رحلوا ... (الحلقة الأولى)


سوريا تنتخب رئيسها عام 1932 .... ومنافسة حامية بين العابد والعظم والبركات

عرفت سوريا منذ أكثر من تمانين عاماً (الانتخابات) كطريقة لاختيار الرئيس الأمثل لتولي قيادتها، وتوالى عليها العديد العديد من الرؤساء، منهم من وصل بخبرته وحنكته السياسية ومحبة الشعب له،


 

ومنهم من قادَ انقلاباً عسكرياً للوصول إلى السلطة والتربع على عرشها، ومنهم من قدم الكثير الكثير من الجهد والمال في سبيل إعلاء راية وطنه وشعبه، ومنهم من اعتبر السلطة إقطاعاً له ولأسرته يسرحون بها ويمرحون ولهم حق استغلال ثرواتها وحدهم دون غيرهم من عامة الشعب.

 

وبين هذا الرئيس وذاك، دماءُ شعبٍ حفظت ثم هدرت، ومبانٍ شيدت ثم دمرتْ، وكرامةٍ رفعت ثم كسرتْ، وعليه سنقدم في سلسلتنا الفريدة هذه بالاعتماد على المراجع والمصادر الموثقة المحفوظة بإرشيفنا بسيريانيوز، عرض لرؤساء سوريا منذ بداية الجمهورية الأولى عام 1932 وحتى عام 2000 ، هذا العرض سيكون شاملاً لكيفية وصول كل رئيس للسلطة وكيفية ذهابه منها، وملخص عن إنجازاته خلال فترة رئاسته، وعن المعارضين الذين ظهروا في عهده وكيف تم التعامل معهم.

 

 

 

محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية :

 

تبدأ القصة في 11 حزيران 1932 من داخل المجلس النيابي السوري الذي تربع على رئاسته آنذاك النائب صبحي بركات، الذي كان من المرشحين وفيري الحظ لاستلام رئاسة الجمهورية، هذا المجلس النيابي الذي انعقد لانتخاب رئيس الجمهورية، كان نتاج تضحيات وطنية كبيرة أرغمت فرنسا على السماح بقيام انتخابات نيابية نزيهة تمهيداً لانتخاب رئيس الجمهورية، انتهت الانتخابات النيابية التي كانت المنافسة فيها حامية الوطيس بين الأحزاب الوطنية والمستقلة والأحزاب الموالية للانتداب وانتهت الانتخابات في 9 نيسان 1932 دون أن يحقق أي حزب غالبية على الحزب الآخر، وفي الجلسة الأولى للمجلس النيابي في 11 حزيران 1932 تم انتخاب النائب صبحي بركات رئيساً للبرلمان تمهيداً لانتخاب رئيس الجمهورية، كانت المنافسة حامية بين صبحي بركات المؤيد من الفرنسيين وحقي العظم من جهة وبين المرشح المستقل محمد علي العابد من جهة أخرى، وفي هذه الجلسة كانت حظوظ صبحي بركات بالوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية كبيرة وخصوصاً أن موالي حقي العظم كانوا قد عملوا تكتلاً مع موالي صبحي بركات وباتت حظوظهم كبيرة بالفوز، إلا أن حركة ذكية قام بها أعضاء البرلمان من الحزب الوطني وعددهم 17 عضواً، بأن انسحبوا من جلسة التصويت وذلك لكسب الوقت من أجل مفاوضة بعض الموالين المعتدلين لحقي العظم بأن يصوتوا لمصلحة المرشح المستقل محمد علي العابد، أدى انسحاب أعضاء الحزب الوطني إلى تعطيل التصويت وتأجيله لليوم التالي، وقد استطاع أعضاء الحزب الوطني من إقناع الموالين المعتدلين لحقي العظم بالتصويت لمصلحة العابد، وفي اليوم التالي بدأت عملية التصويت لانتخاب رئيس الجمهورية والتي انتهت بفوز العابد بـ 36 صوتاً مقابل 32 صوتاً نالها صبحي بركات، وبالتالي أصبح محمد علي العابد أول رئيس جمهورية للجمهورية السورية الحديثة العهد.

