2010-01-21 23:43:25
الدروس الخصوصية تدخل من نافذة ثغرات التعليم وتلتهم ميزانيات الأسر

التربية: معظم الطلاب الحاصلين على العلامات التامة لم يتلقوا دروس خاصة

ربة أسرة : الأساتذة يعتبرونها تجارة رابحة مستغلين حاجة الطلاب

"إحصاءاتنا تشير إلى أن معظم الطلاب الذين حصلوا على العلامات الكاملة في الشهادتين لم يتلقوا أي درس خصوصي أو دورة في معهد وكانت دراستهم في مدارسنا العامة" الكلام لمدير المناهج بوزارة التربية .


وترد مديرة إحدى المدارس سبب انتشار الدروس الخاصة إلى مجرد " البريستج في الوسط الاجتماعي"، إلا أن الطلاب والاهل الذين يتحملون أعباء تتراوح بين 400 الى 1000 ليره عن الدرس الواحد، لديهم ما يبرر اعتمادهم على الدروس الخاصة، وهي تتعلق بـ"صعوبة المناهج والأسئلة، الازدحام ضمن غرف الدراسة، وعدم قدرة المدرسين الإجابة على كل التساؤلات الخاصة بكل طالب"، بل ذهب بعضهم لاتهام المدرسين بالتقصير بهدف "دفعهم إلى اعتماد الدروس الخاصة".

 

للطلاب مبرراتهم..
تبرر الطالبة سارة (بكالوريا علمي) اعتمادها على الدروس الخاصة بالقول:"نضطر لها للمواد العلمية وذلك لعدة أسباب منها ما يتعلق بأساتذة بعض المواد ومنها ما يتعلَق بعدد الطلاب في الصف، فبعض الأساتذة لا يعطون بضمير خلال الحصة ليجبروا  الطالب على أخذ دروس خصوصية عندهم بطريقة غير مباشرة".

وتلفت ساره إلى أن "عدد الطلاب الكبير في الصف تمنع بعضاًَ من الطالبات من المشاركة أو الاستفسار في بعض الأحيان، وإن سألت كل طالبة سؤالا فستضيع الحصة لذلك في أغلب الأحيان لا يمكن للأساتذة الإجابة على الأسئلة لإنهاء المنهاج في الوقت المحدد هذا إن تمكنوا من إنهائه".

هذا ما يؤكده المدرس (م . م) قائلا : "إن الدرس الخصوصي شيء عادي لأن الأستاذ لا يستطيع أن يعطي الطالب كل شي داخل غرف الصف نتيجة ضيق الوقت فالحصة الدرسية عبارة عن "45" دقيقة والأستاذ يجب أن يصحح الوظيفة للطلاب وأن يقوم بتسميع الدرس السابق وهذا يحتاج تقريباً لنحو 20 دقيقة، فالوقت المتبقي من الحصة لا يكفي لإتمام الدرس مما يضطر الأستاذ لشرح النقاط الأساسية حتى يستطيع أن يكمل المنهاج لأخر العام وكذلك عدد طلاب الصف الذي يتجاوز في يصل في بعض الأحيان إلى 50 طالب في الصف الواحد وهذا الأمر يعيق المدرس في إنهاء الدرس".

 

اما الطالب في الصف التاسع سمير(في مدرسة عامه) فيرى "السبب طريقة الأستاذ في تلقين المعلومة فلدينا أستاذ عربي في المدرسة مشهود له بذكائه ولكن المشكلة أنه ليس لديه أسلوب ليقدم المعلومة وبالتالي معظم طلاب الصف يأخذون المادة كدروس خصوصية".

ويلفت والد طالب في التاسع الى ان" المدرس في المدرسة لا يهتم إلا بالطالب الذي دفع المال مقابل الدرس الخصوصي وبالتالي يكون اهتمامه بهذا الطالب داخل الصف كبير لأنه يأخذ عنده دروس".

 

بينما تحمل رولا (طالبة في الصف الحادي عشر علمي) المسؤولية للمدرسين" القدماء منهم، فالأستاذ يصل في بعض الأحيان إلى مرحلة من الملل من المناهج فهو يعيدها كل سنة ويعيدها في الدروس الخصوصية الأمر الذي يجعله يقدِّم المعلومة في المدرسة بطريقة -رفع عتب- ولكنه في المقابل لا يستطيع القيام بذلك في الدرس الخصوصي لأنه يتقاضى أجراً كبيراً على الساعة التي يقضيها عند الطالب وهذا الأمر يظهر بشكل كبير في المدارس الحكومية بينما في المدارس الخاص لا وجود لهذا الأمر نتيجة الرقابة على المدرسين".

