في زمن الأنترنت والاتصالات السريعة والحديثة عاد الفكر العربي المبدع إلى تراثه واستنبط طريقة لنقل الرسائل الإلكترونية باستخدام الحمام الزاجل مخالفاً بذلك كل التوقعات والتنبؤات الفلكية التي أصرت على أنه لن يكون للحمام الزاجل من وظيفة ولا عمل في هذا العصر بل أكثر من ذلك فقد ذهب البعض بالقول بأن نقابة الحمام لن تعترف به كوسيلة لنقل الرسائل
ولأنني من المتابعين لمستجدات الأمور في هذا المجال نتيجة رد فعل على اتهامي بعرقلة التطوير والتحديث فقد تقدمت بطلب للموافقة على تفعيل خدمة نقل الرسائل باستخدام الزاجل وقد حصلت عليها بعد دراسة أمنية واجتماعية لوضعي ومقوماتي والتأكد من عدم استخدامي للخدمة في أعمال عشقية انفلاتية أو سياسية تآمرية وبعد توقيعي على عقد إذعان لصالح الشركة أعلن فيه صراحة قبولي بدفع الاشتراك وثمن الباقة التي أشترك فيها حتى في حال توقف الخدمة حامداً وشاكراً ومعترفاً أنه يكفيني كمواطن متهم بإساءة استخدام الخدمة فخراً قبول الشركة بي كمستفيد من خدماتها
ومر فاصل من الزمن تم استخدامه لدعايات العلكة وعروض التقسيط المغرية على السيارات الفخمة إلى أتى ذلك اليوم المشرق اشراقة أمل بأن يفهم المتأمر حجم المؤامرة التي تحاك به على الوطن وأن يفهم الفاسد إلى أين وصل بنا فساده وأن يفهم المغيب كيف يتم استخدامه كوقود لحرق البلد من قبل شيوخ الفتوى مسبقة الدفع وقد كنت على السطح منتظراً بريدي الإلكتروني وبينما أنا بين المصدق واللا مصدق ,المقتنع واللامقتنع هبطت حمامة باتجاهي معتمدة على الشريحة الإلكترونية التي تم ربطها بجناحها والتي تتوأم مع الوصمة التي وضعتها الشركة على جبيني عندما تم تفعيل الخدمة لي وما إن نزلت هذه الحمامة والتقطت أولى رسائلي التي كانت من قارئٍ لما أحشو به صفحات المواقع وقد كانت رسالته :
" من قارئ يحاول أن يدقق في مدى واقعية ومصداقية ما يقرأه إلى دنكشوت الذي لا يحارب إلا طواحين الهواء متخيلاً أنها أعداء وجحافل من الفساد تحاول تدمير مملكته الأفلاطونية التي يريدها خالية من كل أشكال الفساد
لطالما حاولت أن أفهم من كتابتك ما الذي ترمي أو تحاول الوصول إليه وهل أنت حقاً تسعى للوصول إلى آلية مفيدة لخدمة هذا الوطن فاخترت تناقضاً لتسقط عليه كل تلك الأفكار التي تحاول إيصالها للمتلقي ولسبب ما قد لا أعرفه كان هذا التناقض بعيداً عن الواقعية ولنقل أن أبسط اشكالياته هي أنه غير حقيقي فببساطة قد يكون صحيحاً أن كل مكاتب المسؤولين تحوي علّاقات أو شمّاعة ولكن لم أجد أي مكتب يحتوي على العلّاقة والشمّاعة معاً