 

 

محمد علي العابد الذي بلغ من العمر السبعين عاماً عند انتخابه رئيساً للجمهورية السورية الأولى، عرف بوطنيته ومحبته الكبيرة لسوريا وسعيه لاستقلالها، أتقن اللغات العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية والفارسية، واشتهر بدهائه السياسي حيث عمل سفيراً للامبراطورية العثمانية في واشنطن، كما اشتهر بثروته الطائلة التي جعلت منه أثرى رجل في سوريا، والتي لم يدخر جهداً في سبيل استثمارها في الأراضي السورية فكان من كبار المساهمين بشركة الإسمنت الوطنية كما ساهم في تحسين مستوى الصحافة من خلال دعمه المادي للعديد من الصحف والمجلات ومنها صحيفة الأيام، كما تم بعهده رفع العلم السوري الأول الذي سمي (بعلم الاستقلال) ويقسم العلم إلى ثلاثة ألوان متساوية متوازية، أعلاها الأخضر فالأبيض فالأسود، على أن يحتوي القسم الأبيض منها في خط مستقيم واحد على ثلاثة كواكب حمراء ذات خمسة أشعة واستمر العمل بهذا العلم حتى العام 1958 تاريخ الوحدة مع جمهورية مصر.

 

 

علم العابد عند توليه منصب الرئاسة أنه من الواجب على الجمهورية السورية الأولى أن يكون لها قصر لرئيسها يليق بهذه الدولة الساعية بكل جهد للاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، فجعل من قصره والمعروف باسم قصر العابد في منطقة ساروجة لدمشق قصراً للرئاسة ريثما يتم الانتهاء من بناء القصر الرئاسي الذي تكفل هو نفسه بمعظم أعبائه المادية.

 

 

كان العابد حكيماً سياسياً، محباً لشعبه وذلك يظهر من خلال تعامله مع المظاهرات المنددة بحكمه وبحكومة الشيخ تاج الحسيني بعهده والتي انطلقت في حلب، فلم يعتقل منها أحداً بل تفهم فورة الشعب الغاضب والناقم على الاحتلال الفرنسي وخاصةً أن هذا الشعب كان تواقاً للاستقلال ولتوقيع معاهدة استقلال تضمن للشعب حريته وكرامته وجلاء الاستعمار الفرنسي عنه.

 

 

من أهم الأحداث التي شهدها عهد الرئيس العابد هو (الإضراب الستيني) وهو أطول إضراب بتاريخ سوريا والدول العربية عامة، ويقال أن هذا الإضراب كان مدعوماً من الرئيس العابد شخصياً كما ذكر يوسف الحكيم في مذكراته، وملخص هذا الإضراب أن الحكومة الفرنسية بقيت تماطل بموضوع توقيع معاهدة استقلال سوريا عن فرنسا، ما أدى إلى هيجان شعبي شديد ترافق مع الاحتفالات بمرور أربعين يوم على وفاة القائد إبراهيم هنانو، وإغلاق مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وبقية المحافظات وملاحقة أعضائها، ما أدى إلى إعلان الإضراب في سوريا والذي استمر لمدة ستين يوماً في دمشق وأسابيع في المحافظات الأخرى وامتد إلى بيروت، اضطرت القوات الفرنسية بسببه مرغمة على القبول التفاوض مع السوريين لتوقيع معاهدة استقلال معهم، انتهى الإضراب في 8 آذار 1936 بعد أن قام زعيم الكتلة الوطنية هاشم الاتاسي بقص شريط حريري في منطقة الحميدية بدمشق معلناً انتهاء الانتداب الفرنسي بدمشق.

