2010-09-14 13:00:40
ÇáãÓÇåãÇÊ Ýí åÐÇ ÇáÈÇÈ áÇÊÚÈÑ ÈÇáÖÑæÑÉ Úä ÑÃí ÇáãÑßÒ
طراد . أم القدر ... بقلم : الشيخ عبد القادر الخضر

الدعاء ان تقبله الله سبحانه وتعالى مقرون بالاستجابة ..


لم تكن سيارات التكسي بمدينة حلب من الكثرة في بدايات القرن الماضي فعامة الناس تستخدم الدواب إلاً الميسورون منهم .. وكانت السيارات يمكن أن تباع بدون أوراق إثبات الملكية وان تم طلبها يمكن تزويرها بسرعة . وكان بعض اللصوص يقوموا بسرقة السيارات من لبنان ويبيعونها في سوريا ومن سوريا تباع في الأردن.

وهكذا وكان الشاب حسن  ، من سكان حلب وكان وحيدا لأمه الأرملة على نصف دزينة من البنات بعد وفات والده القادم من الرقة ، وكان حسن اسم على مسمًى في الخلق والشكل واللباقة والسيرة ..

وكان سعيداً في عمله وأسعد بأسرته فقد كانت أخواته يزفنًه لدى عودته من الباب حتى المقنطرة كالعريس يوميا\". وهي ساحة مبلطة بالحجر في البيوت الحلبية القديمة وهي أبرد نقطة في البيت وخاصة في فصل الصيف . من عادة حسن عند الساعة التاسعة يشتري مستلزمات البيت من الخضار والخبز .

وحينما اقبل على سوق بانقوسا الشهير أشار له رجل كبير الجثة فارع الطول متوسط العمر مميز بشاربه الطويل وعيناه اللواتي تتقدان وحادات النظر .

توقف حسن بمكانه أمام الرجل لأن الطريق مزدحم بالحمير والبغال وعربات الجر الحناتير اقترب الرجل الطويل من سائق التاكسي وانحنى وبصوت كفحيح الأفعى قال : أريد من أن توصلني إلى منطقة الجبول ... هناك لي رفاق أريد رؤيتهم وهم ينتظروني وكم تكلف السفرة أدفع لك ..

لم يرتح حسن للرجل لكنه في قرارة نفسه كان شجاع ومشهود له بالصراع مع شباب الحارة في باب الحديد فهو العكيد على سن ورمح .. واخرج الطويل رزمة من الليرات السورية حينما رأى النقود .. تردد حسن .. وبلع الطعم وقال له أريد خمس ليرات وهذا المبلغ يعادل عمل أسبوع له في المدينة وافق الطويل فورا ونفحه المبلغ مقدما .

وفتح الباب وجلس بجانبه .. قال له حسن : رمضان كريم فأنا صائم وأسرتي وأطلب منك أن تمنحني بعض الوقت لأشتري لعائلتي مستلزمات طعام الإفطار رد بسرعة الرجل الضخم وهو يتمطى بمقعده خذ راحتك طالما نحن سنسير بعد ذلك .

نزل حسن إلى قصاب معين كان والده يشتري منه لحمة البيت وبجواره عدة محلات لبيع الخضار واشترى كل ماطلبته أمه ولم ينس أن يذهب إلى الفرن ويشتري الخبز الفقش .. الذي كانت رائحة المحلب وحبة البركة تفوح من الأرغفة برائحة زكية تفتح شهوة الإنسان ليأكل ذاك الخبز بدون ايدام ...

أحس حسن بانقباض في صدره لكنه توكل على الله وغره ثقته بنفسه بأنه عكيد الحارة بدون منافس حتى الآن ولم يظهر في الحارة من لوى ظهره أو رماه أرضا ... أدخل الحاجات التي اشتراها إلى بيته وودع والدته وزوجته وأخواته الصبايا والصغار مع بناته الاثنتين ... ونظر باتجاه أمه الصالحة والتقت عيونهم مع بعض وكأنما أمه استشفت أنه يطلب منها الدعاء له في هذا اليوم الرمضاني الكريم فرفعت يديها إلى السماء وقالت : الله يكفيك شر الناس وأسأل الله العظيم بحق اسمه العظيم أن يحميك ويردك إليً ياولدي سالم غانم ...

وأحس بوحشة وانقباض في صدره من هذه السفرة .. وخرج وجلس خلف المقود ودعا بدعاء السفر وزاد عليه آية الكرسي من سورة البقرة .. وتمتم أدعية كثيرة في قلبه لأن الرجل الجالس بجانبه كان صامت لايتكلم إلا بقوله : بسرعة خلينا نطلع من حلب .. لم ينتبه حسن إلى وجه الراكب الذي يديره ويخفيه كلما صادفهم دركي ( شرطي ) بالطريق ... ووصلوا إلى طريق البادية الذي يصلهم بمنطقة بحيرة الجبول والتي كانت تزود سوريا والبلاد المجاورة بالملح الجبولي النقي والمستساغ في الأطعمة .

