نتحدثُ كثيراً عن تاريخ سوريا، لا من دافع حبنا لوطننا فقط، بل من دافع الغيرة عليه، ومحاكاة منا لماضٍ مجيدٍ انصرم، وحاضرٍ دموي يأبى النزوح خارج بلادنا بل يجعلنا نحنُ النازحين.

وعلى الرغم من عظمة التاريخ السوري وعناصره من نساءٍ ورجال، إلا أن هذا الماضي لايخلوا من بعض المواقف المضحكة، التي قام بها بعض الأشخاص المسؤولين في البلد والذين ربما نبرر لهم مواقفهم لأن نواياهم كانت طيبة، إلا أن النوايا الطيبة لاتكفي لتنفي عنهم صفة الخطئ الفادح من قراراتهم الطريفة ....
 

وقد نشرت صحيفة المضحك المبكي في عددها الصادر بتاريخ 15/11/1952 مقالاً بعنوان (ليس الماضي كلهُ عسلاً ....) وأوردت بعض الأمثلة عن المواقف المضحكة التي قام بعض الموظفيين السوريين خلال أدائهم لوظائفهم، جاء في المقال:
 

• هذه قصة يعرفها الأخ حسني بك البرازي لأنه كان يومها رئيساً للوزارة وكان التهريب على الحدود على قدم وساق ....
 

فقد اجتمع مجلس الوزراء برئاسة حسني بك واتخذ عدة قرارات لمكافحته والضرب على أيدي المهربين، وبعد بضعة أيام شعرت الوزارة بأن التهريب لا يزال قائماً وبأن قراراتها لم تنفذ، فركب حسني بك سيارته وقصد تلك الحدود ليشرف بنفسه على عملية المكافحة وغيرها ويسأل عن سبب عدم تنفيذ القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء بهذا الشأن، فاجتمع بالموظف المختص وسأله:
 

لماذا يا ابني لم تنفذ القرار الذي أرسل إليك ولم توقف الجمال الكثيرة التي كانت تحمل الحبوب إلى الخارج ؟؟؟؟
وهنا اخذ حضرة الموظف يحمر ويصفر ثم راح يتمتم في فمه كلمات غير مفهومة ...
فقال له حسني بك: احكي الصحيح أنا أعرفك رجل تقي وصاحب دين ولاتكذب ...
وهنا تشجع الموظف وقال له: الحقيقة أني "بيت استخارة" فرأيت أن الأوفق للمصلحة أن أرجئ تنفيذ هذه القرارات إلى وقت آخر ....
ولا تسأل أيها القارئ ما هو الجواب الذي أجابه به حسني بك فإننا نعتذر نشره ويمكنك أن تقدر ماهو من نفسك لو استعملت ذكائك ....
 

• وهناك موظف كبير أيضاً، كبير جداً، وقد كتب تقريراً سياسياً سرياً خطيراً اعتقد أنه ما زال محفوظاً في إضبارة الوزارة، وقد جاء في هذا التقرير ماخلاصته بانه إذا كانت البلاد العربية جادة في التغلب على إسرائيل وقاصدة أن تعرف خفايا تلك الدولة وأسرارها، وإذا كانت تنوي حقيقة أن تهيمن عليها، وتستولي على مقدراتها وتثار لكرامتها فليست هناك سوى طريقة واحدة حديثة ومبتكرة قرأتها بإحدى المجلات الأجنبية، ألا وهي طريقة "التنويم المغناطيسي" لذلك انصح مندوبي الدول العربية في اجتماعاتهم أن يفكروا بهذا الموضوع، إذ لا سبيل للتغلب على إسرائيل إلا عن طريق التنويم المغناطيسي ....
 

ولسنا ندري ما إذا كان رأي الوزارة بمثل هذا التقرير ولكنه على كل حال تمت قرائته وحفظه وصاحبه مايزال على رأس وظيفته ......
 

• وكان في حوران محافظ لا يزال حتى يومنا هذا حياً يرزق ويقال بأنه إداري قديم، ففي ذات يوم أخذ الأمين العام في وزارة الداخلية يطالع التقارير الواردة من المحافظات فإذا به أمام تقرير مكتوب على أنه هام ومستعجل، وقد ورد من محافظ حوران فترك الأمين العام جميع التقارير وأخذ يطالع هذا التقرير الهام، فإذا هو إخبار من المحافظ إلى الإدارة المركزية بأنه: "حدث عندنا خسوف في الشيخ مسكين بحوران" فأخذ الأمين العام هذا التقرير واطلع عليه الوزير ليبرهن على عبقرية هذا الموظف ...
 

أما ماذا قال الوزير عندما اطلع على هذا التقرير فإننا نتركه لذكاء القارئ.
المضحك المبكي 15/11/1952

هذه بعض القصص المضحكة المبكية التي حدثت في بعض الدوائر الرسمية في سوريا في خمسينيات القرن الماضي، ولكن كم تغدو هذه القصص على طرافتها وندرتها جميلة ورائعة أمام قصص الرشوة والفساد التي تحوم حول معظم موظفينا على اختلاف درجاتهم .....