 

 

في 21 من آذار 1936 ذهب وفد سوري كبير برئاسة هاشم الأتاسي لمفاوضة الفرنسيين من أجل توقيع معاهدة استقلال سورية وانتهى المفاوضات في 21 كانون الأول 1932، وعند عودة الوفد من المفاوضات ذهب بالقطار إلى حلب فاستقبل استقبال الأبطال وخرجت آلاف من الجماهير مرحبة بعودة هذا الوفد، ولمع اسم هاشم الأتاسي زعيم الكتلة الوطنية ورئيس الوفد المفاوض للفرنسيين كشخصية سياسية وطنية قادرة على قيادة سورية مابعد المعاهدة السورية الفرنسية لنيلها استقلالها التام.

 

 

هاشم الأتاسي رئيساً وبداية (العهد الوطني):

 

في هذه الفترة من العام 1936 جرت انتخابات نيابية جديدة أسفرت عن فوز أعضاء الكتلة الوطنية بغالبية الأصوات، وفي 21 كانون الأول 1936 اجتمع المجلس النيابي وتم انتخاب فارس الخوري رئيساً للمجلس، وبنفس الجلسة كان الرئيس محمد علي العابد قد تقدم باستقالته من رئاسة الجمهورية وذلك لأنه رأى أن هناك من هو أقدر منه على تمثيل سورية في هذه الفترة بالإضافة إلى أنه تعب من ممارسة العمل السياسي بسبب سنه الكبير، في هذه الجلسة تلا فارس الخوري رئيس المجلس النيابي استقالة الرئيس محمد علي العابد وتم انتخاب الرئيس هاشم الأتاسي بالإجماع ليكون رئيساً للجمهورية السورية.

 

 

هاشم الأتاسي البالغ من العمر ثلاثاً وستون عاماً، والمحنك سياسياً بعد أن شغل الكثير من المناصب السياسية ومنها رئاسة المؤتمر السوري عام 1919، وهو الذي أسس مايسمى (الكتلة الوطنية) هو وعدد من أصدقائه الوطنيين منهم إبراهيم هنانو وعبد الرحمن الكيالي وانتخب أول رئيس لها في العام 1927، كان يرغب هو وأصدقائه بأن يحققوا إنجازاً كبيراً وذلك في سبيل عملهم على استقلال سوريا استقلالاً تاماً من أي تواجد فرنسي على أرضها.

 

 

كان الأتاسي يعمل على أساس استقلال سورية، ولم يدخر جهداً أو وقتاً إلا وبذله في سبيل استقلال بلده، وبعد إبرام معاهدة عام 1936 مع فرنسا والتي تتضمن بنودها استقلال وحدة واستقلال الأراضي السورية استقلالاً تاماً، قام في 27 كانون الأول 1936 بإصدار مرسوم يتضمن التصديق على هذه الاتفاقية وإرسالها للبرلمان الفرنسي للتصديق عليها.

 

 

أصر الأتاسي على عودة كل من دولة العلويين وجبل الدروز ولواء اسكندرون إلى وطنهم الأصلي سوريا، ووحدتهم المالية والاقتصادية مع هذا البلد، إلا أن الفرنسيين قاموا بإعادة الارتباط بين دولة العلويين وجبل الدروز وبين وطنهم سوريا، وتابعوا مماطلتهم فيما يتعلق بانضمام لواء اسكندرون.

 

خرجت في عهد الرئيس الأتاسي عشرات المظاهرات في كل من دمشق واللواء منددة بعدم التوصل إلى اتفاق لعودة اللواء إلى وطنه الأم سوريا، كما نددت بعدم تصديق اتفاقية 1936 من قبل البرلمان الفرنسي.

 

 

اكتشفت الحكومة الوطنية والرئيس الأتاسي، أن الفرنسيين يتلاعبون بحق الشعب السوري، وخاصة بعد تراجعهم عن تصديق اتفاقية عام 1936، وتوقيع اتفاقية بين تركية وفرنسا في 4 تموز 1938 تقضي بضم اللواء إلى تركيا وتسميته بإقليم (هاتاي) وجعل مركزه انطاكية التركية.

 

copy rights © syria-news 2010