لقد بشر الموسم على بدايته . وكلما أوغل بالصحراء كانت نفسه تنقبض .

وهو يسير على طريق ترابي مميز بحوافر الحيوانات أكثر من أثر عجلات السيارات ، وما إن توغل في بادية الجبول بقرب البحيرة حتى دب الرعب في فرائصه وكاد يكشف نفسه للراكب .. الذي كان كلما أوغلوا بعمق الصحراء كلما انفرجت أساريره .

كان يرقبه من زاوية عينه وفي مكان منخفض قريب من البحيرة طلب منه الراكب الوقوف .. فتوقف على مهل وعينيه تدور في أنحاء المكان فقال في نفسه لاطير يطير ولا حتى وحش يسير .. ماهذا المكان المغفر يارب أسالك العون . قال حسن بعد أن استجمع قوته أين رفاقك الذين ينتظرونك .. رد الراكب وصلنا هذا موعدنا بهذا المكان وقهقه فبرزت أسنانه السوداء التي لاشبيه لها سوى أنياب الذئاب . وفجأة أشهر مسدس كان يخفيه بطيات ثيابه وطلب من حسن النزول من السيارة وأن يرفع يديه وينبطح على الأرض وهو مباعد مابين رجليه .

لقد كان يقهقه ويزمجر أحيانا لقد انقلب إلى هيئة وحش ولا يمت للإنسانية بصلة .

نفذ حسن ما طلب منه هذا الوحش لكنه استدار ناحيته وهو يقول خذ ما عندي من المال وخذ السيارة واتركني أعيش لنسوة وبنات صغار ليس لهم معيل غيري إنهن زغب الحواصل .. تكلم بصوت جلي اقرب للزعيق الراكب وهو يقهقه

"ما سمعت عن طراد ياول .."

 رد حسن بلى ولكني حسبتك رجل محتاج لمساعدة .. قهقه طراد ثانية وهو يزأر كالوحش حينما ينقض على فريسته .

ردد قوله حسن وهو يستعطفه خذ السيارة وما عندي من نقود وبيني وبينك عهد الله لن أشي بك أو أفتح فمي بكلمة عنك فقط اطلب منك أن لاتقتلني من أجل عائلتي ..

قهقه طراد وصاح "أنت ماتعرف طراد كبير الحنشل .. في بادية حلب بعمره ماعفى عن أحد ... ولكن من أجل خاطرك سوف أقتلك قتلة تليق بدعائك واسترحامك لي .. وأخرج من داخل ثيابه حبل رفيع متين كان يخفيه بداخل ثيابه . وجلس على ظهر حسن حاول حسن التملص من وزنه والانقلاب عليه ليصارعه لكن طراد كان مسيطر عليه بشكل تام وكل محاولات وحركات عكيد الحارة باءت بالفشل .

واستطاع طراد تكتيف حسن وتركه جثة على الأرض المملحة بطبقة رقيقة من الملح مما زاد في معاناة حسن وزيادة على هذه المعاناة من تأثير الصوم .. وقهقه طراد وهو يقول كثير غيرك أجيبهم إلى هذا المكان وأقتلهم بطلقة واحدة على الرأس وأذهب بالسيارة إلى بيروت وأبيعها هناك ولكني سوف أقتلك بدون رصاص لأنك وجعت قلبي وقهقه ضاحكا مستهزئا سوف أهشم رأسك تهشيم حتى تموت ..

ولم يكن في هذه الأرض المنبسطة مثل راحة الكف على مد البصر أي شيء بارز سوى صخرة كبيرة يمكن حملها على بعد خطوات فأرجع طراد مسدسه وأخفاه في ملابسه وذهب باتجاه الصخرة , وحاول اقتلاعها من الأرض ليحملها وهو يقهقه .

وفجأة صرخ صرخة عظيمة .... وهرول باتجاه حسن المكب على وجهه المربوط من يديه ورجليه . كان يصيح ويصرخ كمن مسه طائف من الجن حية .. عربيد .. لدغتني ... آخ . آخ . آخ ...

وسقط على الأرض بعيدا عن حسن عدة أمتار .. فاقد الحركة ساكنا والزبد يخرج من فمه المفتوح كالمغارة.. وعيونه كعيون عفاريت العجائز في القصص المروية عنهنً ...استطاع حسن أن ينقلب ويستطلع الموقف الذي أصبح فيه ورأى على البعد أفعى رقطاء عادت إلى ظل الصخرة التي حاول طراد اقتلاعها ليقتله بها وأيقن حسن بتدخل السماء لتخليصه من محنته .. والقدر له جنود مخفية تتحرك بإرادة السماء متى تشاء ... وقد تدخل القدر من أجله فورا تلبية لدعاء أمه .. ووعدا من الله بتلبية نداء المضطر ان دعاه .