هذا ما أكده طالب البكلوريا أدبي(في مدرسة خاصة) نوار اليماني: " لست بحاجة للدروس الخصوصية لأنني طالب في معهد خاص وهناك راقبه على المدرسين فالأستاذ لا يتأخر عن الدخول إلى الصف لإعطاء الدرس ويوجد التزام بشرح كافة المعلومات ، وكذلك أنا طالب بكلوريا في الفرع الأدبي ولأجد صعوبة في المنهاج الذي لا يحتاج لشرح كثير".

 

 الازدحام ضمن المدارس

لمعرفة مدى قدرة الابنية المدرسية (الخاصة والعامه)على الاستيعاب وعدد المدرسين بالنسبة لمجموع الطلاب قامت سيريانيوز بالحصول على إحصائيات من تربية دمشق، فتبين ان عدد الطلاب التعليم الاساسي في دمشق بلغ (317783) اما عدد الهيئة التدريسية والإدارة فبلغ (16355) اي بمعدل مدرس واحد لكل نحو (20) طالب(الرقم يتضمن الإدارة)، اما عدد الطلاب بالشعبة الواحدة فبلغ المتوسط نحو 35 طالب في كل شعبة.

ام بالنسبة للتعليم الثانوني(المدارس الخاصة والعامه) بكل أنواعه فبلغ عدد الطلاب في دمشق(50173) والهيئة التدريسية (5347) اي بمعدل مدرس واحد لكل نحو (10) طلاب (الرقم يتضمن الإدارة ايضا) اما عدد الشعب فبلغ (1459) مما يعني ان الشعبة الواحدة بالمتوسط يجب ان تستوعب (34) طالب.

عبء مادي على الأهل

غدت الدروس الخصوصية عبء على كاهل الأسر، تخصص لها ميزانية كبيرة على حساب معيشتها من اجل ان تضمن للأبناء  التفوق والنجاح.

تكشف هناء (ربة منزل وأم لثلاثة أولاد):" ابني الأول اجتاز مرحلة الشهادة الإعدادية وقد كلفني خلال شهر الامتحان حوالي 100 ألف ليرة سورية ، فالدروس الخاصة تجارة رابحة حيث يلجأ الأساتذة المشهورون إلى ثلاثة أنواع من الدورات لطلاب الشهادة الثانوية دورة عادية تمتد لشهرين وكل مادة يدفع الطالب لها 4000 ليرة، النوع الثاني دورات مكثفة مدتها 12 يوماً وكل مادة 3000 ليرة والنوع الثالث الجلسات الإمتحانية وهي تسبق الامتحانات بعدة أيام ولعدة جلسات وكل جلسة ألف ليرة".

وأردفت هناء: "الأساتذة يقولون سنعطي الأشياء المهمة المتوقعة في الجلسات الامتحانية، فهم لا يعطون كامل المنهاج بدورة واحدة وهذا يؤثر على الطالب الذي ينشغل ويرهق أهله مادياً بدورة ثانية وثالثة فالأساتذة يعتبرون هذا نوعاً من التجارة الرابحة مستغلين حاجة الطلاب".

وعن أسعار الدروس الخصوصية لبعض الأساتذة والمعاهد الخاصة قالت: "إنها تختلف حسب قدم الأستاذ وخبرته وهي تبدأ من 500 ليرة لتصل لنحو 1500 ليرة للساعة الواحدة "

 

ويكشف طالب البكالوريا عمر سبب تفاوت الأسعار فهي برأية:" ترتفع طرداً مع خبرة الأستاذ وقدمه في التدريس و أن سعر موجه المادة يختلف عن سعر أستاذ آخر، كما أن السعر الذي يتقاضاه أستاذ ساهم في وضع الأسئلة في امتحان سابق مرتفع عن غيره كما أنّ الأساتذة المشهورين بتوقعاتهم الصائبة لهم أجورهم الخاصة".


أما الطالبه لبابه (بكلوريا أدبي) ترى ان الأسعار "ترتفع أكثر في شهر الفحص ولكننا كطلاب نفضلهم لأنهم يعرفون ثغرات الكتاب ومطباته، كما أننا نفضل الأستاذ الذي يعرف كيف يجعل الطالب يحصل على العلامة فهناك أساتذة يعلمون الطالب مثلاً إذا جاء سؤال ولم يعرف إجابته ماذا يكتب لكي يجمع أكبر قدر ممكن من علامات السؤال".

