2010-02-10 00:26:17
مدرسون بلا عصا ولا "مسطرة"..وطلاب خارج السيطرة والأدب

مدرس: لم يعد هناك حصانة للمدرس فهو يدخل غرفة التحقيق كمعلم ليخرج مجرماً
أحد أولياء الطلاب: لا أقبل بضرب ابني من قبل معلمته حتى لو رسب في دراسته
سعت وزارة التربية من خلال قرارها بمنع ضرب في المدارس إلى تكريس تعامل حضاري بين الطالب والمدرس بهدف خلق ثقافة بديلة تعزز حب المدرسة وتخفف من التسرب، الا أن بعض الطلاب اتخذوا من القرار غطاء للاستهتار بالعملية التدريسية وعدم احترام المدرسين.


تصاعدت اعداد الشكاوى بحق مدرسيهم ووصلت بعضها الى المخافر" لأتفه الأسباب" هذا ما دفع بعضهم للترحم على أيام زمان، مذكرين بمقولات الأمس القريب"العصا من الجنة أو العصا لمن عصا".


الأهل: اضربوهم لا تضربوهم
أثار قانون منع الضرب في المدارس جدل واسع بين أهالي الطلاب، قالت سميرة (ربة منزل):"لا أقبل بضرب ابني من قبل معلمته ولو رسب في دراسته، فأنا في البيت لا أضربه خوفاً عليه، فكيف بالأستاذ الذي في المدرسة والذي لا تربطه له أي صلة والذي يمكن في بعض الأحيان أن يكون ضربه مؤذياً".
وبذات الاتجاه قالت المحامية سهير:"أرفض رفضاً قاطعاً أن تضرب ابنتي حتى لو قصرت في واجباتها، لكن هناك حلقة مفقودة حاولت معرفتها، فابنتي غالباً ما تعود من المدرسة وهي تشكو من وجع رأسها، وعندما سألت المعلمة عن عدد الطلاب، أجابت هناك40 طالب في الصف، حينها عذرتها وعرفت سبب معاناتها".
بينما قال زياد (رب أسرة) :" كلنا ضد الضرب، لكن بريطانيا التي صدرت لنا العصا، ثم منعتها عادت وأدخلتها من جديد لأنها لم تجد البديل، فنحن أمام واقع تربوي معين له قدراته وإمكاناته، وهناك الكثير من قرارات وزارة التربية التي لا تخدم العملية التربوية، فليس هناك من أسس مدروسة أو تجربة ميدانية، فنحن نفتقد تجربتنا الخاصة المتوافقة مع البيئة التي نعيش بها".
وبشكل أوضح قالت هدى (ربة منزل) إن:"منع الضرب أثر على دراسة ابنتي، فقد أهملت دروسها كما أن واجباتي المنزلية منعني من متابعة دراستها، مما أضاف عبئاً جديداً حينها اضطررنا للاستعانة بمعلم خارج المدرسة، لكنها أصبحت تهرب من الحصة الدراسية بزعم أخذه الدرس في البيت، أمام ذلك لم أجد غير الضرب علاجاً، وأصبحت في كل زيارة أؤكد لمعلمتها (اللحم إلك والعظم إلنا)".


الطلاب: احترمونا
الطلاب تحدثوا عن العقاب الذي ينالونه في المدرسة وفي البيت بكثير من الضحك واستغربوا السؤال عن الضرب واعتبروه أمر عادي سواء كان في المدرسة أم في البيت.
قالت ريم البابا طالبة (بكلوريا علمي):"لا أسمح أن أتعرض للضرب من قبل أي مدرس، وهناك الكثير من المدرسين الذين يضربون بحجة المزاح، والسبب يكون تافه جداً (كعدم مسح السبورة)، الشيء الأخر المزعج هو الكلام البذيء الذي يوجهه بعض المدرسين لنا أثناء الحصة وهذا سبب يدفعنا لأن نشاغب أثناء الحصة".
وأردفت ريم: "المدرس يجب أن يحترم طلبته، وأتمنى أن لا يوضع علينا اللوم دائماً كما هي العادة فعندما نشتكي من أحد المدرسين يلقى اللوم علينا حتى وإن كان المدرس هو المخطئ ويكون تبرير الإدارة هو أن المدرس مشهور ويقولون لنا إذا راح يوجد ألف مدرسة تتمنى أن يدرس عندها".
ويشتكي الطالب محمد(صف تاسع) بالقول:" سمعت بقانون منع الضرب في المدرسة، لكن والدي يضربني عندما أخطئ، وفي المدرسة أضرب بالمسطرة، ، وأستغرب لماذا يستمرون في ضربي..؟".


