فاروق يوسف
ما الذي يعنيه أن يكون الأسد جزءا من حل مقترح للمسألة السورية؟
الرئيس الأسد بنظامه هو احد عناصر المأزق في بلد
تمزقه الحرب منذ أكثر من ثلاث سنوات. ربما كان الرجل في الماضي عنصرا رئيسا، غير
انه وبعد ان تم تدويل الحرب في سوريا صار واحدا من أطرافها المتعددة ليس إلا.
حينها لم يعد في إمكان أي طرف من الأطراف التي تورطت في اشعال نار تلك الحرب أن
يطفئها حتى لو توفرت لديه النية الحسنة للقيام بذلك.
فبعد أن تم اختراق الاجندة الوطنية، مفترضا هنا وجود مثل تلك الاجندة لدى النظام
والمعارضة معا، لم يعد الحل الوطني موضوعا على طاولة التطبيق.
ولكن احدا في السابق لم يقترح حلا مشرفا يقوم على اساس الحوار الوطني.
فالنظام فهم ذلك الحوار على طريقته، من جهة كونه الجهة الشرعية الوحيدة وهو ما
أوهمه بقوة، أثبتت الوقائع أنها لم تعد كفيلة بحسم الامور لصالحه.
البطش القديم صار يستدعي اصرارا على الاستمرار في مقاومة، لم يكن يتخيل النظام
وجودها في اساس نظرته إلى الشعب.
اما المعارضة وقبل أن تصبح معارضات فإنها في الاصل لم تكن تميل إلى الحوار بسبب يأس
قديم أفرزته ورسخته تجارب تاريخية مريرة، خرج منها دعاة الحوار مهزومين، بعد أن
دفعوا ثمن دعوتهم للحوار الديمقراطي سنوات طويلة من السجن. جماعة اعلان دمشق مثال
بارز في هذا المجال.
وهكذا فان الطريق كانت مسدودة منذ البداية.
لم تكن التسوية بين الطرفين تتطلب تقديم تنازلات من هذا الطرف أو ذاك، بقدر ما كانت
تحتاج إلى ثقة متبادلة لم يكن في الإمكان العثور عليها أو اختراعها، في ظل الخضوع
للمعايير التقليدية التي ضيقت الخناق على الجميع.
لقد رفعت المعارضة شعار اسقاط النظام الذي تم استبداله بمطلب تخلي بشار الاسد عن
السلطة، وهو المطلب الذي يتضمن بالضرورة اسقاط النظام الذي يقوم اصلا على عقيدة
الولاء للرئيس. وهو ما يعرفه الموالون والمعارضون على حد سواء.
لهذا فإن ذلك المطلب لم يكن عمليا على صعيد الواقع.
في المقابل فان اقتراح دي ميستورا، مبعوث الام المتحدة الى سوريا أن يكون الاسد
جزءا من الحل هو الآخر اقتراح غير عملي، لتعارضه مع طروحات المعارضة السورية التي
لم يعد في إمكانها بعد كل هذا القتل والتشريد والانتهاك والخراب أن تقبل حتى على
المستوى النظري ببقاء الرجل الذي تلقي عليه تبعة كل ما جرى في سوريا من جرائم. حتى
أن البعض وصل إلى قناعة مفادها أن داعش هو اختراع أسدي، اتخذ من التطرف الديني
قناعا له.
ربما كان اقتراح دي ميستورا تعبيرا من الرجل عن شعوره بالاحباط، وهو يعرف جيدا أن
الحل الاممي قد التحق بالحل الوطني إلى الغياب.
لقد تم دفن الحل الوطني في وقت مبكر من الصراع اما الحل الاممي فقد تأخرت مراسم
دفنه، في محاولة من قبل الدول الراعية للحرب في اطالة أمدها وزيادة عدد ضحاياها
واتساع دائرة الخراب الذي تحدثه.
لم يعترف أحد أن الوضع في سوريا كان منذ البدء معقدا. وهو ما يعني أن الحرب لن تزيد
ذلك الوضع إلا تعقيدا. فالأسد الذي هو جزء من الحل باق في مكانه بإرادة دولية. وهي
الحقيقة التي يحاول اغماض أعينهم عنها.
لذلك فإن مصير الاسد لن يقرره السوريون، سواء أكانوا معارضة أم موالاة. لا فرق بين
هذا وذاك. فالكابوس السوري لا يتغذى الآن على الزعتر والحمص والمناقيش والزيتون، بل
صار غذاؤه يُجلب من مطابخ عابرة للقارات، متخصصة في تلفيق الاطعمة الفاسدة.
|