كثيرا ً ما تقـرأ سيرة حياة أناس مميزين ، وفي كل نواحي الحياة . ويكون في حياتهم  تجربة تستحق الاهتمام فعلا ً ، لما فيهامن تجربة وعبرة وفائدة . وقد كثرت في الآونة الأخيرة موضة : كيف تصبح مليونيرا ً ؟ ويبدو أنها أصبحت اليوم ، كيف تصبح مليونيرا ً وبأسهل الطرق ؟!    

وفي الحقيقة ، فإن أثرياء البلد زاد عددهم في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ ، وليس بالضرورة أن يكون أحدهم سليل أسرة غنية  أو  ابن تاجر ناجح أبا ً عن جـــد ! بل ثمة أناس - وهم كثيرون - كانوا الى عهد قريب ( يد من قدام ويد من وراء ) كما يقال ، لكنهم صاروا وبفترة قياسية من الأغنياء ، مع أن أكثرهم لم يكن في البداية أكثر من مجرد موظف عادي ؟! وهنا بعض النماذج :

** أنت بالأصل فقير ماديا ً . أبوك شيخ جامع بالضيعة ، وكان ذات يوم معلما ً . عندكم كرم زيتون  لا يحوي أكثر من خمسين شجرة ، ودار متواضعة .

 نلت شهادة البكالوريا تشحيطا ً، أيام زمان ، ودخلت في كلية التجارة .. تخرجت بعد أكثر من عشر سنوات ، وتوظفت في المالية ، قسم الجباية . أنت اليوم في سنوات خدمتك الأخيرة ، الله يعطيك العافية ، وراتبك مع راتب زوجتك لا يتجاوز أربعين ألفا ً ، بعد  كل هذه السنين ، ومصروفك كما يبدو للعيان ، لا يدل على أنك تستطيع توفير أي مبلغ من دخلك ، ولم ترث ، ولم تربح في اليانصيب ، ولم تمطر سماؤك فوقك ذهبا ً ، مع أنك لاتفوت أنت وأولادك صلاة جمعة ، أو صياما ً سنة أو فرضا ً .. ولديك اليوم – ما شاء الله – بيت في دمشق ثمنه نحو عشر ملايين ، وسيارة بمليونين ، ومظاهر عيش رغيد أقرب الى أصحاب الثراء الفاحش ، فمن أين كل ذلك ، أرجوك اشرح لـــي ! .

** أنت بالأصل مجرد ابن ضيعة ، أبوك فلاح ، عملت وأنت في المدرسة مع أبيك في الحقل ، فحرثت وزرعت وجنيت .

 ركضت خلف المحراث وأخذت البقرات الى النبع لتشرب .عاركت قسوة العيش ، نلت البكالوريا الفرع الأدبي بالكاد !! تعرفت الى فلان فأخذ بيدك ،  أوصلك زمانك الى بداية مهمة حتى صرت وتصورت ، صار لديك هيبة وروزة ، عندما تأتي الى الضيعة يكون الجميع في استقبالك ، يتقاطرون ليتشرفوا بالسلام عليك ، وطلب العون والواسطة .. لديك سيارات تحت خدمتك ، أنت وزوجتك وابناؤك وحتى والدك في القرية ! راتبك بحدود خمسة وعشرين  ألفا ً، ومصروفك بحدود المائتين ! عندك فيلا بالضيعة ، وشاليه على البحر ، وأسهم في مؤسسة هامة ، وعندما يكون الحديث عن الوطن والوطنية، فتتحدث وكأنك  نموذجا ً ومثالا ً للتفاني والغيرة على الوطن !! ولم ترث ، ولم تربح باليانصيب .. ولم تتعامل مع جهات مشبوهة ،ولم تمطر سماؤك ذهبا ً ، لكنك اليوم نجما ً وملجأ ً لكل قاصد ؟!  والاقطاع في أيام عزه ، لا يساوي أحدا ً من صبيانك !!

أرجوك ، اشرح لي ؟!

** أنت بالأساس ، رجل من عامة الشعب ، لكنك محظوظ ، فحيثما تتجه ، تجد من ينقلك من مكان الى مكان أعلى ، أما لماذا فلا أحد سوى الله والبعض يعلم ! وكلما فشلت في ادارتك حيث تكلف ، تنقل الى دائرة أخرى أكثر أهمية وجدوى ! حتى لا يزعل فلان أو علان ، أ وينكسر خاطرك !!

أكثر ما يستهويك ، المكتب الفاخر والخدم والحشم من حولك، والمزيد من السيارات الفاخرة ، تهوى البريستيج دائما ً .. ولا تسأل عن الكلف والنتائج ، طالما أن الوطن  هو الذي يدفع الفاتورة !

أرجوك ، اشرح لي ؟

والحقيقة ، فكم يناضل الانسان حتى يحصل على لقمة عيشه وأفراد أسرته ، ويظل يناضل ويناضل ، ولكن : مكانك راوح ! لكن أمثال أولئك ، يقفزون مسافات بعيدة في زمن قصير ويصلون ! الأمر فيه سر ولا شك ، وسيرة حياة كل منهم  ذات وضع خاص ، وربما كان في مسيرتهم  مؤشر ما ، وطريق للوصول ، فهل هذا ممكن ؟ أم أن الاستراتيجية العامة لمثل هؤلاء ، هو الحصول على المال  وبأي طريقة كانت ! حتى لو تعارض ذلك مع المفهوم العام لمصطلح الكرامة  ، وصحة المجتمع بشكل عام ! ومن الذي أوصلنــا الى هذه الحــــال  ؟ أرجوكم ، اشرحوا لــــي  !