المدرسون: فقدنا الحصانة
في ظل قانون منع الضرب وجد احد المدرسين أن "الأهل أصبحوا مهملين، ومساندة التربية لهم ولأبنائهم كان سبب الشغب والفوضى وعدم المبالاة ".
بينما طالب مدرس آخر ببقاء الضرب "كرادع للطالب"، واستدرك " قرار المنع خطوة إيجابية من الوزارة وشيء يدل على الحضارة والتطور وأن الطالب يجب أن نقنعه بطريقة الحوار لا الترهيب والضرب، فقط يمكن استخدامها كرادع".
معلم الحلقة أولى (س.ف) قال إن:"المسألة لم تعد منع الضرب في المدرسة، هناك تناقض في أسباب العقوبة الموجهة للمدرس، ففي الوقت الذي نقرأ كتاباً وجهته وزارة التربية للمدارس بأن يعاقب المدرس بحسم 5% من الراتب لشده أذن طالب، نجد عقوبة أخرى بحق مدرس آخر لعدم ضبطه الصف، علماً أن القاعة تضم أكثر من 45 طالباً".
وأردف إننا:" نلاحظ غياب نقابة المعلمين عن التحقيقات والعقوبات الموجهة للمدرسين، فلم يعد هناك حصانة للمدرس، فهو يدخل غرفة التحقيق كمعلم ليخرج مجرماً مداناً باعترافات يجبر عليها في أغلب الأحيان، وهو يبقى كذلك حتى يثبت العكس إن استطاع"
ولفت المدرس (م.و) الى وجود "طلاب عنيفون، يشكلون خطراً على أنفسهم وزملائهم، فمثلاً عمد أحدهم في إحدى الحصص التي كنت بها إلى جرح يد زميله بسكين كانت بحوزته، للأسف في ظل غياب الأهل وتفاعلهم معنا وعجز التوجيه التربوي والمرشدين النفسيين عن حل هذه المشكلة كان الضرب هو الحل رغم عدم قناعتي به".
أما الأستاذ (م.م) كشف عن :" شكوى كاذبة قدمت ضدي إلى إحدى أقسام الشرطة، بأنني ثقبت غشاء الطبل أذن طالب، فجاءت الشرطة وأخذتني أمام الطلبة إلى المخفر وكان هذا كافياً للإساءة لي".
تابع الأستاذ "بعد ذلك تبين كذب التقرير الطبي، فأنا ضربت الطالب لكن ليس على أذنه وإنما على ظهره بسبب ضبطي بحوزته موبايل يحتوي صور تخدش الحياء وأستغرب أن هذا الأمر لم يثر اهتمام المخفر ولا أهل الطالب، فنحن الآن وصلنا إلى وقت يعامل المعلم فيه كمجرم، و أصبح الأهل لا يقدرون دور المعلم الإنساني والتربوي في أن يعامل باحترام أكثر فلا يقاد كمجرم أمام تلاميذه".


