2006-04-19 11:11:13
سلخوا الطالب قبل ذبحه..!؟

ما هكذا تعالج مشاكل الطلاب يا تربية دير الزور؟ 
قصة مؤسفة جرت منذ أيام في إحدى ثانويات دير الزور، وكان أطرافها طالب ثانوي وإدارته، وصحفي وصحيفة محلية.


أثبتت أحداث هذه القصة وتناميها الدرامي أن تأخرنا لا يكمن في تخلّف أساليب التربية وأدوات التعليم فحسب، بل في المعطى الحضاري لمجتمع مازال الكثير منه يرفض فهم أو استقبال الإحداثيات الثقافية للعصر وقراءتها بروح جديدة وخاصة في تأثيراتها الكبيرة في أرواح الأجيال الجديدة وعقولها بدءاً من الستلايت والإنترنت وانتهاء بالموبايل.

القصة بإيجاز تتلخص بضبط موبايل لدى طالب ثانوي "حادي عشر- تجارة" وعند تفتيشه (وبحوشته) اكتشفت فيه صور ومقاطع فيديو خادشة للحياء العام، قررت على إثرها الإدارة، وبعد اجتماع طارئ لمجلس المدرسين، فصل الطالب نهائياً من المدرسة، وبهذا بلّغت شفهياً عائلته المؤلفة من أم وجدة فقط.

والدة الطالب تقول: نحن كنا نعيش في لبنان، وقد قضيا فيها أكثر من 20 سنة، وعندما كبر ابني وهو الوحيد لي، لا أخ ولا أخت، قررنا أنا ووالده إحضاره إلى سورية لإكمال تعليمه والتأقلم أكثر مع أهله ومجتمعه، ولهذا حضرنا منذ سنتين إلى دير الزور. ابني مخطئ ويستحق العقوبة، ولكن الفصل النهائي قرار قاس، ولا ننسى أنه مراهق.

ولتطويق الموضوع والتخفيف من آثاره، تحرّك أصدقاء العائلة وأجروا اتصالات هنا وهناك كان منها اللقاء بالسيد مدير التربية الذي كان، للأمانة، متفهماً وإيجابياً وواضحاً أيضاً، إذ قال إنه مع عقوبة الطالب، ولكن ليس مع فصله نهائياً. وأضاف: هؤلاء أبناؤنا وإن أخطؤوا، وعلينا نحن الأخذ بيدهم ومعالجة انحرافاتهم لا رميهم في الشارع، وإلا فلماذا أحدثت الوزارة أقساماً خاصة بالإرشاد والتوجيه النفسي؟

على مثل هذه التطمينات، نامت العائلة مقتنعة بأن العقوبة القادمة "التي سربت" لن تكون أكثر من النقل إلى إحدى الثانويات القريبة "الميادين 50 كم عن دير الزور" وهي رغم قسوتها أقل قسوة من الفصل النهائي.

سلخوه قبل الذبح

أفاقت العائلة صباح اليوم الثاني على من يخبرهم بأن قضية ابنهم منشورة بالتفصيل في صحيفة "الفرات"، وهي صحيفة حكومية يومية محلية. المقالة المنشورة لم تكتف بالثناء على مديرة الثانوية وكيل المدائح لها لجديتها وحزمها وعطائها، وربما كانت هكذا فعلاً، بل فصفصت الطالب من شعره وبنطاله إلى حذائه وحقيبته المدرسية، شارحة كيفية القبض على الموبايل وطريقة تنبيشه واكتشاف محتوياته.

المقالة كانت تهلّل لقرار الفصل الذي ستتخذه الإدارة، مستنكرة في الوقت نفسه معارضة اثنين من مدرسي الثانوية له لأسباب عزاها صاحب المقالة لانتفاعهما من الدروس الخصوصية للطالب المفصول.

