2015-05-30 12:54:18
أميركا و «داعش».. صحيفة الحياة اللندنية

مصطفى زين

إلغاء «داعش» الحدود بين العراق وسورية، تطبيق عملي لأيديولوجيته القائمة على وحدة الأمة تحت راية «الخلافة»، فالتنظيم مثل معظم الأحزاب السياسية الإسلامية، لا يعترف بالدولة القومية أو الوطنية، ولا بهويات الشعوب أو تميّزها طالما أنها مسلمة. أما غير المسلمين فلهم قوانين خاصة تضمن ولاءهم لـ «الخليفة»...


 

 هذه من البداهات في فكر الإسلام السياسي مهما اختلفت تنظيماته أو شيعه أو فروعه، منذ نظّر سيد قطب لـ «الإخوان» وما قبل ذلك وبعده في المغرب والمشرق، فلا هوية للمسلم غير هويته الدينية. من هنا كان الصدام بين هذه التنظيمات من جهة، والأحزاب القومية أو الشيوعية من جهة أخرى، ومن هنا كانت مقاومتها للحكومات ذات التوجه الوطني والعلماني، باعتبارها ملحدة أو كافرة تجزئ الأمة على أسس جغرافية وعرقية.

«القاعدة» وفروعها، مثل «النصرة» و «داعش»، لا تشذ عن هذه النظرة إلى الحكومات الوطنية والقومية، ولا إلى المجتمعات وكيفية «تربيتها»، ولا إلى الشعوب وطريقة إدارة شؤونها الدينية والدنيوية، ولا إلى الدول وعلاقاتها بالشعوب (الصحيح أن نقول الرعايا).

منذ انطلاق «الربيع العربي» وقبله، كانت الولايات المتحدة ترصد هذا الفكر وهذه التنظيمات، خصوصاً في المشرق، وتحاول تجيير حراكها لحماية مصالحها. هذا ما فعلته لدى احتلالها العراق عندما سرّحت الجيش وألغت المؤسسات القائمة، وسلمت السلطة للأحزاب الدينية، مثل «الدعوة الإسلامية» و «المجلس الأعلى» وفروعهما الطائفية، واستصدرت قوانين تجرّم حزب البعث و «تجتثه» قيادة وفكراً. لكن الأحزاب الدينية التي تقوم أيديولوجيتها على إلغاء الحدود، ألغتها مع الخارج وبنت حدوداً مذهبية في الداخل. وها هي منظمة «بدر» و «حزب الله» العراقي وباقي فصائل «الحشد الشعبي» تتنافس مع «داعش» على إلغاء الحدود مع سورية، فـ «الحشد» يطمح إلى الاتصال بمؤيدي النظام في دمشق، بينما التنظيم يطمح إلى تعزيز مواقعه من الموصل إلى حلب، ومن الأنبار إلى مثلث الحدود السورية - العراقية - الأردنية. من هنا كان موقف واشنطن المتردد في دعم الجيش، والمعارض مشاركة «الحشد» في تحرير الأنبار بحجة أنه مكوّن من ميليشيات طائفية. فليس من مصلحتها اتصال هذه الجماعات مع مثيلاتها في الجانب السوري، والقضاء على «الدولة الإسلامية» التي أعلنها «داعش»، وهي التي دعمت كل الحركات الإسلامية في الشام، سياسياً وعسكرياً للتضييق على النظام وإسقاطه.

هذا كله كان مجرد تحليل مبني على الواقع من دون أن تدعمه أي وثيقة، فضلاً عن أن تصريحات المسؤولين الأميركيين تنفي ذلك نفياً قاطعاً، لكن الأمر تأكد بعدما استطاعت مؤسسة «judicial watch» الحصول على وثائق سرية من وزارة الدفاع، بعدما ربحت دعوى قضائية، بناء على قانون الشفافية، تثبت ما كان مجرد تحليل أو استنتاج منطقي.

نشرت هذه المؤسسة الوثائق تحت عنوان «تقرير سري للبنتاغون يكشف أن الولايات المتحدة خلقت الدولة الإسلامية (لتستخدمها) أداة لإطاحة الأسد». وفي الوثيقة، تفاصيل تؤكد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين دعموا «القاعدة» خلال عقدين لاستخدامها واجهة لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية. ولم يكن «داعش» سوى «القاعدة» رقم اثنين. والوثائق تعود إلى عام 2012، وفيها أن وزارة الدفاع توقعت (وشجعت على ذلك) احتمال تأسيس إمارة إسلامية في شرق سورية (الحسكة ودير الزور)، وهذا بالضبط ما تريده القوى الداعمة للمعارضة لعزل النظام السوري، الذي يعتبر عمقاً استراتيجياً للتمدّد الشيعي (من إيران مروراً بالعراق).

والآن، هل تبدل موقف الإدارة الأميركية، بعدما ظهرت الإمارة وامتدت إلى الموصل؟ ليس من وثيقة تدعم اتهامها بالاستمرار في تبني «داعش»، وليس من وثيقة تؤكد العكس. لكن إذا أخذنا مواصلة واشنطن الحروب، بالأصالة أو بالواسطة، لتحقيق استراتيجيتها في المشرق، في الاعتبار، نستطيع الاستنتاج، بكل بساطة، أن إطاحة الأنظمة وتقسيم الدول على أسس طائفية هما الهدف الذي بدأ يتحقق، مع بعض العثرات هنا أو هناك.

مرة أخرى، أميركا والتنظيمات الطائفية تلغي الحدود مع الخارج وتبني حدوداً مذهبية في الداخل.


copy rights © syria-news 2010