وسائل أخرى غير الضرب
أما الأساتذة الذين يرفضون الضرب فوسيلتهم لضبط الطلاب هي فرض الشخصية والتي يفتقر إليها "معظم الأساتذة الحديثين في التدريس" على حد تعبيرهم، وأيضاً بالتهديد والتلويح بمادة السلوك المرسبة.
الأستاذ عبد الله نجاتي موجه في المعهد العربي يقول:"الضرب شيء خطير ولكن نحن في مجتمع اعتاد الناس فيه على الضرب، فالطفل منذ دخوله المدرسة يعاقب بالترهيب والخوف، والمدرسة جزء لا ينفصل عن المجتمع فالضرب عادة أكثر من أنه وسيلة".
وعن قرار التربية في منع الضرب داخل المدارس ومادة السلوك كبديل له قال نجاتي:"لا تعتبر مادة السلوك حل، وأنا لست مع الضرب لكن هناك شيء آني لا يحل إلا بالعقاب فأنا أحياناً ألجأ للضرب عندما يتشاجر طالبان فالمسألة هنا لا تحل إلا بالعقاب، فالقرار منح الطالب شيء من التمادي على مدرسه فمن السهل جداً الآن أن يأتي أي طالب بتقرير طبي يثبت أن الأستاذ أذاه عندما ضربه".
وأردف نجاتي:"في إحدى السنوات قام أحد الأساتذة بضرب طالب وإخراجه من الصف، فعندما خرج من الصف قام بالاتصال بأبيه بهاتفه النقال فما كان من الأب إلى أن ذهب إلى الشرطة لتقديم شكوى وإحضار دورية شرطة لأخذ الأستاذ وكل هذا فقط لإرهاب الأستاذ".
وعن تجربة المدارس الخاصة مع القانون قال نجاتي:"المدارس الخاصة والتي يُعتقد أنها تقوم على النموذج الغربي في التعامل مع الطالب، عودت الطالب الاستهانة وعدم احترام الأساتذة، فـ بكل بساطة في المدرسة الخاصة إذا اشتكى أحد الطلاب على أستاذ بأنه ضربه أو بأنه غير جيد تقوم الإدارة بطرده دون مناقشته ودون مراعاة لقدره، وهذا هو سبب انحدار التعليم في الآونة الأخيرة".
الآنسة حنان غزال مدرسة لغة إنكليزية تقول:"أرفض الضرب لأنه لا يعتبر وسيلة لحل المشكلة لدى الطالب ولا حتى الكلام البذيء الذي يسيء للمدرس أكثر م الطالب، فالمدرس يجب أن يحترم نفسه أولاً كي يفرض احترامه على الطلاب، فهناك وسائل بديلة وضعتها التربية لردع الطلاب كالطرد من المدرسة واستدعاء ولي الأمر، وهذه الوسائل حسب اعتقادي وتجربتي في التعليم رادعة أكثر من الضرب، فالضرب غير مجدي مع الطلاب ويجب أن نربي الطلاب على الكرامة وليس الذل".
وبذات الاتجاه ترى سلمى أبو طوق مديرية مدرسة دوحة الأدب:"الضرب وسيلة غير تربوية، فالضرب ممنوع وأنا ضده حتى قبل صدور القرار، عقاب الطالب المسيء يجب أن يكون بالنقاش بين الأهل والمدرسة لتقويم سلوك الطالب، فأغلب مشكلات الطلاب هي نفسية، والضرب كوسيلة غير نافع بل على العكس يعزز لدى الطالب السلوك السيئ".
وعن إجراءات الوزارة ضد الأستاذ الذي يستخدم الضرب قالت مديرة مدرسة دوحة الأدب سلمى أبو طوق:"الوزارة يجب أن تكون موضوعية في قرارها ضد أي أستاذ تقدم شكوى ضده، فلا بد أن تسمع رأي المدرس ورأي الإدارة في المدرسة التي يعمل بها، فالإدارة تكون على علم بسلوك المدرس وأخلاقه وتلعب دور مهم في بيان الحقيقة".