أسقط في يد الأهل، فماذا تبقى بعد؟ وفضيحة ابنهم وشرشحته بهذه الطريقة كانت آخر الاحتمالات وأبعدها، وعلى هذا كانت حركتهم سريعة جداً:

- عدم عودة ابنهم إلى المدرسة نهائياً وسحب الترحّم المقدم إلى مديرية التربية لتخفيف العقوبة، ولتفعل التربية ما بدا لها وبضمن ذلك الفصل النهائي، على اعتبار أن الشاة المذبوحة لا تخاف من السلخ.

- السعي لوضع القضية بين يدي الوزير المختص من خلال بعض أعضاء مجلس الشعب.

- التوجه نحو القضاء لمقاضاة الإدارة اوالصحيفة.

 

قضية رأي عام

تمحور اعتراض عائلة الطالب على فكرة محورية مفادها أن مشكلة ابنهم هي مشكلة عامة بمقاييس اليوم ولاسيما بعد انتشار الموبايل بين أوساط الطلاب، فلماذا لم تترك للمعنيين وذوي الاختصاص سبل معالجتها بالطرق التربوية بدلاً من حشر الصحافة وشرشحة الطالب بهذه الكيفية المخزية.

والدة الطالب "حقوقية" تقول: لقد اشتغلوا بنا على طريقتهم وبشكل سيئ للغاية، ونحن على طريقتنا سنحوّل الموضوع إلى قضية رأي عام. بالمقابل فإن مديرة الثانوية، المصرّة على فصل الطالب، أنكرت أي دور لها بتسريب القضية إلى الصحافة مبدية انزعاجها من تدخلها بهذه الطريقة "شهود عيان أفادوا بأن السيدة المديرة كانت تدور بين الطلاب حاملة الجريدة، متباهية بما كتب فيها بحق الطالب".

وعن سؤالنا عن سر وجود الصحفي في الثانوية أثناء ضبط الموبايل وتفتيشه، كان جوابها: المصادفة وحدها.. أما ما لم تجب عنه أو لم تستطع تفسيره لنا فهو: من أين للصحفي كل هذه المعلومات؟ مثل:_1- حدوث انعقاد لمجلس المدرسين بخصوص الطالب، واتخاذ قرار بالفصل النهائي، علماً بأن القرار حسبما أفاد السيد مدير التربية لم يكن قد خرج من الثانوية بعد ولم يصل إليه حتى تاريخ صدور المقالة!

2- حيثيات المجلس المنعقد وبضمنه اعتراض اثنين من المدرسين على قرار الفصل!

3- ارتباط جبهة الرفض داخل المجلس (المدرسان) بدروس خصوصية مع الطالب المفصول.

لكل هذا سأعيد صياغة السؤال السابق: هل كان وجود الصحفي في الإدارة هو محض مصادفة حقاً؟! وهل كانت ظروف النشر، نشر المقالة، بريئة تماماً؟

ولأن ثمة حلقة مفقودة، قد يصدق استنتاج الأهل، بأن الإدارة لجأت إلى تسريب الأمر للصحافة لتقطع الطريق على الوساطات الساعية لتخفيف العقوبة.

 

آخر الكلام

ذات يوم، قد أتلقى قراراً قاضياً بفصل ابني من المدرسة فصلاً نهائياً، لأنهم ضبطوا لديه في جيبه أو جواله، صوراً وأفلاماً خادشة للحياء العام، عندئذ سأقول لهم:

أيها السادة! قبل أن تضعوا أختامكم المقدسة على الورق، أرجو أن تتفحصوا جوالات بعضكم بعضاً.. معلمين ومعلمات.. مديرين ومديرات، وستجدون ما يسركم في الكثير منها.

بل وبوقاحة أكثر أقول لكم :تفحصوا جوالات كل فئات الشعب بشرائحه وطبقاته ومستوياته، عندئذ ستكشفون أنكم تحاربون طواحين الهواء..

دون كيشوت:

أيتها الحقيقة!

حقيقة كل العصور..

حقيقة المجتمعات المتخلفة.

النور


Powered By Syria-news IT