الفِطرة السليمة و الذوق الرفيع هما ما يميزان بني البشر عن الكثير من الخلائق الأخرى، و لذلك تجد هذه الفطرة متجسدة في نفوس كل البشر بلا استثناء و لو كانوا منحرفين ضالين أو مجرمين،

ففي حال تشارك عدد من اللصوص في عملية سطو على حرز و سرقة ما فيه، فإنهم عندما يريدون تقسيم غنيمتهم التي سرقوها تجدهم يقولون لبعضهم: "لنتقاسم بالعدل كما اتفقنا"... يا للعجب.. أين كان هذا العدل الذي ينشدوه عندما قاموا بالسرقة و أخذوا ما ليس لهم و دنسوا حرمات الأملاك الخاصة أو العامة و لربما قتلوا الناس من أجل السرقة ؟!!

هذا هو ما يسمى بالكيل بمكيالين... مكيال لنا و مكيال علينا و هما غير متساويين... و نرى الكثير ممن يتخذون من أنفسهم مصلحين اجتماعيين و دعاة علم و تحرر و ما هم بالحقيقة إلا عكس ما يقولون... فهم يكيلون بمكيالين و لا يعدلون، لأنهم إن عدلوا و لو للحظة واحدة تتراءى أمام أعينهم شهواتهم التي سيفتقدونها، فيدافعون عنها بالمكيال الآخر مستخدمين شعارات براقة كالحرية و التحرر و الانفتاح و العلم و التطور و المرأة و التكنولوجيا و ما إلى هنالك من ألفاظ منمقة تسر الناظرين، و كأننا في المقلب الآخر لسنا مع هذه المفاهيم!! من منا لا يريد أن يكون حراً متعلماً مواكباً للتطور و ينظر للمرأة من دون أي تحيز أو استغلال.

إن الغلو المضطرد الذي يبديه البعض في طرق موضوع تحرر المجتمع من العادات و التقاليد التي يسمونها بالية تحت ذريعة تحرر المرأة لم يجلب لهم ما كانوا يريدون منه أبداً، و هم يكتشفون يوماً بعد يوم بأن مفهوم تحرير المرأة الذي يسعون له ما هو بالحقيقة إلا استعباد حقيقي لها، و هنا لا نريد أحكاماً من الذكور على هذا الموضوع، المرأة هي التي تعلم في قرارة نفسها بأن حقها تأخذه عندما تعيش معززة مكرمة تمارس كل واجباتها و تحصل على كل حقوقها و ذلك كإنسان عادي مثله مثل الجنس الأخر.

إن من يرفع لواء تحرير المرأة هو نفسه من يتخيلها مسجونة و يحاول أن يوحي لها بذلك تماماً و يقنعها به، و هو كمن يسأل كيف يمكنك أن تخرج دجاجة من زجاجة ماء من دون أن تكسر الزجاجة أو تقتل الدجاجة؟؟ أليس هو من افترض أن هذه الدجاجة داخل الزجاجة!! إذا فليخرجها هو بنفسه... أنا لا أتصور أن المرأة محدودة الحرية، و ذلك تماماً مثلما لا يمكنني أن أتخيل المستحيل و أنه هناك دجاجة داخل زجاجة و عليّ أن أخرجها. فمن هو أسير أفكاره ينظر إلى المرأة على أنها أسيرة مجتمع ، و يحاول أن يستشهد بصور اجتماعية بائسة هي في الحقيقة موجودة في أي مجتمع لكي يقنعنا بأفكاره و تهيوآته و أن المرأة سجينة تحتاج من يحررها... ممن تريد أن تحررها ؟؟ و لماذا تحرر المرأة و لا تحرر الرجل؟؟ هل كل الرجال ينالون حقوقهم؟؟ حسناً لماذا الجميع يتصرف بشكل محترم و مهذب عندما تتسبب مثلاً امرأة ما بحادث سير، و في مكان آخر تبدأ الشتائم و العراك عندما لا يكون هناك امرأة؟؟ أليس من الضروري مساواة الرجل بالمرأة و منحه الاحترام الاجتماعي المفقود منه أيضاً!!! لماذا لا نطالب بتحرير الرجل من العادات البالية ؟؟

ما الفرق بين المرأة و الرجل؟؟؟ كلاهما نفس الإنسانية و نفس الكينونة... و لكن لكل منهما دور مختلف... و الله إني لأجد من يطالب مساواة المرأة بالرجل بطريقة ساذجة سطحية هو كمن يطالب مساواة الرجل بالمرأة من خلال إتاحة الفرصة لهذا الرجل لكي يحمل و يلد.

المساواة المنشودة هي المساواة أمام القانون، حرية التعبير من خلال الانتخاب، حرية التعلم، و أي حرية أخرى يتمتع بها الرجل و تكون مقبولة عرفاً و قانوناً. أما أن نطالب بالحرية و التحرر بشكل عشوائي فإنني لا أظن أنه مطلب أي إنسان رشيد.