ومرشد نفسي وعصا
يقول المرشد الاجتماعي (ع.ب):"بعد عام من العمل اضطررت لحمل العصا رغم أن مهمتي هي معالجة مشاكل الطلاب ومناقشتهم للتغلب على مشاكلهم، فنحن مدرستنا نعاني التغيب والهروب المستمر والمشكلة الأخطر في فهم القوانين وتطبيقها بما يحمي الطالب، فأمام إلزامية التعليم الإيجابية يتغيب الطالب 15 يوماً يداوم بعدها لينجو من العقوبة، ثم يكرر ذلك،هذا ما دفع بأقرانه لتقليده، لتنتشر اللامبالاة والشغب داخل المدرسة، وكل ذلك بعلم الأهل".
وأردف:"نحن نحتاج في القرارات التي نصدرها إلى دراسة وافية للواقع الاجتماعي (الوعي المتدني،الفقر) والعقوبة حسب النظام الداخلي (تنبيه خطي- إنذار مسجل- فصل) ولا يجوز الفصل أكثر من مرتين، ثم ينقل الطالب إجبارياً لمدرسة أخرى، وعقوبة الفصل محببة إلى الطلاب فهي تخلصهم من الدوام، وبالنسبة للغرامة المالية فهي ليست إلا ثمن طوابع (37 ليرة) فحبذا لو يتم فرض غرامة مالية تعود للمدرسة فتكون رادع قوي للطلاب وأهاليهم كذلك".
من جهتها تتساءل الطبيبة هبة مكية:" هل الطالب هو المخطئ دائماً..! قطعاً لا، لأن المعلم قد يكون هو المخطئ، و يلجأ البعض إلى الضرب وقمع الطلبة وإرهابهم لإخفاء ضعفهم وقدرتهم على ضبط الصف، لأنه للأسف كثير من المدرسين يتخرجون من الجامعة ويدخلون مسابقات لتعيين مدرسيين ويصبحون أستاذة في مواجهة الطلبة دون أن تكون لديهم الخبرة والقدرة على جذب الطلبة وفهمهم وكسب احترامهم".
وأردفت هبة:"هذا الأمر لا يكون بالعصا وإنما بالتمكن من المادة والخضوع لدورات تربوية يتعلم المدرس من خلالها كيف يتعامل في الصف مع الطالب الهادئ والطالب المشاغب، وكيفية استيعاب الطالب كثير النشاط بالصف (المشاغب) إن وجد والتعامل معه دون إثارة الفوضى والشغب في الصف، فالمعلم والطالب ليسا طرفين وإنما طرف واحد يكملان بعضهم بعضاً".


الحلول: بحوار المدرسة والأهل والوزارة
الحل بحسب احد المدرسين(فضل عدم ذكر اسمه) هو "فتح باب التعاون بين الوزارة والهيئة التدريسية في المدارس، ووضع لائحة للعقوبات بغير الضرب تمارس بشكل عادل بين الطلاب، وعدم إعطاء الطالب صلاحيات أكبر من عمره كما القرار الأخير بالسماح له بجلب الهاتف النقال إلى المدرسة..!".
ولفت المدرس إلى "ضرورة تعزيز العلاقة بين المدرسة والأسرة, والتحقيق بشكل جيد في حال تعرض الطالب للضرب من قبل أحد الأساتذة، وعدم إصدار أحكام من قبل التربية مبنية فقط على التقرير الطبي أو الشكوى".
من جهته اعتبر مدير المناهج بوزارة التربية عبد الحكيم الحماد أن "تعميم منع الضرب رقم 120 لعام 2004 الصادر عن الوزارة بمثابة "رؤية للنهوض بالسلوك التربوي والارتقاء بالأداء التربوي للمعلم" وأضاف "وزارة تعمل على تعميم ونشر ثقافة منع الضرب في المدارس، منطلقةً من أن الفرد الذي لا نستطيع أن نؤثر عليه ليغير سلوكه بطرق وأساليب معرفية لن يتغير بالضرب".

وبحسب مدير المنهاج والتوجيه بوزارة التربية عبد الحكيم الحماد:"تقوم التربية بتأهيل المعلمين من خلال دورات تربوية وتعليمية تدفعهم للابتكار والإبداع في الطرق التعليمية بما يحبب المدرسة إلى نفوس التلاميذ وتحترم تجارب المعلمين وتعممها"
وأضاف الحماد:" نقوم بتفعيل دور المرشد النفسي والاجتماعي داخل المدرسة الذي لا ينحصر دوره في دراسة المشكلات ذات المنشأ الاجتماعي والنفسي للطلبة، بل أيضاً يساعد في نشر ثقافة تربية المواطن على المواطنة والتعليم والعيش بكرامة في المجتمع المدرسي ويساعد الأطر التعليمية والإدارية في المدرسة على نشر هذه الثقافة، وتعمل وزارة التربية على تعميق ذلك من خلال الدورات التدريبية للمرشدين حيث يتم فيها دائماً طرح موضوع بدائل الضرب وتنمية السلوكيات الإيجابية".

أيمن مكيه – سيريانيوز شباب


Powered By Syria-news IT