 كان حسن يدعو الله حينما كان يشد وثاقه طراد وأيقن لاملجأ ولا معين إلاً الله بهذه المحنة .. والسماء أبوابها مشرعة لتلقي الدعاء وعلى الخصوص من المظلوم والصائم والمضطر .

وأطلق لسانه بالدعاء وطلب النجدة من الله وحده ... حاول بشتى الوسائل أن يفك وثاقه أو يقطع الحبل لكنً محاولاته باءت بالفشل . فأيقن أنه ميت من العطش في هذه المملحة .. وبينما يرقب الأفق بعينيه لاح له بارق أمل فقد رأى قفل بدو مار باتجاهه وما هي إلاً فترة من الزمن حتى وصلت طليعة القافلة .

ففكوا وثاقه وسجد لله شكرا . وقام بمساعدة البدو بجمل جثة طراد ووضعها بصندوق السيارة .. وودع رجال البدو وشكرهم وعاد إلى مدينة حلب وبالتحديد إلى قسم الدرك في باب الفرج وسلًم الجثة وعرفوه وكانت الحكومة السورية قد وضعت جائزة لمن يسلمهم طراد حيا أو ميتا ... فأخذ الجائزة وارتاح لعدة أيام معتكفا بالمسجد حتى العيد وقام بمعايدة شباب الحارة وكانوا يخاطبونه بالعكيد فقال لهم أنا منذ اليوم تنازلت عن هذا الاسم وأصبحت الطليق ..

لأني أطلق سراحي من كبير الحنشل طراد .

وقص عليهم قصته ،  وقال لأقرانه الدعاء بلسان صادق , قوة كامنة تتحرر لطالبها إن كان صادق الإيمان ومظلوم وأنا أشهد ... وتذكر دعاء أمه له ... ووعد الله للمضطر إن دعاه ..

رويت لي هذه القصة منذ أكثر من أربعون عاما وهي حقيقة وليست خيال .


abood 2010-09-15 13:05:54
وعد الله حق بنصر كل مظلوم
قصة رائعة من واقع معاش وتميزت بخاتمة وعد الله حق أي أن الله يفي بوعده لمن يدعوه صادقا" ومن معدة مليئة بطعام حلال !
-سوريا
فتى الجمًاسة الظاهري 2010-09-15 13:03:13
إلى الأصلع والمشيب كمان !
الصلع دلالة على الذكاء ! بمواضيع محددة ! وكذلك التفرد بقدرات خاصة !! والشيب وقار ! والوقار هو احترام رأي الآخرين ليوقروه ويجلوه ! أمًا كمان في زيادة من البائع للمشتري ! إن لم تكن كمان ! دقي يمزيكا ! العرس بحرستا والطبل بدوما ! دعاء الأم هنا ,وهناك واحد , ومن أدراك أنً الشهيد ميت !! الشهادة مطلب ملح لمن يعرف قيمتها !
-سوريا
شاب مشيب وأصلع كمان 2010-09-15 10:18:47
قصة جميلة تصلح مسلسلاً للأطفال والعاطلين عن العمل
دخلك ودعاء الأمهات في فلسطين وأفغانستان والعراق وأفريقيا ومنغوليا وغابات الأمازون وآسيا وأوربا لماذا لا يستجاب؟ ألسن أمهات أيضاً أم أن الإجابة محصورة لأمهات الشرق الأوسط فقط وليس كل الشرق الأوسط حتى!
-سوريا
زوركوف 2010-09-15 06:07:47
كاتب
نشكرك على هالقصة الممتعة ،
-الإمارات
AMER 2010-09-15 02:02:47
الأم اذا رفعت يديها للسماء لن ترد خائبة !!
رضاء الأم مع الدعاء ! يوافق وعد بلاستجابة ! الحياة مليئة بالمصائب والمشاكل ولا منجي منها الا الدعاء ورضاء الولدين !!1
-سوريا
مسلم 2010-09-15 00:51:01
الله يجزيك الخير ياشيخ
ماشاء الله قصة حلوة وفيها عبرة والله يعطيك الصحة والعافية
-سوريا
hmeed 2010-09-14 17:05:53
بر الأم الأم نجاة من كل المصائب والكروب !
ذكتنا ببر الأم ياشيخنا ! أمثال طراد كثيرين في حياتنا وهم يلبسون عدة ألبسة ويخفون العديد من أنواع الأذى والنجاة منهم هو الدعاء
-سوريا
مأمون المغترب 2010-09-14 16:41:29
حكم العدالة
الله يصلحك يا شيخ عبد القادر , كنت تعطي هذه القصة للاستاذ هائل اليوسفي حتى يحكيها لنا في حكم العدالة
الإمارات
فتى الجمًاسة الظاهري 2010-09-14 16:28:39
ادعوني استجب لكم
قرن الدعاء بلاستجابة ورضاء الأم بحد ذاته دعاء ! لايبدد الخوف الا الايمان بالله ! والتوكل على الله خير الأعمال ! جميلة هذه القصة !شكرا للكاتب
-سوريا
copy rights © syria-news 2010