يطالب الكثير بالتحرر بطريقة غوغائية تفتقر إلى الرؤيا البعيدة و يعتبر أنها تطوراً و رقياً، فمثلاً عندما يتحدث عن الخطبة و الزواج فإنه يرفض تسليع المرأة، أي تحويل المرأة إلى سلعة، فيعتبر أن الزواج الذي يسميه زواجاً تقليدياً هو تحقيراً لمكانة المرأة التي هي شريكة الحياة في المستقبل، و يرسم صوراً مختلفة لهذا الزواج و كيف أن والدة الخاطب تجوب البيوت تتفحص فيها الفتيات و تعاينهن تماماً كما يعاين التاجر البضاعة. و يأخذ مواقف معينة من تلك الخاطبة أو تلك و ينتقد بالتعميم على كل من هي في طور الخطبة لابنها.

و من جهة أخرى تجد المطالبون بتحرر المرأة يريدون أن تكون الخطبة بطريقة مغايرة، حيث لا يمانع أن يتعرف الشبان و الشابات على بعضهم البعض و يختارون بطريقتهم و يبنون علاقات متفاوتة من أجل أن يقاوموا فكرة الزواج التقليدي متناسين كل المشاكل و العيوب و المحاذير التي تنتج عن مثل هذه العلاقات.

و يتضح الكيل بمكيالين بأسمى صوره عندما يقبل هؤلاء أنفسهم مسابقات ملكات الجمال في العلن، حيث تعامل فيها الفتاة كالبضاعة تماماً أو ربما بإهانة أكبر لن أتطرق إليها، فتارة بثياب السهرة و تارة بثياب اللاثياب أي ثياب العري ( تسمى ثياب البحر اصطلاحاً) و تارة واقفة أو قاعدة أو مبتسمة أو مكفهرة.

أين هو مقياسكم الحكيم في هذا ؟؟ كيف ترضى أن يكون هناك مسابقات عارية لملكات الجمال على الفضائيات العالمية يتم فيها تسيير قطعان الحسناوات من أجل اختيار ومعاينة أجملهن، و لا ترضى أن تدخل أم حنون بيتاً محترماً تدرس ملاءمة زواج ابنها مع الفتاة بشكل مبدئي قبل أن تترك القرار للشاب من جهة و للفتاة من جهة أخرى؟

قد يتحذلق أحدهم و يقول أن مسابقات ملكات الجمال فيها من المزايا المعرفية و العلمية و التي يتم اختبار الفتيات فيها، و هنا أقول له كفانا تضليلاً... بالله عليك... هل يجتمع الجمهور الغفير الذي يتجاوز الملايين من أجل الاستمتاع بثقافة هؤلاء الفتيات؟ إن هذا التضليل ليس له سبيل إلا في العقول المتحجرة و من هم يكذبون على أنفسهم متذرعين بمسوغات غير منطقية و من ثم يصدقون كذبتهم مع الزمن و يدافعون عنا.

يريدون تقليد الغرب في كل شيء متناسين أن هذا الغرب عنده من المشكلات ما يفوق مشكلات مجتمعنا، فهم يريدون التقليد معتمدين على الصور التي تبث إليهم عبر الأقمار الاصطناعية بشكل متحيز، فهم يرسمون الجانب المضيء من القمر و لا يتطرقون إلى الجانب الآخر المظلم.

و قد بدأت ظواهر خطيرة تنتشر في مجتمعنا لم نكن نتوقع أنها ستصلنا كظاهرة المساكنة، هذه الظاهرة ليست إلا قولبة للدعارة في مسمى آخر، حيث بدأت تتضح جلية بين طلاب و طالبات الجامعات حتى أن البعض أصبح يجاهر فيها و يعتبرها تقليداً للحضاريين.

ألا يحق لي في هذا المقام أن أسأل من هم الذين يسعون وراء الزواج التقليدي؟؟؟ التقليدي الذي فيه تقليد للغرب و المنحرفين و المتهربين من المسؤوليات و المتعاطين للمخدرات و المنجبين أولاداً سيتحولون فيما بعد إلى لقطاء ... الخ

هل الزواج الأصلي الراقي هو الزواج التقليدي المُزْدَرَى أم أن زواج الشوارع و المقاهي هو التقليدي للغرب؟؟

إن ما يسميه بعض الشباب في هذه الأيام زواجاً تقليدياً ما هو بالحقيقة إلا الزواج الأصلي الراقي، و زواج الأزقة و الأروقة هو الزواج التقليدي فهنيئاً لهم تقليدهم للغرب و الشواذ.

و ختاماً فإنني أجد أنه من الضروري أن لا يؤخذ كلامي على أنه حصراً للزواج في قالب واحد، لا بالطبع، فقط حاولت تأطير مفهوم الزواج التقليدي الذي يذمه الناس و ما هو بالحقيقة إلا حفاظاً على المجتمع، و إن للزواج أسباباً كثيرة مختلفة، و أنا لا أحصر الزواج بالخطبة عن طريق الأهل فقط، بل إنه يمكن أن تختلف قليلاً باختلاف الظروف و لكن بعيداً عن تقليد الغرب في فوضى العلاقات تماماً كما أرفض أشكال الزواج الأخرى و التي تم ابتكارها للتهرب من الضوابط القانونية كالزواج العرفي و المسيار و السري و كتاب الشيخ و غيرها... الزواج هو الزواج المثبت أصولاً لدى الدوائر الحكومية و الحافظ لحقوق كلا الطرفين على سواء.