بعد وصول الأزمة إلى هذه الدرجة الحرجة المعقدة تبدلت بعض الأوَّليات التي تخص المطالب والآمال. فالتغيير الأفضل الذي انتظره الكثيرون في بداية الأزمة تبدل بدخول وتطور أطراف عقّدت الأزمة وزادت دمويتها. فالدم هو ما يرغب كل مواطن سوري شريف أن يتوقف هدره الآن، الدم الذي يُهدَر بصور مجهولة الأسباب ومجهولة الأطراف غالباً. والطرف المعلوم هو الضحية »الشعب السوري«. وكلما تأخرت الجهات المعلنة نفسها كأطراف سياسية بإيجاد حلول لخلافاتها وصراعها ازدادت الأزمة خطراً ودموية.
ما من حوار يمكن للشباب السوري أن يخوضه في بلده مع أي جانب، وما من جهة تدعوه لذلك بعد تطور الأزمة وفشل كل المحاولات السابقة غير الجدية. والحوار نفسه أصبح سبباً للحيرة في الوقت الراهن، فهو مدعاة شك الشعب السوري والشباب المفكر بسبب كل الجهات المتهاونة مع هذا الحسم. فهل هناك أطراف سياسية تريد الحوار فعلاً؟ أم هي تدّعي ذلك وتنفذ كل ما يمنع التقاءها مع الأطراف الأخرى؟
»دون النظر إلى ساعة الحائط، أو مفكرةِ الجيب، أعرف مواعيد صراخي«، هذا ما ارتآه
الشاعر الثائر الراحل محمد الماغوط، وهذا ما يجب أن يرتئيه الشباب السلمي الأعزل من
كل سلاح إلا من صوته ودموعه على فاجعة بلده لضمان استقرار المنطقة. ففي كل دقيقة
هناك حاجة إلى حث الأطراف السياسية على الاتفاق أو التواصل فيما بينها من قبل الشعب
وبخاصة الشباب. فمهما كثرت الجهات الحاقدة والأطراف غير الوطنية فإن الأطراف
الباقية الوطنية إن أنصتت لما يريده الشعب أمكن أن تجد حلاً أو تخفف من وهلة
الأزمة.
ودور الشباب اليوم هو أن يقف وقفة الحزم من كل ما يحدث ومن كل الأيديولوجيات التي
تمثله، والمطلوب منه أيضاً أن يصرخ مطالباً بحوار يقتضي على الأقل وقف العنف والقتل
من كل الجهات، والعمل على معرفة كل جهة تبنت العنف في بلده. ويريد الشباب جهات تعطي
ضمانات تتوافق مع احتياجاته، ولا يريد جهات تنادي بمصالح خاصة أو مصالح مبدئية لا
تنطبق على الشعب السوري، ويريد أن يعي من هي أطراف الصراع فعلاً، وأن تكف أيضاً عن
اتهام بعضها بالتخريب والقتل المستمر بل أن تسعى لإيقافه.
سبق للشباب أن حاول المطالبة بوقف القتل من جميع الأطراف، وظُلم وعوقب على مواقفه.
فهل سيسمح له بالخروج إلى شارعه السوري ليوصل صوته وصرخاته المطالبة بوقف العنف؟ هل
سيسمح له بالتعبير عن استيائه من الوضع الحالي لبلده؟ وهل سيستطيع التأثير على
أطراف الأزمة الذي يتبناها على اختلافها بأن تجد الحل الأسرع لتخليص البلد؟ وهل
ستخيب آماله إلى الحد النهائي أم لا؟
هذا ما تحدده المرحلة اللاحقة، فإن استمرت الأطراف السياسية بالتهاون بخصوص إيجاد
حل حازم، والاستمرار بعدم إبداء مرونة إزاء أي مقترح يقدم لها بخصوص حوار عادل،
فضحية ذلك هو المزيد من القتل والدم والاستهتار بمصير الشعب. ونتيجة هذا الاستهتار
هو الانفلات والخيبة من القوى المتصارعة التي ستتهم بتفاقم الأزمة إن لم تتوصل إلى
اتفاق بأسرع وقت. وبغياب الاتفاق والحوار ومع طول فترة الصراع واستمرار الدم ستفقد
كل الأطراف مصداقيتها عند الشعب، ولن يرضى بأن يمثله أحد، لأنه سيدرك، بل يتأكد، أن
الصراع ليس من أجل إعلان مصالح الشعب. وهذه مرحلة لا يحمد الوصول إليها ولا تعرف
عواقبها.