ولعله فاتك أن المسؤولية قد لا تعني عند البعض فقط الاستفادة من الموقع الذي يشغلونه وإنما الفرق الذي يحدثه هذا الموقع بينهم وبينا نحن من يطلقون عليهم تسمية الرعاع وعليه تتشكل عدة طبقات تبدأ من نخبة النخبة بشمّاعة فخمة والنخبة بشمّاعة والعليا بعلّاقة والوسطى بمسمار وأخيراً الرعاع بلا جدار وما ينطبق على العلّاقة ينطبق على كل ما يتعلق بالمسؤول كالمكيف والسيارة وفرش المكتب والمستخْدَم والضيافة فالمكيف المميز لنخبة النخبة والمكيف الجيد للنخبة والمروحة الجيدة للعليا والمروحة القديمة للوسطى والهواء الساخن للرعاع وهو ما ينطبق على السيارة فعدة سيارات فارهة وموديل السنة الحالية لنخبة النخبة وسيارة فارهة للنخبة وسيارة جيدة للعليا وسيارة مهترئة للوسطى والتخليل والتكديس للرعاع وغريب كيف أنك لم تستوعب أصناف المسؤولين فبعضهم الطيب الذي يكتفي بتأمين مصالحه أما بعضهم فيعنيه قبل تأمين مصالحه العمل على عدم تأمين متطلبات الآخرين ليبدو الفرق واضحاً بين من أنعم الله عليه بالمسؤولية ومن غضب عليه بالرعاعية واسمح لي أن أشرح لك في هذا السياق مقومات المسؤولية وهي :
1- التقريب والتبعيد أي عدد الخطوات التي يضطر المسؤول لقطعها كي يتمكن من الوصول إلى مكتبه أو إلى الفيء الذي يحكمه فالمسؤول الكبير تكون خطوته الأولى اقرب ما يمكن إلى باب مكتبه في حين أن الباقيين عليهم أن يمشوا تحت الشمس والمطر كدليل على عدم مسؤوليتهم
2- التكديس والتفريد وهو يتضمن عدد الأمتار المربعة المخصصة للمسؤل وعليه فالمسؤول من النخبة مكتبه واسع وعريض ويلحق به عادة عدة غرف لخدمته وتأمين متطلباته في حين أن باقي فئات الشعب يتم تكديسها أو تخليلها في مكتب واحد حسب الرغبة في الحصول على المخلل أو المكدوس
3- التفخيم والتقزيم وتقوم على إحاطة المسؤول بهالة من العظمة ابتدأ من عدد المرافقين ووصولاً إلى مستواهم في حين أننا نحن الرعاع نمشي بلا أي اكتراث من أي أحد حتى من الموظفين والمواطنين العاديين
ويرتبط هذا بعدة مؤشرات مادية ومعنوية كالتأثير وامتداده إلى المقربين أو الأبعدين والمقربين
والطاووسية ومدى الطوسنة وتأثير الطوسنة
والمنفعة الرشواتية الحدية والتي يمكن تعريفها بالحد الأدنى المدفوع للمسؤول عن تسهيل خدمة من الدرجة الأولى كترخيص ما لا يمكن ترخيصه أو إدخال ما هو ممنوع إدخاله
المخلص رعروع "
قرأتُ الرسالة مرات ومرات رغم ملاحظتي لامتعاض الحمامة الزاجلة من انتظارها الطويل فقد حققت كامل شروط الخدمة بوضعها بالقفص الخاص وتقديم الذرة البيضاء لها طيلة فترة استبقائها للرد على الرسالة وفتحت دليل العناوين للبحث عن البريد الإلكتروني لشهرزاد وعندما لم أجده استحضرتها على شاشة الأي باد وسألتها عن سبب عدم اشتراكها في خدمة الحمام الزاجل لنقل الرسائل فقالت أنها مشتركة بما اكتشفه الهنود وهو خدمة نقل الرسائل بتوارد الأفكار وطلبت مني وضع سماعة الأفكار على صدغي وراحت تقرأ أفكاري واعترافي بصحة الكثير مما جاء في مضمون الرسالة وشعرتْ بألمي عندما قرأتْ في أفكاري الجواب على السؤال عمن يدفع الثمن ؟ فما كان منها عندما انتهت من قراءة
" إن كل ما يزيد عن الحاجة يدفع ثمنه الوطن " إلّا أن قالت آهٍ . . . يا وطن