 

حاجه ام مجرد برستيج

خلافا للمبررات التي ساقها الطلاب فان مديرة مدرسة دوحة الأدب سلمى أبو طوق تعتبر ان:" أهم أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية عدم الوعي لدى بعض الأولياء الذين يشجعون أولادهم على الدروس من أجل البريستج في الوسط الاجتماعي".

وبدوره اعتبر مدرس الفيزياء والكيمياء في إحدى المدارس الحكومية (خ.ح) إن "الأسباب تتعلق بالطالب وأخرى ما يتعلق بالمناهج الدراسية الصعبة والكثيفة، وكذلك الأسرة والوسط الاجتماعي المحيط".

وأضاف "طبيعة المناهج والأسئلة التي توضع في نهاية العام الدراسي تحتاج لتفحص لا يدركها إلا الطالب الذي درسها خلال العام وإعادة المواد مرارا وتكرارا لذلك بات أمر الدرس  الخاص شيئاً شائع بين الطلاب لضمان النجاح".

بينما ترى ربة المنزل والأم لطالبة في المرحلة الثانوية يارا إبراهيم ان الدروس الخاصة:"أصبحت لدى البعض منهم أشبه بالموضة أو البرستيج وخاصة لدى الأمهات للتباهي والتفاخر أمام زميلاتهن في العمل أو المسكن، غير التكاليف الباهظة والتعب النفسي والجسدي للطالب".

في حين تشير السيدة سهام (أم لطالبة في الصف التاسع) الى ان: " الدرس الخاص ساعد ابنتي على الفهم أكثر وبذلك أضمن حصولها على علامات عالية فلا أريدها أن تنجح فقط وإنما تحصل على علامات عالية لأفتخر بها أمام أصدقائي مهما كلفني ذلك".

اما أم أحمد وهي (والدة لطالبة بكلوريا علمي) ، فأنها تحسبها بطريقة اقتصادية: " أنا أضع لابنتي أساتذة لكل المواد لأنني أريد أن اضمن مستقبلها في الجامعة بعلامات عالية عوضاً من أن تدخل جامعات خاصة أو في التعليم الموازي أو المفتوح لأربع سنوات التي ستكلفني أكثر من الدروس الخصوصية بكثير".‏
وتابعت أم أحمد: "أن بعض الأساتذة يعرفون بخبرتهم أسلوب النجاح وأسلوب الحصول على أكبر علامات ممكنة وهناك نتائج شبه مضمونة".

 

أما السيد حسام (أب لطالب في المرحلة الابتدائية) فيرى ان " المنهاج الجديدة التي دخلت على المنهاج التعليمية وعدم معرفة الأهل بها ليعلموا أولادهم ولا سيما إدخال اللغة الفرنسية في المراحل التعليمية كافة هو السبب الذي يدفع الأهل إلى اعتماد مدرس خاص لأولادهم"

وأضاف حسام : " لا ننسى أن هناك تفاوت في الاستيعاب بين الطلاب فأحدهم قد يكون قليل الاستيعاب ويحتاج لوقت أكثر من غيره وبذلك فهو بحاجة إلى أستاذ يقوم بشرح الدرس له وهذا من الأسباب التي تجعل من الدرس الخاص مفيد".

 

تعزز الاتكالية

مديرة إحدى المدارس الحكومية قالت: "هناك فجوة واسعة بين الطالب والمدرسة بمعنى أن الطالب يعتقد أنه متمكن من المادة طالما أنه تلقاها من خلال الدروس الخصوصية فيهمل واجباته المدرسية, ولا يهتم كثيراً بشرح المدرس بالصف, وعدم تجاوب الطالب مع المدرس يدفعه إلى الانقطاع خلال العام واللجوء إلى الإحالات الصحية".

ولفتت المديرة الى ان "الدروس الخصوصية ترهق الطالب إذا لم يستطع التوفيق بينهما فعند الدوام صباحاً تراه متعباً يغلب عليه النعاس وكل هذه الظاهرة تلك واضحة ومنتشرة في أغلب المدارس".

