2015-03-28 19:11:58 | ||
خرائط تُرسم بدماء السوريين... صحيفة السفير اللبنانية |
||
معتز حيسو أياً يكن الموقف من الحدود الجغرافية التي رسّمها «سايكس ـ بيكو»، فإنها كانت مدخلاً إلى ضبط آفاق تطور المجتمعات العربية، وتركيبة الأنظمة السياسية وآليات اشتغالها. وانطلاقاً من تلك الخرائط، تم تفتيت الجغرافيا الطبيعية، وتأطير وتنضيد المجتمعات والحكومات العربية ضمن كيانات مغلقة على ذاتها... من حينها كان يتم الاشتغال على وضع الدول العربية في سياق تطور كولونيالي يُغلق آفاق التطور المستقل، ويضع مستقبل هذا التطور في سياق التبعية الاقتصادية والارتهان السياسي. وكان يتجلى ذلك من خلال الضغط على الحكومات العربية في سياق التحكّم بتركيبتها وضبط بنيتها السياسية وآليات اشتغالها، لفتح الحدود والأسواق أمام السلع والرساميل، والتخلي عن الضوابط المالية والاقتصادية وتخفيض الرسوم الجمركية، واعتبار تدخل الدولة في السياسات الاقتصادية من أسباب إعاقة التنمية والتطور وحرية التجارة والتبادل والتوظيف والاستثمار. والهدف من ذلك فرض «دولة الحد الأدنى»، أي دولة منزوعة الفاعلية الاجتماعية والاقتصادية. هذا في وقت بات واضحاً فيه أن أي مشروع تنموي في ظل العولمة يحتاج إلى أشكال من التعاون والتضامن والتكامل، تتجاوز الحدود الجغرافية والأشكال السياسية الراهنة والأطر الوطنية السائدة. أما الحرب الدموية التي تجتاح العديد من الدول العربية، فإنها تشير إلى إمكانية ولادة خرائط لدويلات وكيانات «وظيفية» جديدة، وذلك في سياق إعادة هيكلة الأوضاع العربية. أي أننا نقف على عتبة تحولات تحمل ملامح التزاوج بين مشاريع مُعدة مسبقاً، وأخرى يتم الاشتغال على إعدادها حالياً. والأخيرة ترتبط بشكل مباشر بالصراع الدائر بين مشاريع دولية وإقليمية كبرى. وخطورة تلك المشاريع لا تقف عند حدود إعادة تقسيم الدول والمجتمعات العربية انطلاقاً من توظيف المكونات الأولية سياسياً، بل تتجاوزها إلى توظيف دمائنا في رسم الحدود الجديدة، وتحويلنا إلى وقود لمشاريع دولية تقوم بتنفيذها أدوات داخلية، وأخرى عابرة للجنسية والحدود. وذلك يعني أننا سنغرق أكثر من السابق، في مستنقعات التخلف والتبعية والارتهان، ونعود القهقرى إلى عصور التخلف والظلام. وإذا كان الدفاع عن حدود «سايكس ـ بيكو»، من سمات المرحلة الماضية، فإن المرحلة الراهنة تُنتج من يدافع عن كيانات وتشكيلات وكانتونات سياسية وظيفية (طائفية أو إثنية أو عشائرية) يتم الاشتغال على توليدها. وهذه التحولات في حال تحقّقها، ستقود إلى تقويض الإمكانيات التنموية كافة: اقتصادية واجتماعية وسياسية. ويدلل على ما تقدمنا به الحوار الذي نشرته صحيفة عربية مع رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، قال فيه إن الحدود الموروثة من «سايكس ـ بيكو» كانت مصطنعة، وان حدوداً جديدة تُرسم الآن بالدم في العراق وسوريا واليمن. كما ذكرت بعض وكالات الأنباء أن اجتماعا عُقد في مدينة القامشلي للتنسيق بين القوى الديموقراطية السورية وبين «المجلس الوطني الكردي» و «الاتحاد الديموقراطي الكردي»، قدّم فيه ممثل الاتحاد الديموقراطي الكردي، خريطة جديدة لما سماه كردستان سوريا، ضمت الأقاليم الكردية في وحدة جغرافية متصلة، واعتُبرت الخـــريطة الجديدة تمهيدا للمطالبة بتحويل سوريا إلى دولة فيدرالية. من موقع آخر، صرّح مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي إن «إيران أصبحت اليوم إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها حالياً بغداد وهي مركز حضارتنا وثقافتنا كما في الماضي.. وجغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك». وفي سياق هجوم يونسي على التطرف الإسلامي والعثمانيين الجدد والسعودية والغرب والصهيونية يقول: إن «كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية». من المعلوم أن من يقبض على الأرض ويتحكم بمجرياتها سيكون له الدور الأبرز في تحديد الآفاق المستقبلية لدول وشعوب المنطقة. لذلك، فمن الممكن أن يكون الإيرانيون أكثر المستفيدين من التحولات التي تمر بها المنطقة العربية. ويتزامن اشتغال القيادة الإيرانية على توظيف الأوضاع العربية، في تأمين إطلالة على البحر المتوسط والسيطرة على باب المندب، والتموضع على الحدود السعودية – اليمنية، مع مواجهتها لقوىً على ضفة مقابلة أو أكثر، أبرزها السعودية وتركيا وقطر وإسرائيل، للهيمنة على سياق التحولات في دول «الربيع العربي». ويتجلى ذلك من خلال إدخال سوريا والعراق واليمن وليبيا في سياق صراعات محمولة على مصالح قوى إقليمية ودولية. وما «داعش» و «جبهة النصرة وغيرهما، إلا أدوات تعمل على تحويل المناطق التي تسيطر عليها إلى إمارات وكيانات دينية، وهي لا تعدو كونها إرهاصات لمشاريع أكبر وأخطر. والصراع الذي تقوده سوريا وإيران وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وتركيا وقطر من جهة ثانية، هو صراع سياسي، لكنه محمول في أحد مستوياته، على حوامل طائفية. وداخل كل منهما تناقضات بينية لا يمكننا تجاهل تداعياتها. وفي سياق الصراع بين تلك المشاريع، ما زالت تتولد فقاعات دينية وإثنية ومذهبية سرعان ما يتم سحقها بمحدلة المشاريع الكبرى، أو بفعل التناقضات البينية لأطراف الصراع وأدواته والخرائط التي يتم العمل على إنجازها، سواء كانت تعبيراً عن أحلام إمبراطورية، أو كيانات وإمارات مذهبية ودينية، ستكون تعبيراً عن إرادة المنتصرين ومصالحهم. وهذا يستدعي التأكيــــد على أننا نقف على عتبة تحـــولات مصيرية تتجاوز حدود اللحــظة التي سيتم فيها الإعلان عن التسويات الكبرى. ففي صراع المصالح والسياسات الدولية والإقليمية، وتداخل أبعادهما ومستوياتهما في العراق ودول «الربيع العربي»، يتم تدويل الصراع وتحويل أطرافه إلى أدوات. لذلك، فإن أي تسوية سياسية ستكون تعبيراً عن مصالح الدول التي تقود الصراع، وتشارك فيه بشكل مباشر وغير مباشر. |
||
copy rights ©
syria-news 2010 |