الأب حكيم لكنه مات من غير أن يترك وصية مستنداً إلى أمله في أن يبقى ما تركه وراءه موحداً وموحداً بفتح الحاء وكسرها فتحلّ بركة اللّمّة على الكل ويستفيد منها أولاده جميعاً ومعتمداً على ثقته بتآلفهم وتعاضدهم ومحبتهم ووعيهم وما كان يعرفه عنهم من عدم خروجهم على طاعة أمهم الطيبة الحنونة لاسيما وأن القيمة الكبيرة لتركته هي حضارياً و معنوياً وليست مادياً فهي تضم الكثير من الكتب والمخطوطات والآثار بالإضافة إلى بعض الأراضي والأبنية والقليل من المال
مات الأب تاركاً وراءه عائلة مثالية علاقاتها أخوية يكاد لا يشوبها أية عوامل تفرقة فالأخ الكبير تاجر ورث عن أبيه رجاحة العقل والأخ الصغير طالب شريعة عُرف عنه رهافة الضمير ومن بينهما جندي وشيخ ومهندس وطبيبة وفلاح وموظف وكلّهم ورثوا عن أبيهم دماثة أخلاقه واتسموا بالكثير من صفاته وصدقه وإيمانه
وما إن مات الأب حتى سنّ الأعداء من غرباء وأبناء عمومة أسنان الطمع والانتقام من العائلة التي ما فتأت تنصر لواء الحق وتحمي الضعفاء والمستنصرين ممن تكالب عليهم من أحفاد الشياطين
ولأن شر الشيطان ومكره فاق التصور فقد سخر أدواته لقتل الشيخ واتهام أخيه الجندي بقتله فارتمت الأم بجسمها على ابنها الجندي لتحميه وجاءت الطعنة في ظهرها ولما لم تنجح خطة الشيطان بالتخلص من الحامي واتهام المؤمن ولأن للشر أكثر من وسيلة فقد غير الشيطان خطته بزرع الفتنة بين الأخوة و تجويعهم وإظهار أسوء ما فيهم من أنانية وسلبية أثناء سعيهم لتأمين لقمة عيشهم وما يسدون به رمق عيالهم فقام بحرق كل المحاصيل مستغلاً خلاف الأخوة وانشغالهم بمشاكلهم مع بعضهم عن حراسة أرضهم ومحاصيلهم فلم تجد الأم بداً من أن تقوم رغم نزف جرحها بإطفاء الحرائق مما سبب لها أيضاً حروقاّ على كامل جسمها
ورقدت الأم في فراش المرض جرحها ينزف وحروقها تلتهب . . .
وكلما جاء أحد منهم ليزورها وليطمئن على صحتها كانت تقول له والدمعة في عينيها لن أشفى قبل أن تعودوا أخوة فكان الجميع يخرج من غرفتها حزيناً فهم على الرغم من كل مشاكلهم وخلافاتهم واختلافاتهم مع بعضهم يحبون أمهم جداً ولا يستطيعون أن يتخيلوا حياتهم من دونها
وهاهي الأيام تمرّ والجرح ينزف والحروق تنتن . . .
وهاهي الأم تكاد أن تفارق الحياة ولكنها لم تفقد الأمل ولازالت تحلم أن يدخل عليها أبناءها معاً ليضمدوا بحب لها جرحها فوحده الحب يشفي الجرح ووحدها التوبة تشفي الحروق
موجوعة يا أمي وما زلتِ تنتظريي