وتابعت الحديث قائلة" نعم من حق الطالب أن يستفيد من دورات التقوية ولكن ليس على حساب الدوام وأؤكد أن الأوائل في مدرستي هم الذين يلتزمون بالدوام كونهم يستفيدون منه"

 

قالت: "هناك سلبيات وإيجابيات للدرس الخاص ولكن السلبيات أكثر فمثلاُ الطالب لا ينتبه أثناء الحصة الدرسية لأنه يعرف أن هناك من سيعطيه الدرس في المنزل وهذا ما سيقلل من مستواه التعليمي".

أما الإيجابيات قالت مدرسة اللغة عربية سوزان مكية:" إذا كان الطالب قليل الاستيعاب في الصف فالدرس الخاص مفيد له حتى يستطيع مواكبة ما يأخذه زملاؤه في الصف ولكن شرط ألا يكون على حساب المدرسة"

 

للمدرسين مبرراتهم..

مدرس رياضيات الأستاذ (أحمد) يرفض إعطاء دروس خصوصية ويقول "إن الموضوع بات بالنسبة لبعض المدرسين مشروعاً تجارياًِ رابحاً بجدارة وخاصة موجهو المواد الذين يصل سعر الدرس في شهر الانقطاع عند بعضهم إلى  2000 ل.س"

بينما توضح المدرسة (س.و) " أن سعر الأستاذ يتناسب مع خبرته وأنا خبرتي بسيطة في مجال الدروس الخصوصية لذلك سعري قليل حيث أتقاضى 400 ل.س على الساعة والنصف فقط".

وأضافت: "لا أنكر أن الدرس الخصوصي مكسب مادي جيد بالنسبة للأساتذة فبالنسبة لي وعلى الرغم من أن أجرتي ضئيلة بحكم خبرتي ولا تقارن بغيري من الأساتذة إلا أن المردود الذي يأتيني من الدروس الخصوصية جيد فهو مع الراتب الذي أتقاضاه يساعدني عل العيش مع مصاريف الحياة المرتفعة".

 

الطموح للانتساب للجامعة

خلافا للنظرة السائدة بالربط بين بين التفوق والدروس الخاصة، كشف مدير المناهج والتوجيه بوزارة التربية عبد الحكيم الحماد ان "إحصاءاتنا تشير إلى أن معظم الطلاب الذين أتقنوا المناهج وحصلوا على العلامات الكاملة في الشهادتين "التعليم الأساسي والثانوية" لم يتلقوا أي درس خصوصي أو دورة في معهد وكانت دراستهم في مدارسنا العامة"

وأضاف موضحا " طموح الأهل في انتساب ابنهم إلى الجامعة والذي يتطلب معدلات عالية في الشهادة الثانوية هو الأمر الأساسي الذي يدفعهم للدروس الخصوصية،وأيضاً عدم ثقة الأهل بأداء المدرس بالصف مما يدفعهم للبحث عن بدائل ويكون الخيار في الدروس الخصوصية ولكن هذا الموقف من الأهل يؤثر على نفسية المتعلم ويجعله يعيش تحت الضغط النفسي بقولهم له "ما تركنا لك حجة وعليك بالعلامات التامة".

 

الحل في تطوير المناهج

رغم ان الدروس الخصوصية أصبحت واقعا قائما، لكن ليس بمقدور كل الأسر دفع تكليفها الباهظة،  ولا يوجد اي قانون يمنع تلك الدروس او ينظمها او يحدد أسعارها، فهي خاضعة للعرض والطلب، وذلك بحسب مصدر مطلع بوزارة التربية، هذا ما يضاعف من أهمية الخطوات التي يجب ان تقوم بها وزارة التربية لسد ثغرات التعليم العام.

 وبهذا السياق عبرّ مدير المناهج الحماد  أن "الحل سيكون عبر المناهج الجديدة" وكشف ان "الوزارة تسعى لتطوير المنهاج وتحديثها من خلال خطة لإصدار مناهج جديدة " حيث ستركز هذه المناهج على "ساسيات المعرفة وتنمية المهارات والابتعاد عن الحفظ والتلقين، وكذلك تفعيل الندوات التعليمية التي تبثها القناة الفضائية التربية وتطويرها بحيث تكون أكثر إثراءً للمنهاج وتدعمه، وأيضاً تأهيل المدرسين من خلال دورات تدريبية في مختلف المراحل والصفوف والمواد، وإدخال التقنية للمناهج الجديدة وتوظيفها في خدمة المحتوى التعليمي وإصدار البلاغات والتعميمات التي تمنع المدرس من إعطاء الدروس الخصوصية واستغلال الطلبة".

 سيريانيوز شباب


Powered By Syria-news IT